” كل فضاء تطوف به الموسيقى، لا يعرف الحزن إليه طريقًا “، بهذه المقولة يستهل ولاء كمال، الكاتب والمترجم المصري الشاب المولود في إنجلترا عام 1984، كتابه ” أيامي مع كايروكي..وحكاية جيل أراد أن يُغير العالم ” الذي صدرت منه طبعتان عن الدار المصرية اللبنانية.
كمال الذي يعلن أن 25 يناير 2011 ليست مجرد عطلة رسمية، ولا يجب أن تكون، يتساءل لماذا هذا الكتاب؟ ويجيب بأن ما قاده إلى ذلك هو فكرة ظلت تلح عليه لأيام دون أن تفارق ذهنه، متسائلا أيضًا: من هو جيلنا؟ وما هي ملامح جيل صنع الثورة؟ إحباطاته؟ شخصيته؟ وما الشخصية المصرية الحالية، تلك التي تصل إلى مشارف النضج في أوائل القرن الجديد؟ ولماذا انمحت من ذاكرتها كل الدلالات والمشاعر القوية التي صاحبت هذا الحدث العظيم الذي صنعناه بأنفسنا؟ ومجيبًا عن سؤال: من نحن؟ يقول الكاتب إنه مع مطلع كل قرن ينشغل الباحثون والمؤرخون بالتأريخ للقرن الذي سبقه، وعادةً ما تُلقى هذه المهمة على عاتق الجيل الذي عاصر نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الجديد في محاولة للتشبث بذكرى أنماط حياة قد ولت ومضت.
أما السؤال الأهم بالنسبة للكاتب فهو: هل مر التاريخ الإنساني كله بمثل التطور الذي مررنا به في العشرين عامًا الأخيرة ” 1997 – 2017 “؟ هذا الانفجار التكنولوجي الذي نقلنا من زمن بلا إنترنت، أو هواتف محمولة أو وسائل تواصل اجتماعي، إلى وجود هذه العناصر بشكل أساسي في حياتنا بعد أقل من عشر سنوات على بداية ظهورها.
احتضان التكنولوجيا
هنا يرى الكاتب أن هذا الجيل قد احتضن التكنولوجيا بسرعة ومهارة، وتمكن من خلالها أن يطلق الشرارة الأولى لواحد من أهم الأحداث التي شهدتها البلاد في عصرها الحديث، وقد صاحب هاتين الثورتين، التكنولوجية والشعبية، تغيّر هائل في كل شيء.تحولات كاملة في كل عنصر من عناصر حياتنا: القيم الأخلاقية، فهمنا ونظرتنا للدين، العمل، الصراع الطبقي، الحراك الاجتماعي والزحف العمراني نحو المدن الجديدة، تطور الريف والصعيد، تقلبات سياسية، أنماط استهلاكية وطموحات مادية، تأرجح وتغير كبير في الأذواق الفنية والأهم هو فقدان الهوية.
في ” أيامي مع كايروكي ” يطرح الكاتب ولاء كمال عدة أسئلة منها: من نحن؟ من كنا؟ وماذا أصبحنا؟ وماذا سيكون عليه الجيل الآتي بعدنا؟ هل سيعرفون ما قمنا به من أجل إيماننا بهذا الوطن وأملًا في مستقبل أفضل؟ ما أبرز ملامح الشخصية المصرية في القرن الواحد والعشرين؟ وما موقعنا التاريخي وسط أجيال عاصرت حربين عالميتين وثورة على الاستعمار في بدايات القرن، ثم ثورة أخرى في منتصفه؟ وما هي الظروف التي أدت بنا إلى لحظة الانفجار الكبرى عشية انتهاء العقد الأول من القرن الجديد؟
وسيلة للتوثيق
هنا حاول الكاتب تسجيل كل هذا في كتاب لأن التاريخ في رأيه وبمفهومه الأوسع والأشمل لا يعترف بوسيط أهم من الكتاب للتوثيق، ولقد اختار جيل الكاتب أن يوثق لنفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بكل ما تسجله من جدال واختلاف الآراء وتوثيق الأحداث، غير أن هذا النوع من التوثيق، حسب رؤيته، يختفي بعد بضعة أشهر..
أيضًا يقول كمال هنا إنه وسط ثقافة الاختزال التي نعيشها الآن، ثقافة الـ ” ستاتيوس ” والـ ” تويت ” والهاشتاج، من الغريب أن يصدر كتاب بهذا الحجم، غير أن هذه كانت هي فكرته بالضبط: جيل اختار أن يختزل كل شيء في كلمة أو اثنتين، كل إحساس، كل فكرة، كل حدث وكل موقف، ولكن إلى أي مدى أضرت بنا ثقافة الاختزال تلك، وصارت انعكاسًا للتسطيح وأخذ الأمور بالظاهر وافتقاد التعمق الحقيقي لفهم الأمور؟
مثلما يذكر أن سؤال: كيف أكتب هذا الكتاب؟ عن مَن وماذا أحكي؟ ظل عالقًا بذهنه لمدة انشغل خلالها بأشياء أخرى حتى ذلك اليوم الذي اصطحبته فيه صديقة له إلى حفل لفرقة ” كايروكي “.
وحين يتحدث المؤلف عن أغاني هذه الفرقة يقول عنها إنها تجسد بوضوح ومباشرة شديدة كل ما يحلم به أي شاب، بغض النظر عن الجيل الذي ينتمي إليه، وتعبر عن كل ما يحاربه ويصارع من أجله بشكل يومي.
مما يراه المؤلف هنا أن هؤلاء الشباب الصغار الذين كانوا يحضرون حفلات هذه الفرقة، يقضون حياتهم يذاكرون، يتعاركون مع ذويهم في محاولات بائسة للتخلص من سلطتهم وتحكماتهم، يعيشون قصص الحب، بعضها ينجح ويفشل بعضها، ويترك بعضها أسئلة ويعمق جراحًا بلا إجابة، أو محاولات يائسة للفهم..هؤلاء الذين يبحثون عن الحرية، يحلمون بالتغيير، يمرون بلحظات يأس وإحباط، يحملون ألف سؤال بداخلهم، يحلمون بالكمال والمثالية والعثور على صوتهم المتفرد، إنهم يبحثون عن وجودهم وهويتهم، وكل هذا يرونه منعكسًا على مرآة أغاني كايروكي وموسيقاها.هنا يقول كمال إن كايروكي هي جمهورها، وهو نفس الجمهور الذي يريد مخاطبته في كتابه، ولهذا ضمّن هؤلاء الشباب في كتابه وقام بسرد رحلتهم باعتبارهم شبابًا، نماذج من جيله، إلى جانب قيامه بتحليل موضوعات أغانيهم التي تتفق مع ما يريد الحديث عنه.
كتاب عن الصداقة
” أيامي مع كايروكي ” كتاب تجاوز الـ 560 صفحة، وقد قسمه كاتبه إلى ثلاثة أقسام، تضم أربعة وخمسين فصلًا، عنْونَ أولها بـ: مغامرة الكاتب والفرقة تبدأ ورحلة ” نقطة بيضا ” تستعد للانطلاق، وثانيها عنوانه: ثمن النجاح – السفر ونزول ألبوم نقطة بيضا، أما القسم الثالث فيحمل عنوان: الجيل يعلن الهزيمة – مع كايروكي في النفس الأخير والجسر يمتد: رحلة الكاتب والفرقة تشرف على نهايتها.
هنا يكتب المؤلف عن ألبوم نقطة بيضا، عن النجاح والإحباط، عن تاريخ موجز للعالم، عن فن الأغنية، عن الإنتاج الموسيقي، وعن أسئلة حول الأخلاق والراب واللغة وأشياء أخرى.
وبعد هذه المعزوفة القصيرة والسريعة على أوتار هذا الكتاب أعيد ذكر ما كُتب على غلافه الأخير: ” هذا الكتاب ليس عن كايروكي فقط، ولكنه عن الفن، الموسيقى، والإبداع. هو أيضًا كتاب عن الصداقة فى مواجهة الإحباط والتحديات، وكتاب عن الهوية والتاريخ. باختصار هذا كتاب عنا جميعًا، كجيل يبحث عن صوته المتفرد وسط هذا العالم “.