فن

عن الضمير الجمعي الرافض والمقاوم “للتطبيع” 

من جديد يعود ملف التطبيع الثقافي مع اسرائيل إلى الواجهة بعد أن أعلن الاتحاد العام للنقابات الفنية المصرية المشاركه فى حملة لمقاطعة مهرجان الجونة السينمائي فى دورته الرابعه التى من المقرر أن تبدأ اليوم الجمعه .

ولم يكن موقف الاتحاد هو الأول فى ذلك السياق فقد سبقه عدد كبير من السينمائين والمثقفين الذين وقعوا على بيان أعلنوا فيه عن رفضهم لما اعتبروه خرقا من جانب إدارة مهرجان الجونة لقرار جموع السينمائيين برفض كل أشكال “التطبيع مع إسرائيل” ذلك بعد إعلان إدارة المهرجان عن تكريم الممثل الفرنسي “جيرار ديبارديو” المعروف عنه من ميول ودعم لإسرائيل ومواقفه المعارضة للحقوق الفلسطينية إلى جانب اتهامه في قضية اغتصاب لاتزال منظورة أمام المحاكم الفرنسية – وفقا لما جاء بالبيان.

وقوبلت تلك الموجه الغاضبة من السينمائيين المصريين والعرب بتجاهل واضح من إدارة المهرجان الذي يرأسه رجل الأعمال المصري “سميح ساويرس” وجاء رد فعل إدارة المهرجان على لسان مديره الناقد “انتشال التميمي” في تصريحات صحفيه قائلا: “علمت بأمر بيان الاعتراض على تكريم مهرجان الجونة السينمائي للنجم الفرنسي جيرار ديبارديو في دورته المقبلة الموقع من 30 شخص بينهم أسماء كبيرة، لذلك لا أرغب في الرد بالوقت الحاضر” كما جاء رد آخر من جانب إدارة “الجونة ” بشكل غير مباشر حين نشرت بوستر للاحتفال بالممثل الفرنسي وعلقت عليه قائلة: “سوف يحصل الممثل الفرنسي المشهور جيرارد ديبارديو على جائزة مهرجان الجونة السينمائي للإنجاز الإبداعي الدولية احتفالاً بمسيرته المهنية الطويلة في السينما “

جيرار ديبارديو أمام حائط المبكى
جيرار ديبارديو أمام حائط المبكى

أعادت تلك الأزمة من جديد الحديث عن التطبيع الثقافي “المصري – الإسرائيلي” الذى يلقى رفضا واسعا بين قطاعات المثقفين المصريين الذين يعبرون عن ذلك مع كل واقعه شبيهة وكل محاولة من جانب البعض لخرق الرفض الجماعي الذي عبرت عنه قرارات الجمعيات العمومية للنقابات الفنيه “السينمائية – الموسيقية – التمثيلية” التي تعبر فى الواقع عن الوجدان الجمعي للمصريين والعرب.

إضافة إلى عدد آخر من النقابات المهنية التي تتبنى نفس الموقف طالما استمر الاحتلال الإسرئيلي لأراض عربية وحتى آخر أسير في سجون دولة الاحتلال.

السينما… رفض تاريخي للتطبيع

فى أغسطس عام 1976 بعد حرب أكتوبر بثلاثة أعوام بدأ مهرجان القاهرة السينمائى دورته الأولى برئاسة الفنان “كمال الملاخ” وفي عام 1978 وقعت مصر اتفاقية للسلام مع إسرائيل – التي قوبلت بالرفض من عدد كبير من المثقفين والسينمائيين – ومنذ تلك اللحظة بدأ التوتر بين الرئيس الراحل “أنور السادات” ورافضى الاتفاقيه سواء فى النقابات الفنية أو المهنية.

ظلت إدارة المهرجان متمسكة بموقفها لكل دعاوى – السلام – وفى عام 1985 يتولى الكاتب “سعد الدين وهبة” رئاسة المهرجان وتشهد مرحلة “وهبة” محاولات حثيثة لخرق الإجماع حول رفض التطبيع الفني والثقافي ويتصدى “وهبة” بقوة وشجاعة لكل تلك المحاولات ويظل سلاح المقاطعة مؤثرا وفعلا على الرغم من إبرام اتفاقات سلام بين القيادة الفلسطنينة وإسرئيل إلا أن المثقفين تمسكوا بموقفهم بتحرير كامل الأرض المحتلة.

سعد الدين وهبة
سعد الدين وهبة

رحل “وهبه ” فى 1997 وتولى الفنان “حسين فهمي” رئاسة المهرجان حتى 2001 وقد صرح “فهمي” “كنت أشاهد تتر الأفلام لكي لا يكون من بين الأفلام المشاركة فيلما أو منتجا أو بطلا إسرائيليا، حتى لا أصبح في ورطة إذا فاز بجائزة، وكنت حريصا على عدم وجود أي صحفى إسرائيلي.

وحول مشاركه صحفيين إسرائيلين في المهرجان قال فهمى “طالما هناك احتلال للأرض، وطالما هناك فلسطينيون في سجون إسرائيل، فلن أدعو أي صحفي أو عمل فني إسرائيلي لهذا المهرجان”.

حسين فهمي
حسين فهمي

وفي عام 2003 تولى “شريف الشوباشي” رئاسة المهرجان لمدة 4 سنوات و قرر عدم السماح بمشاركة أي فيلم من إنتاج إسرائيلي في فعاليات المهرجان، وتضمن القرار منع أي فيلم لمخرج فلسطيني ساهم معه إسرائيليون في إنتاجه، أو يتضمن رؤية تطبيعية مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال، وذلك بحسب بيان أصدره آنذاك، مشيراً إلى أنه “يسير على نهج سعد الدين وهبة”.

وفى عام 2006 تولى عزت أبوعوف رئاسة المهرجان الأهم فى مصر وشهد خلالها المهرجان محاولة صناع الفيلم الإسرائيلي “زيارة الفرقة الموسيقية”، عرض الفيلم بالمهرجان، عام 2007 ولكن الطلب قوبل بالرفض، بالرغم من عرضه بأحد فنادق القاهرة الكبرى.

وقال أبوعوف، في مؤتمر صحفي عقد للإعلان عن برنامج الدورة الثلاثين للمهرجان: “إن إدارة المهرجان لن تسمح للأفلام الدنماركية والصهيونية بالمشاركة في فعاليات المهرجان بتاتا”

عزت أبو عوف
عزت أبو عوف

وجاء الناقد “سمير فريد” لمدة عام 2017 وكانت تصريحاته في هذا الشأن مثيرة للجدل حيث صرح في لقاء تلفزيوني إن “العلاقات السياسية متغيرة، لكن العلاقات الفنية دائمًا مستمرة”، موضحاً أن اختيارات أعمال المهرجان تخضع لعمل مؤسسي وأعضاؤه هم من يختارون الأعمال المشاركة، لافتاً إلى إيمانه الشخصي بعرض أي أفلام لمختلف الجنسيات “

وتابع سمير “لا أرفض عرض الأفلام التي تحمل إنتاجاً إسرائيليًا، مثل أفلام مبدعي عرب 48″، مشيرًا إلى أنهم لا يحملون ذنب نشأتهم في بلد مستعمر، مؤكداً أن هذا ليس بتطبيع “

وكان وقع تلك التصريحات عنيفا على صناع السينما والمثقفين وأعلنوا عن رفضهم لها وربما كان تلك التصريحات وراء الاكتفاء بدورة واحدة له في إدارة المهرجان.

أزمات التطبيع مستمرة

على الرغم من المحاولات التي لم تتوقف من الجانب الإسرئيلي اختراق جدار الثقافة المصرية المنيع وإدراكهم أن السلام الرسمي ليس كافيا على الإطلاق مع مصر وأن التطبيع الشعبي هو الهدف الدائم لهم.

فقد شهدت الساحة الفنية عدة أزمات كان التطبيع مع إسرئيل هو بطلها ومحورها كانت أزمة الدورة 40 لمهرجان القاهرة السينمائي  في عام 2018 والتي اشتعلت بعد عام واحد من تولى “محمد حفظي” مسؤولية إدارة المهرجان – وقد واجه العديد من الاتهامات بمحاولاته الدائمة خرق قرارات الجمعيات العمومية للنقابات الفنية فى هذا الصدد – وقد أعلن عن تكريم المخرج والكاتب الفرنسي”كلود ليلوش” في افتتاح الدورة إذ لاحقت “ليلوش” اتهامات بانتمائه للصهيونية على خلفية تصريحاته المؤيدة لإسرائيل عام  2016 وقال خلال تواجده في تل أبيب: “سعيد للغاية لوجودي في إسرائيل. أشعر دائما بالقرب من هذا البلد. لقد كنت هنا لمرات عديدة وعندما أكون هنا أشعر أنني في بيتي. إنها دولة أحبها كثيرا وأقدّر دائمًا حقيقة أنك تعيش في إسرائيل بصعوبة وانعدام للأمان “ونجح الرافضون للتطبيع في إجبار إدارة المهرجان على إلغاء التكريم.

قد يرى البعض خاصة من الحالمين بعلاقات طبيعية مع إسرائيل أن موسم التطبيع العربي الذي نشهده الآن والمناخ الدافىء بين بعض الدول العربية والدولة العبرية بمثابة لحظة مواتية لاستئناف محاولات اختراق الحصن الثقافي المصري.

لكن الموقف الذى عبر عنه مئات السينمائين والمثقفين ضد الخطوة التي اتخذها مهرجان الجونة تعطي ثقة وأملا في قوة وصلابة الموقف المبدئى للثقافة المصرية الذي لا يكترث بمتغيرات السياسة وحساباتها، مدركين أن الوعي الجمعي للمصريين ولمعظم الشعوب العربيه يؤمن بالحق الفلسطيني ولا يتنازل عن دعمه بما يملكه من أدوات ومن أهمها سلاح المقاطعة ورفض التطبيع بكل صوره.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock