المسافة بين مقعد المتفرج وشاشة السينما قصيرة جدا، تتلاشى هذه المسافة مع أول ضوء يخرج من الشاشة حيث يدخل المتفرج إلى عالم شخصيات العمل، يعيش معهم ومع تفاصيلهم، يشاركهم مشاعرهم وأحاسيسهم وأوجاعهم، وعلى قدر مصداقية صُناع العمل تختفي هذه المسافة ويُصبح المتفرج جزءا من العمل حتى أنه قد يغفر خطايا البطل، ويدافع عنه و يحزن لقتله أو فقده، وينتصر وينهزم معه.
في كثير من الأعمال الدرامية سواء في السينما أو التليفزيون قد يكون البطل محتالا أو قاتلا أو خارجا على القانون ومع ذلك تجد المتفرج يتعاطف معه ويحزن عندما يقع تحت طائلة القانون أو يُقتل في حادث أو بأي شكل رغم كل ما قدمه من جرائم وقسوة، إلا أن المتفرج له رأي آخر، لا يريد لبطله المحبوب إلا النهاية التي يريدها وهي الانتصار والفوز حتى لو كان ضد القانون، ولهذا التعاطف أكثر من سبب ومبرر منها:
شعبية النجم وجماهيريته والتي تجعل صُناع العمل يفكرون في النهاية التي يرضى عنها الجمهور ولا تغضبه، حتى وإن كانت غير منطقية أو ضد رسالة العمل، بعد نهاية فيلم سلطان لـ فريد شوقي ومقتل بطل الفيلم، خرج الجمهور غاضبا بسبب هذه النهاية وقام بتحطيم السينما لأن نجمهم المحبوب لم ينتصر في النهاية كما أرادوا وكما عودهم، رغم أنه قاتل وخارج على القانون إلا أنهم لا يهتموا بهذه الأمور بقدر إهتمامهم بانتصار البطل، وهو ما جعل فريد شوقي في أفلامه التي تلت هذا الفيلم يبحث عن نهاية أخرى غير مقتل البطل حتى لا يغضب الجمهور مرى أخرى، بأن يعود لطريق الحق ويُرشد على باقي أفراد العصابة وهو ما يُعد انتصارا أو ينتهي الفيلم بالقبض عليه دون قتله..
نفس الأمر تكرر مع عادل إمام الذي قدم القاتل واللص والمحتال كثيرا، لكنه فطن لهذا الأمر من البداية وجعل بطله ينتصر دائما، وحدث أن قام بتغيير نهاية فيلم المولد بأن يتزوج من البطلة ويبدأ من جديد بعد أن كانت النهاية هي دخوله السجن بعد كل ما قام به من قتل وسرقة وتهريب، و بالطبع حدث خلاف شديد بينه وبين مؤلف الفيلم محمد جلال عبد القوي وانتهى بتنفيذ رغبة النجم وهو ما جعل عبد القوي يعتزل الكتابة للسينما نهائيا، ويُصبح فيلم المولد هو الأول والأخير له، حدث ذلك أيضا في فيلم سلام يا صاحبي عندما انتهى الفيلم وهو أمام قبر صديقه دون عقاب بعد أن قتل كل أبطال الفيلم، ربما يكون فريد شوقي وعادل إمام هما النجمين الوحيدين في تاريخ السينما الذين تعاطف معهما الجمهور وفرح لإنتصارهما حتى وهما يقدما أدوار الشر.
أيضا يحدث التعاطف عندما يكون القتل والقسوة مبررين، مثلا أن يكون البطل تعرض لظلم شديد وقرر الأنتقام، كما حدث في “أمير الانتقام، أمير الدهاء، دائرة الانتقام” وغيرها من الأعمال التي تقوم على الثأر ورد الظلم، هنا يتوحد المتفرج مع بطله المُفضل ويرى أن الانتقام والثأر واجب وضروري ويشعر بالإنتصار والفرح عندما يتحققا كما حدث في مسلسل البرنس في رمضان الماضي، أو أن يشعر أن الانتصار على الظلم هو انتصار للمجتمع ككل وليس للبطل فقط كما في “الغول وحب في الزنزانة”
و أيضا نتيجة ضغوط الحياة وإحباطاتها وشعور المواطن بغياب العدل جعلته يتوحد مع البطل ويشعر وكأنه بينتصر نيابة عنه وينتقم نيابة عنه، ويحقق كل الأحلام والأماني التي فشل هو في تحقيقها ومن هنا ظهرت فكرة البطل الشعبي، هذه العلاقة الخاصة بين الجمهور وعدد قليل جدا من النجوم مستمرة منذ بداية تقديم الأعمال الدرامية، وإلى ما لانهاية ورغم التطور وظهور مواقع التواصل وانتشار القنوات المفتوحة في كل العالم إلا أن هذا التوحد والإندماج لم ولن ينتهي.
يحدث أيضا تعاطف بأن يتم تقديم العمل بقدر كبير من الحرفية ويتصف البطل بخفة الدم و تميز أسلوبه في النصب مثلا، مع وجود مقدمه جيدة توضح ظروفه واضطراره للقيام بهذا الفعل السيء، وظهر هذا جليا في ” 100 وش” عندما تم تقديم عصابة النصب بشكل كوميدي ولدى كل منهم مبرر قوي، حدث التعاطف معهم بل ومشاركتهم التفكير في تنفيذ الجرائم وفرحة كبيرة في البيوت، وعلى مواقع التواصل بعد أن نفذا جريمتهم الأولى، بل دشن البعض هاشتاج مطالبين بعدم القبض عليهم أو على أي منهم حبا فيهم وفي كفاحهم حتى لو كان غير مشروع!
هذا التوحد والإندماج بل والغفران، أمر جيد وخطير ولابد أن يكون لدى الفنان وعي مجتمعي بما يقدمه وما قد ينتج عن أعماله من تأثر وربما تقليد، غفران الجرائم بدافع التعاطف أو الحب أو حتى الإحباط ربما يؤدي لاعتياد الشر والجريمة وأيضا اعتياد التسامح والتساهل فيها، وللأسف حدث هذا الأمر في التسامح والتهويل من جريمة التحرش بسبب تقديمها بشكل ظريف داخل الأعمال الفنية وأنها أسلوب لطيف من البطل من أجل إظهار حبه وإعجابه للبطلة، مع تصدير فكرة أن البنت تسعد بهذا النوع من التحرش خاصة اللفظي، ومنها انتشرت بين المراهقين طرق التحرش بالفتيات وعدم تجريم وعقاب مرتكبها.