فن

شويكار ..سيدة الفن الجميلة

شكلت مع فؤاد المهندس ثنائيا مهما في المسرح ورحلت بعد أن قدمت مئات الأعمال الفنية الباقية والخالدة..

أثناء عرض  مسرحية “أنا وهو وهي” وأمام جمهور المتفرجين قال فؤاد المهندس لشويكار في مشهد رومانسي واقعي بعيدا عن مشاهد المسرحية :”تتجوزييني يا بسكوتة ” وكان ردها سريعا ” وماله ..باحبك .. وموافقة” وتم الزواج سريعا.. وهكذا كانت حياة شويكار ابراهيم طوب صقال  مصرية النشأة والتربية والإحساس والمشاعر تركية الجينات .. سلسلة من  مشاهد الحب والحزن والنجاح والصدفة.

رحلت شويكار أمس الجمعة الرابع عشر من أغسطس بعد عمر ناهز الخامسة والثمانين بأحد مستشفيات الدقي إثر انفجار داهم مرارتها، وبقيت سيرتها الفنية شاهدة على فنانة كبيرة تركت أثرها مضيئا ومضت.

الدويتو الأشهر

حين سئلت شويكار : ماذا كنت تتمنين لو لم تكوني فنانة أجابت:زوجة وأم، قالتها هكذا بلا تكلف ولا تصنع وأضافت: لم أفكر أبدا فى احتراف الفن ولم أبحث عن التمثيل.

فقد نادت عليها السينما وساقتها الظروف للفن، كانت شويكار شابة صغيرة لم تتجاوز التاسعة عشرة من عمرها حين ترملت، إذ زوًجها والدها الثري التركي الذي يعني لقب عائلته “طوب صقال” بالتركية الرجل ذي اللحية المدببة ووالدتها الشركسية، زوجاها لمحاسب شاب  يدعى حسن نافع الجواهرجي، واستمر الزواج سنتين وبضعة أشهر  أصيب خلالها الزوج الشاب بمرض خطير ورحل تاركا زوجة شابة وبنتا صغيرة هي منة الله التي كان عمرها سنة وثلاثة أشهر، ووجدت شويكار نفسها تواجه الحياة بمفردها، فعملت سكرتيرة بشركة شل للبترول قبل أن يراها المنتج جمال الليثي والمخرج كمال الشيخ  في نادي هليوبوليس ليعرضا عليها العمل في فيلم حبي الوحيد مع عمر الشريف ونادية لطفي وكمال الشناوي، بعدها دخلت شويكار معمعة السينما سريعا لتشارك في أفلام: غرام الأسياد والزوجة 13واعترافات زوج.

شويكار وعمر الشريف من فيلم غرام الأسياد
شويكار وعمر الشريف من فيلم غرام الأسياد

في حبي الوحيد شاركت شويكار بدور مضيفة وكانت وقتها تجيد اللغة الفرنسية اجادة تامة، وانتسبت لقسم اللغة الفرنسية بآداب القاهرة، وفي غرام الأسياد شاركت بدور لولو التي تساعد البطلة نور ” لبنى عبد العزيز على ان تصبح عارضة أزياء شهيرة، وفي الزوجة 13 قامت شويكار بدور ضيفة الشرف التي تخبر الزوجة شادية بأن زوجها رشدي أباظة تزوج قبلها 12 مرة.

بداية من فيلم اعترافات زوج عام 1964 الذي قامت فيه بدور لطيفة زوجة  وحيد ” فؤاد المهندس  ” واللذين تجمعهما مجموعة من المشاهد والمواقف الكوميدية المدهشة والبديعة، مع بقية أبطال الفيلم هند رستم ويوسف وهبي وماري منيب، بدأت شويكار تعرف طريقها إلى  أدوار البطولة المطلقة، وشكلت مع فؤاد المهندس أشهر دويتو فني في السينما  المصرية وفي المسرح أيضا .. فقدمت مع المهندس أكثر من عشرين فيلما كوميديا واجتماعيا من نوعية أفلام اللايت الخفيفة التي تجذب قطاعا هائلا من المشاهدين، وحيث شكلت مع المهندس ثنائيا كوميديا قادرا على الإضحاك بسينما تخلو تماما من الإسفاف و الإغراء الفج، شاركت شويكار مع المهندس بطولة أفلام كوميدية اجتماعية خفيفة مثل أنا وهو وهي، مستر إكس وأخطر رجل في العالم، وفيفا زلاطة، والعتبة جزاز، وهارب من الزواج، و مطاردة غرامية، وأجازة غرام وإنت اللى قتلت بابايا .. وغيرها من الأفلام.

فؤاد المهندس وشويكار من فيلم مطاردة غرامية
فؤاد المهندس وشويكار من فيلم مطاردة غرامية

قبل فيلمهما الأول اعترافات زوج كانت شويكار قد التقت المهندس في مسرحية السكرتير الفني من إخراج عبد المنعم مدبولي عام 1963، وحيث قامت شويكار في المسرحية بدور  سيدة الأعمال عزيزة التي تعجب  بمدير أعمالها ياقوت عبد المتجلي “فؤاد المهندس” وتتزوجه.. وربما حدث الحب والإعجاب سريعا بين المهندس وشويكار في هذه المسرحية، التي رتبها القدر لهما، فقد كان السيد بدير مرشحا لدور البطل، وكانت برلنتي عبد الحميد مرشحة لدور البطلة، ولظروف تخص الاثنين لم يستطيعا المشاركة في المسرحية ليسند عبد المنعم مدبولي دوري البطولة لفؤاد المهندس وشويكار،

وبعدها مباشرة دخل الدويتو الناجح تجربة مسرحية أنا وهو وهي التي شهدت البداية الفنية الحقيقية لعادل إمام، وفيها قامت شويكار بدور الفتاة الجميلة نادية التي  يحبها المحامي حمدي ” فؤاد المهندس ” وتبيت في مكتبه ويعتقد انها زوجة البلطجي النمساوي “توفيق الدقن “، وتتولد  مواقف ومفارقات كوميدية شديدة الروعة والإضحاك بين الثلاثي المهندس وشويكار والدقن ومعهما الكوميديان الناشئ آنذاك عادل إمام  أو دسوقي أفندي وكيل المحامي الذي عرفه الناس بلزمته الشهيرة التي بقيت حتى الآن ” بلد شهادات صحيح”.

في هذه المسرحية وعلى خشبة المسرح عرض المهندس الزواج على شويكار  بعبارته الشهيرة تتجوزيني يا بسكوتة لترد :وماله، ليتم الزواج  عقب انتهائهما من تصوير آخر مشاهدهما في فيلم هارب من الزواج، وكانت شويكار ترتدي فستان وطرحة زفاف وكان المهندس يرتدي بدلة شيك وكرافت، ليتوجه الاثنان ومعهما حسن الصيفي وزهرة العلا إلى المأذون كما حدث في السينما.

شكلت شويكار مع المهندس دويتو كوميديا مسرحيا ناجحا وحققت مسرحياتهما في الستينات نجاحا باهرا،  مثل  أنا وهو وسموه وسيدتي الجميلة وأنا فين وانتي فين وحالة حب وحواء الساعة 12، وهي مسرحيات كان يستمر عرضها شهورا وجذبت قطاعات جديدة من الجمهور المصري لخشبة المسرح، وفيها تجلت شويكار مع المهندس بأدوار كوميدية استغلت فيها شكلها الارستقراطي، وطريقة نطقها للحروف لتبدع  لزمات  وجملا كوميدية استمرت عالقة بذاكرة الجمهور مثل شئ لا يصدقه عكل، وإن كانت قد تمردت على نوعية الأدوار الأرستقراطية في المسرح بدور صدفة حسب الله بعضشي النشالة بنت البلد، والمرأة الشرسة التي تتحول علي يد كمال الطاروطي ” فؤاد المهندس ” إلى امرأة ارستقراطية  هي صدفة داوود التفكشي.

استمر زواج شويكار من فؤاد المهندس ما يقرب من عشرين عاما، وجمعهما بيت واحد مع ابني المهندس محمد وأحمد وابنة شويكار منة الله، وكان ابنا المهندس قريبين جدا من شويكار أو شوشو كما كان الجميع ينادونها بينما كانت منة الله قريبة أيضا من فؤاد المهندس، واستمر الزواج  طويلا إلى أن حدث الطلاق بعد مسرحية سك على بناتك عام 1980 وهي المسرحية التي جمعت بين شويكار والمهندس كالعادة، وقد قال ابنا فؤاد المهندس إن والدهما كان يحب شويكار حبا كبيرا، وكانت تبادله نفس الحب، وكان يعشق الطعام الذي تقوم بصنعه.

قالت شويكار عن فؤاد المهندس :كان لي الحبيب والصديق والزوج والأخ والمعلم وأعتقد أنني كنت الحب الأول والأخير في حياته، وقال أحمد ابن فؤاد المهندس إن شويكار لم تكن  تتحدث مع أحد عن فؤاد المهندس إلا بقولها: الأستاذ، وفي مرضه الأخير وبعد أن أصيب المهندس بالاكتئاب بعد الحريق الذي نشب في شقته بالزمالك ودمر كثيرا من مقتنياتها ومن أشياء كانت تمثل له ذكرياته الأثيرة كانت شويكار إلى جانبه للحظة الأخيرة.

أما لماذا حدث الطلاق رغم قصة الحب الكبيرة بينهما فلم يفصح أى منهما عن السبب وإن كان البعض يرجعه إلى غيرة المهندس الشديدة على شويكار.

تغيير الجلد الفني

في السبعينيات تمردت شويكار على أدار الكوميديا والأدوار الاجتماعية الخفيفة، وقامت بأدوار مركبة تتطلب موهبة فنية كبيرة مثل دور درية في طائر الليل الحزين، زوجة المسئول الكبير التي يقضي البطل المتهم في جريمة قتل “محمود عبد العزيز  ليلة وقوع الجريمة  عندها في بيتها وتتناوبها مشاعر  متناقضة بين الخوف الشديد من زوجها و شهادة الحق التي تنقذ بريئا، إلى أن تنتصر للحق والضمير، وفي الكرنك هي قرنفلة صاحبة المقهى التي ترتبط بعلاقة محرمة مع طالب الطب إسماعيل الشيخ ” نور الشريف”.

وعلى هذه الشاكلة من الأدوار غير النمطية غيرت شويكار جلدها في أفلام من عينة  الشحات ودائرة الانتقام والإخوة الأعداء والسقا مات وأرزاق يا دنيا وأمريكا شيكا بيكا، وكان آخر أدوار شويكار هو دورها المهم والرئيسي في فيلم ” كلمني شكرا” عام 2010 من إخراج خالد يوسف حيث قامت فيه بدور رابحة أم إبراهيم توشكا ” عمرو عبد الجليل”..

أما  في الإذاعة فقد شكلت شويكار مع فؤاد المهندس أيضا دويتو إذاعيا شهيرا و عرفا بمسلسلاتهما الإذاعية التي كان ينتظرها المصريون على إذاعة البرنامج العام في رمضان، مثل مسلسلات شنبو في المصيدة ودليلة والفك المفترس ودنيا بنت دنيا وإجري إجري.

وعلى حضورها السينمائي والمسرحي وتاريخها الكبير في السينما والمسرح فإن شويكار تواجدت أيضا في الدراما التليفزيونية، وإن لم يكن بشكل كبير فشاركت في بطولة مسلسلات ناجحة مثل هوانم جاردن سيتي وإمرأة من زمن الحب وبنت من شبرا وكلام رجالة وكان آخر مسلسلاتها  هو سر علني مع غادة عادل عام 2012، وبعد هذا المسلسل ابتعدت شويكار عن الفن والتمثيل، واكتفت بالمداخلات التليفزيونية على فترات متباعدة، وكان آخر عهد لجمهورها بها هو مداخلتها مع الإعلامي وائل الإبراشي في برنامج التاسعة مساء في رمضان الماضي، وتحدثت فيه عن أغنيتها الرمضانية الشهيرة مع فؤاد المهندس “الصيام مش كدة”، كما تحدثت عن كورونا ووجهت عددا من النصائح  للمصريين لمواجهة الوباء، قبل أن تدخل في أزمة مرضية انتهت برحيلها أمس عن خمسة وثمانين عاما إلا ثلاثة أشهر فقد ولدت في 4 نوفمبر عام 1935 وهو اليوم الذي يوافق عيد الحب .. وهي مصادفة لا تخلو من دلالة فقد أشاعت شويكار حالة حب في جمهورها وبين كل من عرفها واقترب منها.. رحمها الله.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock