هل نحن أمام مرحلة جديدة فى الدراما المصرية أم أنها مجرد تجربة لن تمثل ظاهرة ؟ . الظواهر الفنية هى وليدة واقع إجتماعي وتغير حضاري ومؤخرا أصبح للتكنولوجيا دور رئيس فى التطور والتناول الفنى . فالشكل الذى تقدم خلاله الأعمال الفنية جزء من رسالتها وانحيازات صناع العمل ورغم ضرورة التطور وحتمية التجديد إلا أن المضمون الذى يقدمه أى عمل يساهم بقدر لا يستهان به فى صياغة الوعى وتكوين الرؤى وتشكيل مشاعر المتلقى .
“ما وراء الطبيعة ” مسلسل مصرى من إنتاج ” نتفليكس ” وهى المرة الأولى التى تُقدم فيها الشركة على إنتاج مسلسل ناطق باللغة العربية .
تلك الشركه الأمريكية أسسها ” ريد هاستنغز” و “مارك راندولف ” في أغسطس 1997، بولاية كاليفورنيا وبدأت عملها متخصصة في تزويد خدمة البثّ الحي والفيديو حسب الطلب وتوصيل الأقراص المدمجة عبر البريد.
و في عام 2013 توسعت شركة نتفليكس بإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية، وتوزيع الفيديو عبر الإنترنت. اعتبارًا من 2017،
وتأتى تجربة “الشركة الأمريكية ” الأولى مع الدراما العربية عبر بوابة الكاتب الراحل ” أحمد خالد توفيق ” (1962 – 2018 )
بداية الإنتشار
وقد حقق “توفيق انتشاره الكبير خاصة فى أوساط الشباب بعد أولى رواياته تحت اسم “أسطورة مصاص الدماء” ورغم المعوقات التى واجهت الرواية فى البداية من جانب مسئولى العملية في المؤسسة العربية الحديثة التى كانت قد انضم لكتابها فى عام 1992 ككاتب رعب لسلسلة ما وراء الطبيعة لكن الدعم الذى تلقاه “توفيق ” من الكاتب “نبيل فاروق “كان له دور كبير فى مواصلته الكتابة على هذا النحو
وقدم أحمد خالد توفيق ست سلاسل للروايات وصلت إلى ما يقرب من 236 عددًا، وقد ترجم عددًا من الروايات الأجنبية ضمن سلسلة روايات عالمية للجيب. كما قدّم أيضًا خارج هذه السلسلة الترجمات العربية الوحيدة للروايات الثلاث نادي القتال (fight club) للروائي الأمريكي تشاك بولانيك وديرمافوريا (رواية لكريج كليفنجر) وكتاب المقابر (نيل جايمان)، بالإضافة إلى ترجمة الرواية الطويلة (عداء الطائرة الورقية للأفغاني خالد حسيني) إلى رواية مصورة. وله بعض التجارب الشعرية
في نوفمبر 2004 انضم إلى مجلة الشباب ليكتب فيها قصصًا في صفحة ثابتة له تحت عنوان “الآن نفتح الصندوق”، كما أنه كتب في عديد من الإصدارات الدورية. وتزايد انتشار ” توفيق ” بين قطاعات الشباب بشكل لافت وتحقق كتبه نسب مبيعات كبيرة
المسلسل والرواية
وقد وقع اختيار “نيتفلكس ” على رواية “ماوراء الطبيعة ” ربما لأن الشركة لديها ثقة فى تحقيق تلك النوعية من الأعمال نجاحا بين الشباب العربى الذى صار من أكثر المتابعين لأعمال الخيال والتشويق والإثارة على شبكة الإنترنت وصار الكثير منهم يفضلونها عن الأعمال العربية التقليدية
ولم توضح شركة الإنتاج أو مخرج العمل “عمرو سلامة ” أيهما صاحب اختيار رواية “ماوراء الطبيعة ” … فى النهاية توافق الطرفان على ذلك الاختيار .
وكان “توفيق “قد نشر أولى حلقات سلسلة ماوراء الطبيعة في 1993، وصدر منها حتى 2014 العدد 80 وهو أسطورة الأساطير الجزء الثاني والذي أنهى فيه الكاتب حياة رفعت إسماعيل بمرض وكان أول ظهور لرفعت إسماعيل في 1993 سردا لمغامرته مع مومياء الكونت دراكيولا في 1959 والمغامرة التي أعقبت ذلك في 1961 مع مستذئب في رومانيا
وجاءت عناوين الحلقات الدرامية كما فى الرواية على النحو التالى الحلقة الأولى «أسطورة البيت» 52 دقيقة، والثانية «أسطورة لعنة الفرعون» 46 دقيقة، والثالثة «أسطورة حارس الكهف» 55 دقيقة، والرابعة «أسطورة النداهة» 49 دقيقة والخامسة «أسطورة الجاثوم» 45 دقيقة، والسادسة «أسطورة العودة للبيت» 53 دقيقة
وتدور حول رفعت إسماعيل من خلال 6 حلقات ومن المقرر عرض المسلسل الجديد مترجمًا إلى أكثر من 32 لغة في 190 دولة حول العالم، مع توفير الدبلجة إلى أكثر من 9 لغات من بينها اللغة الإنجليزية، الإسبانية، الفرنسية، التركية والألمانية وغيرها .
والمسلسل من بطولة أحمد أمين، رزان جمّال وآية سماحة وسماء إبراهيم رؤية وإشراف إبداعي عمرو سلامة وإخراج عمرو سلامة وماجد الأنصاري
وتأتى الروايةة ضمن سلسلة روايات خيالية للكاتب والتى تتصدرها عبارة “روايات تحبس الأنفاس من فرط الغموض والرعب والإثارة ” وتتناول ذكريات شخصية خيالية لطبيب أمراض دم مصري متقاعد اسمه رفعت إسماعيل حول سلسلة الحوادث الخارقة للطبيعة التي تعرض لها في حياته، بدءًا من العام 1959، أو الحكايات التي تصله من أشخاص مختلفين حول العالم، سمعوا عن علاقته بعالم الخوارق .
تتعامل السلسلة مع الخوارق سواء اشتملت على أحداث مرعبة أم لا و” رفعت إسماعيل ” ليس بطل كل حكايات السلسلة، فابتداء من العدد الثاني والعشرين للسلسلة، وحتى التاسع والعشرين، اكتفى بدور السارد للخطابات التي وصلته والتي تشتمل على أحداث خارقة للطبيعة، أكثرها مخيف.
محاولات الدراما العربيه
والمؤكد أن دراما الإثارة والعنف والخيال تلقى فى السنوات الأخيرة إقبالا واسعا من جانب الشباب العربى والمصرى بشكل عام خاصة فى مراحل عمرية تتراوح من 15 حتى 25 عام تقريبا ورغم المحاولات التى قدمها بعض صناع الدراما فى هذا الصدد إلا أنها لم تشبع رغبات الجمهور بشكل كبير خاصة أنه يقارن بين ما تقدمه الدراما العالمية بما لديها من إمكانيات انتاجية وتقنية وتكنولوجية مبهرة تجعل المقارنة بينها وبين المحاولات العربية دائما لصالحها
وقد شهدت الدراما العربية بعض المحاولات خلال العقد الأخير ففى 2011 كان أول عمل فى تاريخ الدراما الحديثة التى قدمت فى زمن الإبهار البصرى والتكنولوجى هو ” أبواب الخوف ” هو أول مسلسل رعب في تاريخ الدراما العربية. بدأ التحضير له في ابريل 2009 وتم عرضه في سنة 2011 والذى كتبه ” محمود دسوقى ” وأخرجه ” أحمد خالد ” ولعب بطولته عمرو واكد وريهام أمين وآخرون
وفى هذا السياق فإن الممثل “يوسف الشريف ” قدم سلسلة أعمال بها قدر كبير من الإثارة والخيال العلمى من بينها فى عام 2015 قدم مسلسل “لعبة ابليس”
والقيصر 2016 ويعتبر المسلسل جزء ثاني من مسلسل ” اسم مؤقت ” ليوسف الشريف والذي تم إنتاجه عام 2013 ثم قدم مسلسل “كفر دلهاب “عام 2017
وفى عام 2020 قدم “الشريف ” مسلسل “النهاية ” من إخراج ” ياسر سامى “
كما قدمت الدراما فى عام 2017 مسلسل ” حجر جهنم ” من إخراج حاتم علي وتأليف هالة الزغندي، وبطولة: كندة علوش، أروى جودة، شيرين رضا، إياد نصار، فريال يوسف، أميرة هاني، رنا خليل .
عن الفن والمرآة
جاءت كل تلك المحاولات العربية فى ذلك السياق الفنى – هو بالتأكيد إحدى أدوات الدراما وواحدة من أشكالها – أقل من طموح جيل جديد تشكل وعيه عبر شبكة الإنترنت و السوشيال ميديا فصار أكثر انفتاحا على ثقافات العالم ومنتجه الفنى كما أنه جيل أقل تأثرا بمشاهد الرعب الساذجة أو الخيال الأضيق فهو يبحث عن رعب حقيقى وخيال بلا حدود بل أن الأمر يصل به إلى البحث عن عنف غير مصطنع ولون حقيقى للدماء غير “الكاتشب “كما يصفه جيل شاهد الدم فى الطرقات خلال السنوات الأخيرة .
يرى بعض نقاد الفن وعلماء الاجتماع أن تلك الظاهرة تستحق الدراسة وأن هذا اللهث من جانب جيل قادم وراء تلك النوعية من الفنون والعطش المتجدد نحو المزيد من الخيال والكثير من العنف إنما يمثل ظاهرة قد تنبئ بالتكوين النفسى والقيمى والسلوكى للأجيال القادمة
هل تبقى مقولة “الفن مرآة الشعوب ” صالحة ومتجددة ؟ ….
فلنبحث فى ذلك الواقع الذى يشكل وعى أجيالنا المقبلة …
والفنون التى تُكون وجدانه .