الكاتب –
هذا التقرير منقول من موقع بي بي سي لقراءة المصدر الأصلي للتقرير أضغط هُنا
كشفت وثائق سرية بريطانية عن أن الولايات المتحدة اقترحت أفكارا “مرعبة وبالغة الجموح” لمكافحة الإرهاب في ثمانينيات القرن الماضي.
وتقول الوثائق، التي اطلعت عليها بمقتضى قانون حرية المعلومات، إن الجيش الأمريكي “شكل ودرب بالفعل قوة خاصة” لدخول أي دولة دون إذن حكومتها في حالة اختطاف إرهابيين مواطنين أمريكيين.
وطُرحت الفكرة خلال مباحثات جرت في لندن بين وفدين من وزارتي الدفاع الأمريكية والبريطانية في أواسط شهر ديسمبر/تشرين الثاني عام 1986.
ووفق تقرير سري موجه من وزارة الدفاع البريطانية إلى رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، أبلغ الأمريكيون البريطانيين بأنه “في حالة وقوع حادث إرهابي يُخطف فيه عدد معتبر من الرهائن الأمريكيين في دولة غير قادرة على اتخاذ إجراء فعال لضمان تحريرهم أو غير مستعدة لاتخاذ هذه الإجراءات، ولا تعطي إذنا لقوات مكافحة الإرهاب الأمريكية بالدخول لإنهاء الحادث، فإن الولايات المتحدة قد ترغب في إرسال قواتها (إلى هذه الدولة) دون إذن”.
وأكد الوفد الأمريكي أن هذا الخيار “يتضمن السيطرة على مطار (في الدولة المعنية) لضمان دخول القوات الأمريكية”.
وأبلغ الوفد البريطانيين بأنه “يجري بالفعل تدريب قوات خاصة أمريكية على تنفيذ هذا الخيار”.
رفض البريطانيون الفكرة ونبهوا الأمريكيين إلى “المخاطر العملياتية، أقلها تلك التي تهدد الرهائن، والتوابع السياسية لمثل هذا النهج”.
“فرقة خطف”
ووفق تقرير لوزارة الدفاع البريطانية عن “سياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية”، فإن البريطانيين “بينوا بوضوح أن هذا خيارا لم يرد على أذهانهم”.
ورد عليهم الميجور جنرال كيلي، رئيس الوفد الأمريكي، قائلا إن هذا الخيار “يتعلق أساسا بدول العالم الثالث”.
وفي تقييمها للفكرة، اعتبرتها وزارة الدفاع البريطانية “دالة على أسلوب الولايات المتحدة في التعامل مع هذه الأمور”. وأكدت أن الأمريكيين “يتابعونها كاقتراح جدي”.
ورغم استغرابها من الفكرة الأمريكية، مالت وزارة الخارجية البريطانية إلى أن أي تدخل لإقناع واشنطن بالعدول عنها “سيكون غير مجد”.
وصفت الوزارة الاقتراح بأنه “مرعب للغاية”. ونبهت إلى أن “عواقبه السياسية ستكون بالغة الخطورة، فضلا عن التوابع بالنسبة للرهائن”.
وقالت إن لديها معلومات سابقة تؤكد أن الأمريكيين “يدربون فرقة خطف”.
وربطت الوزارة بين هذه الفرقة والاقتراح الجديد، محذرة من أن هذا “يدل على أنه لا تزال هناك بعض الأفكار بالغة الجموح متداولة في واشنطن”.
وبناء على هذا التقدير، لم تر الوزارة “أي جدوى من إثارة الموضوع مع الأمريكيين في المرحلة الراهنة”. وأشارت إلى أن بريطانيا “لن تجعل الأمريكيين يغيرون سياستهم”. ونصحت الوزارة، في النهاية، بأن “يدخر البريطانيون طاقتهم لاستخدامها في مواقف يكون لتدخلهم بعض التأثير”، على الأمريكيين.
اعتراف بريطاني
كانت الراحلة مرغريت ثاتشر هي رئيسة وزراء بريطانيا، وكان الراحل رونالد ريغان هو رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
في تلك الفترة واجهت سياسة مكافحة الإرهاب التي تتبعها الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، انتقادات لتطبيقها ما رآه معارضو هذه السياسة معايير مزدوجة تخلط بين الإرهاب والنضال مع أجل الحرية.
وجاءت تلك الانتقادات بعد تصاعد الصراع بين نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والولايات المتحدة عام 1986.
ففي شهر مارس/ آذار من ذلك العام، أغرقت الولايات المتحدة زورقين عسكريين ليبيين في خليج سرت، الذي كانت ليبيا تعتبره مياها إقليمية ليبية.
وفي الخامس من الشهر التالي، وقع تفجير في ملهى ليلي بمدينة برلين الألمانية، قتل فيه جنديان وأصيب أكثر من70 من مشاة البحرية الأمريكية. واتهمت واشنطن النظام الليبي بتدبير وتنفيذ التفجير.
وفي منتصف الشهر، شنت الولايات المتحدة سلسلة غارات جوية في عملية شارك فيها السلاح الجوي والبحرية ومشاة البحرية الأمريكية. وقتل في الغارات 40 ليبيا على الأقل بينهم طفلة قال النظام الليبي إنها ابنة القذافي.
وبعد دراسة الانتقادات الموجهة إلى السياسة الأمريكية المدعومة بريطانيا، طلب وزير الخارجية البريطاني من معاونيه وضع “مقترحات بشأن طريقة تعامل وزراء الدولة والمسؤولين بوزارة الخارجية مع المقارنات والنظائر التي تطرح بشأن الحالات المختلفة”، أي حالات استخدام الولايات المتحدة وبريطانيا القوة وتعاملهما مع الجماعات المختلفة التي تنتهج العنف.
وكان هدف التكليف هو البحث عن إجابات مقنعة على تساؤلات بشأن معايير التمييز بين “الإرهابيين” و”المقاتلين من أجل الحرية”.
وحسب وثيقة لوزارة الخارجية، خلصت المشاورات بين إدارتي البحوث والتخطيط وبقية الإدارات ذات الاهتمام إلى أن “المشكلة معقدة وتثير بعض النقاش الحي على المستوى العملي”.
وأضافت أنه “ليس هناك حل لهذه المشكلة حتى الآن”.
وكانت إحدى المعضلات الأخرى هي أن “تفسير الموقف البريطاني (الذي يبدو أنه يطبق معايير مزدوجة) في كل حالة ليس متاحا دائما”. فقد توصلت المشاورات إلى أن “عدم الثبات على مبدأ واحد ( في السياسة) ناتج عن قرارات واعية تستند إلى أسس جيدة بشأن حالات فردية (جماعات فردية)، غير أنه ليس من الممكن دائما شرح هذه الأسباب علنا”.
وأرسل الفريق المكلف بإجراء المشاورات قائمة بـ “إرشادات مفيدة” لمسؤولي بريطانيا وسفاراتها في الخارج للدفاع عن الموقفين البريطاني والأمريكي.
وجاء على رأس قائمة الإرشادات “الرفض الدائم لأي مقارنات، وتجنب تفنيدها بالتفصيل حتى لا تُعطى هذه المقارنات قيمة”.
ومن بين أهم هذه الإرشادات تجنب تبرير السياسة المتبعة، في التعامل مع حالة بعينها، باستخدام مبدأ دولي يمكن أن يستخدم ضد بريطانيا في حالة أخرى.
فحذرت الإرشادات من استخدام المبدأ الذي يقول “نحن لا نقيم أبدا اتصالا مع جماعات تستخدم العنف”.
العنف “أحد حقائق الحياة”
وفي الحالة الليبية، نُصح بالقول إن “الأمريكيين عانوا على يدي القذافي، وفعلوا أقصى ما بوسعهم لمنع هجماته وردعها بوسائل أخرى”، غير القوة العسكرية.
ووفق استراتيجية الدفاع البريطانية عن سياسة مكافحة الإرهاب، قالت الإرشادات إن “الأمريكيين لم يجدوا خيارا، في النهاية، سوى اتخاذ إجراء عملي، دفاعا عن النفس، ضد القدرات الليبية التي استخدمت في دعم الإرهاب”.
وبينما نصحت الاستراتيجية المسؤولين البريطانيين بالتأكيد على “القرار البريطاني بمساندة الأمريكيين والتأهب لذلك”، فإنها بينت أن بريطانيا “اتخذت أيضا وتتخذ كل أنواع التدابير الأخرى مع أصدقائنا الأمريكيين والأوروبيين لدفع الليبيين إلى التفكير بأسلوب أفضل”.
وفيما يشبه “بروفة” التدريب على الرد على الأسئلة المحرجة في المقابلات التليفزيونية وغير المسجلة، نصحت إدارة التخطيط في وزارة الخارجية الوزراء والمسؤولين بعدم الانجرار إلى مقارنات بين مواقف بريطانيا المختلفة بشأن الإرهاب إلا في حالة الاضطرار.
وضربت الإدارة مثالا بالموقفين البريطاني والأمريكي المؤيدين للمقاومة الأفغانية للاحتلال السوفيتي والمعاديين لمنظمة التحرير الفلسطينية ومقاومتها لإسرائيل المحتلة. ونصحت بالتركيز، في الرد، على الاحتلال السوفيتي وعدم الخوض في الكلام عن المقاومة الفلسطينية.
ونصحت المسؤولين بأن يردوا على النحو التالي: “لا مقارنة بين المنظمة والمقاومة الأفغانية التي تقاتل لدحر الغازي الأجنبي الذي جلب معه 118 ألف جندي مدججين بقوة كاملة من الأسلحة الحديثة ضدها. وأحد أبعاد المشكلة الأفغانية هي أن عشرات الآلاف قتلوا، واضطر الملايين للفرار”.
والمثال الآخر هو المقارنة بين الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان، وغارات الولايات المتحدة على ليبيا وموقفها من خليج سرت.
ونُصح المسؤولون البريطانيون بالرد على النحو التالي:
رفض هذه المقارنة التي تبسط الأمور، وضرورة أخذ الكثير من العوامل بعين الاعتبار. القذافي نظم لسنوات، متحديا الإدانات الدولية، حملة متعمدة من العنف الإرهابي ضد أشخاص أبرياء خارج ليبيا، والولايات المتحدة لاتحتفظ بقوات في أراضي دولة أخرى دون دعوة هذه الدولة (كما تفعل إسرائيل مع لبنان).
وحسب الوثائق، فإن الاستراتيجية المقترحة استندت إلى مقولة الفيلسوف الأمريكي رالف والدو إميرسون: “الثبات الأحمق على مبدأ واحد هو شبح يسيطر على العقول الصغيرة”.
وفي معرض مواجهة الانتقادات لاستخدام الولايات المتحدة وبريطانيا القوة العنيفة عندما تريدان، نُصح أي مسؤول بريطاني بالرد التالي:
نحن، بالطبع، نعارض العنف ونود أن تُحل كل المشكلات دون قوة. لكن، العنف بكل أنواعه هو أحد حقائق الحياة . وإن أردنا تحقيق أي شيء عملي، فإنه يجب علينا، أحببنا أم لم نحب، التعامل مع كل الظروف المختلفة التي تؤثر على القضايا المختلفة. وليس لدي علم بأزمات كثيرة حلها أصحاب الأخلاق الفاضلة الذين يفتقدون خبرة الواقع وهم يتلاعبون بالكلمات”.
وكان من بين أمثلة المقارنة الأخرى هو ما اعتُقد أنه تأييد بريطاني “للإرهابيين السيخ” في حين ترفض لندن وواشنطن تأييد ليبيا وسوريا لمقاتلين فلسطينيين يناضلون ضد الاحتلال.
ونصح المسؤولون البريطانيون بالرد التالي:
المقارنة سخيفة ومنافية للعقل. المملكة المتحدة لا تقدم دعما رسميا للإرهابيين السيخ. المملكة المتحدة ليست ملاذا آمنا لهم. وعندما تتوفر لدينا أدلة كافية ومقبولة على ممارسة نشاط إجرامي، تتصرف سلطات التقاضي. ونحن نقبل سعي الحكومة الهندية إلى تسليمها أي شخص ارتكب جرائم في الهند.
الكاتب –
هذا التقرير منقول من موقع بي بي سي لقراءة المصدر الأصلي للتقرير أضغط هُنا