رؤى

شروخ في جسد قوات مواجهة «بوكو حرام»

‎عرض وترجمة: أحمد بركات

المقال عرض لتقرير «مجموعة الأزمات الدولية»

‎تعد «قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات»، حلقة في سلسلة الجهود التي تبذلها دول حوض بحيرة تشاد «الكاميرون، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا» للتعاون والتنسيق فيما بينها لمحاربة جماعات العنف المتطرفة التي تهدد أمن ومصالح الدول الأربعة.

‎نفذت القوة المشتركة عمليات دورية، شاركت فيها في أغلب الأحوال قوات من الدولة التي تحارب في البلد المجاور، وحققت الهجمات التي نفذتها القوة المشتركة انتصارات واعدة، وساعدت على غرس روح العمل الجماعي بين مكوناتها، لكن الفصائل المتطرفة سريعة الحركة سرعان ما أعادت تجميع صفوفها، ما تسبب في إرباك حسابات القوة متعددة الجنسيات، وساعد من أزمة القوة المشتركة إحجام الدول الأربعة المشاركة فيها عن التنازل عن القيادة للقوة ذاتها، فضلا عن تأخر التمويلات.

‎يدل سير الأحداث على أن نجاج مواجهة المتشددين في بحيرة تشاد، لن يعتمد فقط على القوة المشتركة، وإنما أيضا على ما إذا كانت هذه الدول قادرة على تحسين ظروف سكان المناطق المتضررة، وتوفير مزيد من سبل العيش والخدمات الأساسية، وبث مزيد من الثقة في نفوسهم تجاهها.

تطوير أداء قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات يمكن أن يساعد في تنفيذ هذه الاستراتيجية، ‎في هذه الحالة، يجب على دول بحيرة تشاد أن تعمل جميعا على تعزيز قدراتها التخطيطية والاتصالاتية، ‎وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وأن تمتثل لمواثيق وقوانين حقوق الإنسان المعترف بها دوليا وإقليميا، وأن تنسق فيما بينها للعمل على المستويين المدني والعسكري، كما يجب عليها التوصل إلى توافق في الآراء مع الجهات المانحة بشأن التمويل.

‎أنشأت دول بحيرة تشاد، بالإضافة إلى دولة بنين، قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات في نسختها الحالية في نهاية عام 2014 وبداية عام 2015، وتضم القوة 8000 جندي من هذه الدول، وفي 3 مارس من عام 2015 اعترف الاتحاد الإفريقي بالقوة وفوضها في العمل العسكري وارتأى أن تتولى هيئة شبه إقليمية وهي ‎«لجنة حوض بحيرة تشاد» ‎الإشراف المدني عليها.

‎حققت القوة المشتركة بعض المكاسب، فقد ساعد العمل المشترك القوات من الدول المختلفة على تبادل الخبرات وتعزيز فكرة التعاون العابر للحدود وتطوير التنسيق التكتيكي، كما ساعدت العمليات المشتركة خاصة تلك التي تضمنت قوات تشادية منتشرة في دول أخرى على الحد من انتشار عناصر بوكو حرام في عامي 2015 و2016، والضغط على الجماعة مما أدى إلى انقسامها إلى ثلاثة فصائل على الأقل.

وأدت الهجمات غير المستدامة التي شنتها القوة المشتركة في عامي 2017 و2018، إلى جانب عملية أكثر استدامة في عام 2019، إلى قلب الطاولة على مسلحي «بوكو حرام»، وتحرير المدنيين الذين أسرتهم الجماعة، أو حوصروا في المناطق التي سيطرت عليها، وسهلت إيصال المساعدات الإنسانية.

 

رغم ذلك، كان التقدم الذي حققته هذه القوات ضد «بوكو حرام» وفروعها قصير الأجل في أغلب الأحوال، فقد نجحت الفصائل المتطرفة في تجاوز الهجمات بشكل مستمر، وترجع قدرة هذه الفصائل على الصمود والعودة بصورة متكررة إلى قدرتها على الهروب إلى مناطق أخرى من ناحية، وعجز الدول وبخاصة نيجيريا، عن متابعة العمليات العسكرية وبذل مزيد من الجهود من أجل إعادة بناء المناطق المحررة وتحسين أحوال سكانها من ناحية أخرى.

‎وعلى الأرجح، فإن عدم توافر عنصر الاستدامة في العمليات الأولى التي نفذتها القوة المشتركة بعد إنشائها جعلها غير فعالة، برغم قدرة المتطرفين على إعادة تنظيم أنفسهم واستئناف نشاطاتهم حتى بعد الحملة الأطول على الإطلاق في عام 2019.

في هذا السياق، يعد الهجوم الذي شنه المتشددون في مارس 2020 على إحدى القواعد العسكرية على بحيرة تشاد أحد أكثر العمليات دموية حتى الآن، حيث أودي بحياة 90 جنديا تشاديا. ورغم أن القوات التشادية شنت هجوما لاحقا خارج رعاية القوات المشتركة لتأمين البحيرة، إلا أن المتشددين  تمكنوا على الأرجح من إعادة تجميع صفوفهم مرة أخرى.

‎تعاني قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات أيضا من قيود هيكلية، فسلسلة القيادة الخاصة بها ضعيفة حتى بمعايير القوات متعددة الأطراف، لأنها تتألف من وحدات لقوات محلية تقاتل بالأساس داخل بلدانها، ويتناوب انضمام وخروج الجنود من هذه القوة بحسب ما يراه القادة المحليون مناسبا.

‎كافحت «لجنة حوض بحيرة تشاد» – الهيئة المدنية المشرفة على هذه القوة، والتي تعاني بالأساس من ضعف الموارد – من أجل ممارسة نوع من السلطة عليها، وكبح جماح الانتهاكات التي يرتكبها الجنود الذين لا يزالون يخضعون للمحاسبة أمام القيادات الوطنية المحلية، كما أن اعتراف الاتحاد الإفريقي بهذه القوة وتفويضه لها لا يمنحه الحق في ممارسة الرقابة عليها إلا في أضيق الحدود، رغم محاولات اللجنة المتكررة لصياغة قواعد معاملة موحدة تجاه المتشددين المعتقلين، ومن يرتبطون بهم.

يمول الاتحاد الأوربي القوة المشتركة من خلال الاتحاد الإفريقي، إلا أن احتجاز الأموال الأوربية منذ فترة طويلة في أديس بابا، أدى إلى تأخير وصول معدات مهمة، وعزز الاتهامات بين الجهات المعنية.

إن القصور الذي تعانيه القوة المشتركة لا يفسر أسباب استمرار التشدد حول بحيرة تشاد إلا بشكل جزئي، حيث تعتمد الجهود المناوئة للجهاديين في الغالب على سياسات الدول نفسها، والتي لا تشكل العمليات المشتركة سوى مكون واحد فقط منها من بين مكونات عديدة، ‎رغم ذلك، تبقى الشروخ في جسد هذه القوة عاملا مهم في الحد من فاعليتها.

‎ولجعل هذه القوة جزءا أكثر فاعلية ضمن جهود مكافحة المتمردين الجهاديين في المنطقة، فإنه يتعين على دول بحيرة تشاد:

  • ضرورة التنسيق ووضع خطط مشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية. كما يجب أن تتجه الحكومات المحلية والقادة العسكريون بدرجة أكبر صوب تبادل مزيد من المعلومات مع القوة المشتركة، وأن تمنح كبار مسئوليها مساحة أكبر لتحديد ما يجب مشاركته وما يجب حجبه لأسباب أمنية، كما يجب على هذه الدول إرسال قوات لفترات أكثر استدامة وتحديد متى تعمل القوات الوطنية تحت قيادة قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات.
  • بالاشتراك مع الاتحاد الأفريقي، يجب تكثيف التدريب في مجال حقوق الإنسان، ورصد الانتهاكات في هذا السياق لتحسين امتثال وحدات القوة المشتركة للقوانين الإنسانية الدولية ومعايير الاتحاد الإفريقي بشأن السلوك والانضباط، كما يجب أن تولي القوة المشتركة اهتماما خاصا بمعاملة مقاتلي «بوكو حرام»، سواء المعتقلين أو المستسلمين، وضمان تسليمهم بسرعة من قبل الوحدات إلى السلطات المدنية، مما سيساعد دول بحيرة تشاد على تحسين علاقاتها بالسكان المحليين الذين قد يرون أن القوات – بخلاف ذلك – تسيء معاملة شبابهم.
  • تمكين قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات من تقديم دعم أفضل إلى «الاستراتيجية الإقليمية لتحقيق الاستقرار»، التي وضعها الاتحاد الإفريقي في عام 2018، والتي تهدف إلى تحسين الخدمات وخلق سبل عيش جديدة في المناطق المتضررة من الصراع، ويستلزم ذلك تعزيز قدرة كل من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات ولجنة حوض بحيرة تشاد على التعاون مع الفاعلين المدنيين المسئولين عن الاستراتيجية.

 ولضمان تحسين الرقابة على هذه القوة، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، يجب على دول بحيرة تشاد أن تحول تدريجيا المكونات المدنية التابعة للقوة التي يمولها الاتحاد الإفريقي، والتي تخضع الآن للقيادة العسكرية، إلى لجنة حوض بحيرة تشاد.

‎*هذه المادة مترجمة (باختصار). يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock