أثار عرض مسلسل “ما وراء الطبيعة” المقتبس عن سلسلة روايات للكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق٫ الذي كان يحلو محبيه وصفه ب”ملك الرعب”٫ التساؤل من جديد لدى محبي أفلام ودراما الرعب حول ما إذا كان مبدعو مصر يتجهون حالياً لصناعة هذه النوعية بعد أن كانت غائبة عن الشاشتين الفضائية والصغيرة لسنوات طويلة.
وهو التساؤل الذي تزايد بعد قيام إحدى منصات العرض الإلكتروني بإنتاج فيلم مصري بعنوان “خيط دم” والذي يتناول أسطورة مصاصي الدماء.
يمكن القول إن “الرعب” في السينما المصرية لا يشكل نوعية مستقلة قائمة بذاتها٫ إذ تميزت المحاولات الأولى لصنع افلام من هذا النوع٫ أي أفلام تتناول العالم غير المحسوس٫ أو عالم الغيب الذي يثير عادة مخاوف أغلب البشر٫ بارتباطها إما بخطاب ديني أو عظة ذات سمة أخلاقية.
ويعد فيلم “سفير جهنم” الذي قدمه الفنان يوسف وهبي عام ١٩٤٥ ولعب فيه دور البطولة إلى جانب التأليف والإخراج خير نموذج لهذه النوعية٫ حيث قدم فيها وهبي رؤية درامية لعلاقة الإنسان بالشيطان واستغلال الأخير لاحتياجات الإنسان للتسلسل إلى حياته وإغوائه.
وبطبيعة الحال٫ ونظراً لخلفية وهبي المسرحية فقد شاب العمل مباشرة وصلت إلى حد الوعظ والخطابة في بعض المشاهد.
أما الشكل الثاني لتناول “الرعب” في السينما المصرية فكان التناول الكوميدي وهو تناول تميز به نجم الكوميديا الراحل إسماعيل ياسين٫ حيث قدم من هذه النوعية فيلم “حرام عليك” الذي أخرجه عيسى كرامة وأنتج عام ١٩٥٣ وهو مقتبس عن قصة المستذئب وفرانكشتاين٫ ولم يكن الهدف منه هو صنع فيلم مخيف بقدر ما كان يهدف إلى صنع فيلم مضحك٫ حيث لا يذكر المشاهد الوحوش التي يواجهها إسماعيل ياسين بقدر ما يتذكر رد فعله الشديدة الطرافة في مواجهتهم.
https://www.youtube.com/watch?v=JKuunQqxVlQ
ولعل أبرز المحاولات الجدية في السينما المصرية لصناعة أفلام رعب هي تلك التي خاضها المخرج الراحل محمد شبل٫ فهذا الفنان المتعدد المواهب الذي عمل بالاذاعة مذيعاً ومعداً ومارس التمثيل أيضاً٫ لم يخف عشقه لأفلام الرعب٫ وسعى فيما قدمه من أفلام من إخراجه (٤ افلام) لصناعة رعب مصري خالص إذا صح التعبير.
وكانت بداية تجربة شبل الإخراجية مع فيلم “أنياب” الذي قدمه عام ١٩٨١ وتميز بجراءة شديدة٫ حيث كسر شبل الكثير من الأنماط المعتادة في السينما المصرية وخلط عدة أنواع معًا مثل أفلام مصاصي الدماء والأفلام الغنائية والأفلام الواقعية و مجلات القصص المصورة٫ كما لم يكن اختيار أبطال العمل أقل جرأة حيث عهد بالبطولة إلى المطرب علي الحجار الذي لعب دور شاب عاشق تتعطل سيارته التي تقله ومحبوبته أمام بيت مريب الشكل والفنان الشعبي أحمد عدوية في دور صاحب البيت والذي يتبين أنه مصاص الدماء الأشهر على الإطلاق : الكونت دراكولا٫ كما استعان شبل بمغني اشتهر بتقديم الأغاني الأجنبية هو طلعت زين في دور مساعد دراكولا وأخيرًا استعان بالمخرج المخضرم حسن الإمام ليكون راوي الأحداث.
جمع الفيلم بين الكوميديا والموسيقي والرعب وقدم رسالة اجتماعية ما بين السطور : وهي علاقة الشعوب بمن ينهبون قوتهم ويستغلون ظروفهم والذي لا يقلون بشاعة٫ كما صور الفيلم٫ عن مصاصي الدماء.
كرر شبل التجربة في فيلمين آخرين : أولهما التعويذة عام ١٩٨٧ والذي يتناول محاولة رجل أعمال غامض شراء بيت عتيق تعيش فيه أسرة مصرية متوسطة الحال وحين ترفض الأسرة البيع٫ تلاحقهم أحداث مرعبة : فالحمام يقطر دمًا والأثاث يحترق دون فاعل وغيرها من الأحداث.
https://www.youtube.com/watch?v=qn3KIYh4CXo
أما “كابوس” الذي قدمه شبل عام ١٩٨٩ فيركز على الرعب الذي يعيش داخل النفس البشرية وذلك من خلال الصحافية ميرفت التي يلاحقها كابوس متكرر في منامها فتقرر أن تطارد هى بدورها هذا الكابوس بمعاونة خطيبها وشقيقه.
وعلى مدار عقد كامل هو التسعينيات بدا وكأن صناع السينما قد تخلوا عن محاولة صناعة أفلام رعب لصالح نوعيات أخرى مثل أفلام المخدرات حتى منتصف ذلك العقد ثم الفيلم الكوميدي بداية من عام ١٩٩٨.
لكن الألفية الجديدة حملت معها محاولات أخرى لصناعة هذه النوعية مثل فيلم “الفيل الأزرق” الذي قدمه المخرج الشاب مروان حامد عام ٢٠١٤ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب أحمد مراد.
https://www.youtube.com/watch?v=ad9_N0Ma7qY
ويجمع الفيلم بين “السايكو دراما” أو الدراما النفسية وعالم الغيب أو المجهول ٫ من خلال طبيب أمراض عصبية يسعى لمعالجة صديق قديم له متهم بالقتل٫ ليكتشف أن حالة صديقه ليست مجرد مرض نفسي وأن هناك قوى غير طبيعية تسببت في تلك الجريمة.
ولعل مسلسل “ما وراء الطبيعة” الذي أخرجه عمرو سلامة وتبثه حاليًا شبكة نتفلكس الأمريكية يفتح شهية المنتجين وصناع الأفلام لإنتاج أفلام رعب جديدة خاصة في ظل رد الفعل المرحب -حتى الآن على الأقل- بهذا المسلسل خاصة من قبل محبي سلسلة الروايات الأصلية.