نقلا عن صفحة الأستاذ صلاح زكي أحمد على فيسبوك
قرأت هذا الكتاب الرائع للدكتور”جلال أمين” رحمه الله في بضع ساعات وذلك لفرط جماله، سواء لحديثه عن شخصيات فذة عرف الكثير منهم عن قرب، أو سمع وعايش القليل منهم عن بُعد “القليل منهم مثل الفنانة سعاد حسني أو الشاعر المبدع “صلاح جاهين” غير أنهم جميعاً يستحقون الوصف بأنهم قمم إنسانية عظيمة، قبل وصف الكثير منهم بأنهم أفذاذ في تخصصاتهم العلمية والأكاديمية أو الصحفية أو الفنية.
الذين عرفهم عن قرب شخصيات ملأت حياتنا علماً وثقافة ونوراً، مثل ” أحمد بهاء الدين” الكاتب والمفكر الكبير الذي يحمل له “جلال أمين” حباً عظيماً وتقديراً جماً، أو صديقه عالم الرياضيات الكبير واليساري العظيم الدكتور “عبدالعظيم أنيس” أو أديبنا الخالد “نجيب محفوظ” أو أستاذه النبيل “حلمي مراد” رئيس جامعة عين شمس الأسبق ووزير التعليم في عهد الرئيس عبدالناصر خلال وزارة عام ١٩٦٨، فضلاً عن أسماء فذة بحق مثل ” الصحفي والباحث اليساري ثم الإسلامي “عادل حسين” صاحب الكتاب الموسوعي الأهم الذي أرخ للاقتصاد المصري لسنوات الإنفتاح الساداتي، والذي يحمل عنواناً ذا دلالة هو ” الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية “، ثم حديث الدكتور “جلال” عن المفكر القومي الكبير “محمد عودة” وشخصيته الإنسانية الفذة، وعطائه الفكري والثقافي الذي لم يتوقف أبداً وطوال نصف قرن من حياة مصر!
وبعد ذلك توقف “جلال أمين” عند جيل رائع من أساتذته الكبار في عالم الاقتصاد والقانون الدولي، فبحكم دراسته الأساسية والأكاديمية في كلية الحقوق جامعة القاهرة، ثم بعد حصوله على درجة الدكتوراة من مدرسة لندن للاقتصاد، أحد أهم مراكز البحث العلمي في العالم في هذا المجال؛ فإنه كان سعيد الحظ أن تتلمذ عَلى يد طائفة من هؤلاء الأفذاذ، ثم كان على نفس الدرجة من الحظ أن تزامل في العمل الأكاديمي أو المؤسسي الإقليمي مع الكثير منهم، وهم العلماء ” سعيد النجار وإبراهيم شحاتة وعلي الجريتلي”.
غير أن المدهش في الأمر أن غالبية هذه الأسماء من أصحاب المدارس الفكرية والتطبيقية في الاقتصاد الرأسمالي، والذي يخالفهم في التوجه السياسي، قد تحدث عنهم بحب شديد رغم الاختلاف المنهجي معهم، فهم من عُشاق الإقتصاد الحر واستبعاد أي دور للدولة في التنمية الاقتصادية بل وقناعتهم المُفرطة بأن الدولة غير مُلزمة ولا مُلتزمة بتوفير غطاء من الحماية الاجتماعية للفقراء، بل تركهم لآليات السوق فهي الكفيلة بتوفير حياة كريمة لهم!
ربما يكون الدكتور “علي الجريتلي” الذي أمسك بحقيبة الاقتصاد في بداية ثورة يوليو ١٩٥٢لم يكن على هذا القدر من الشراسة اليمينية خلافاً لزملائه سعيد النجار وإبراهيم شحاتة!
لكن المُدهش في تناول الدكتور “جلال” لشخصياتهم والتي يختلف معها اختلافا جذرياً ، فهو من أصحاب المدرسة الاشتراكية والتخطيط المركزي والتنمية المُستقلة مثل أستاذه “حلمي مراد” إلاّ أنه تحدث عنهم بكل احترام وتقدير، بل بكل حب وإخلاص!
بقي من هذه الأسماء الدكتور “لطفي عبدالعظيم” رئيس تحرير مجلة الأهرام الاقتصادي في بداية حكم الرئيس الأسبق “حسني مبارك” وتحديداً في عام ١٩٨٢، والذي جعل من مجلة أسبوعية مُتخصصة في قضايا الاقتصاد والبنوك والمالية العامة والحسابات “هايد بارك” حقيقي وساحة للحرية المسئولة، غير أن حلمه في قيادة منصة للحرية لم يُكمل عاماً واحداً، فقد خاب وتبخر حلمه الجميل ومات الرجل حزيناً على حبه وحلمه الضائع، فسرعان ما ألقت المافيا الاقتصادية الفاسدة على الرئيس الجديد شباكها القاتلة والكريهة، فبات نسخة لسلفه صاحب مدرسة “الإنفتاح السداح مداح”!
الكتاب الذي يضم ثلاثة عشر شخصية مصرية فذة والذي تحدث عنهم “جلال أمين” بقدر وافر من الحب والتقدير بل والإعجاب، رغم اختلافه مع بعضهم ، إلاّ أن الملاحظة الحزينة أنهم باتوا جميعاً بين يدي الله منذ سنوات، باستثناء الكاتبة الجميلة ” نجلاء بدير ” أطال الله في عمرها ” ابنة مجلة صباح الخير والذي توقف الدكتور “جلال” عند كتابها الذي صدر في مكتبة الأسرة في عام ١٩٩٩، تحت عنوان لافت وجميل هو ” بشر..أو البكاء بين يدي السيدة نفيسة ” وهو يضم عدداً من المقالات الموزعة بين مجلات أسبوعية أو صحف يومية، غير أنها جميعها وفق وصف “جلال أمين” بمثابة قصص قصيرة، تكشف عن موهبة رائعة لكاتبة صحفية صاحبة مبدأ وموقف وحب للفقراء في هذا الوطن …
رحم الله الدكتور ” جلال أمين ” والذي تحدث عن “شخصيات مصرية فذة” وهو لا يدري أنه في طليعة أبناء الوطن ممن يوصفون بالشخصيات “الفذة” عن جدارة وحق واستحقاق.
هو في انتظار من يكتب عنه، وينصفه بوصفه “شخصية فذة” لعله يسعد وهو في الفردوس الأعلى بإذن الله، وبين يدي الرحمن، ليرحمه بعطفه ويوفيه الجزاء الأوفى والأكرم والأجمل.
رحمة الله عليك في ذكرى رحيلك الخامس والعشرين من سبتمبر عام ٢٠١٨