عرض وترجمة: أحمد بركات
في نهاية الأسبوع الماضي، بينما كان الديمقراطيون يرقصون في الشوارع ابتهاجا بفوز مرشحهم جو بايدن بلقب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، كان المؤمنون بنظرية “كيو أنون” يعكفون على أجهزتهم الحاسوبية في محاولة لفهم ما يجري حولهم.
” لن يكون بايدن رئيسا للولايات المتحدة”، كما كتب أحد معتنقي “كيو أنون”، بينما كان لا يزال عالقا في مرحلة الإنكار التي عادة ما تعقب نزول الكوارث.
” ترامب يعي جيدا ما يفعله؛ هو فقط يترك الحبل للديمقراطيين والتكنوقراط ووسائل الإعلام حتى يشنقوا به أنفسهم أمام الجميع في نهاية المطاف “، كما كتب عضو آخر في منتدى “كيو أنون”، في محاولة أخرى لإنكار ما آلت إليه الأمور.
على الجانب الآخر، كان بعض المؤمنين بنظرية “كيو أنون” يتحركون بتثاقل شديد في اتجاه الرضوخ للحقيقة والاستسلام للأمر الواقع.
” لقد خسرنا المعركة، لم أعد أثق في خطتنا… بل لم أعد أثق أن هناك خطة بالأساس”، كما غرد أحدهم على حسابه على موقع “تويتر”.
لا شك أن هذه المرحلة تمثل وقتا عصيبا وعلامة فارقة في حياة أتباع نظرية المؤامرة الوهمية “كيو أنون”، التي تزعم وجود عقيدة شيطانية تقوم على اشتهاء الجنسي للأطفال، ويتزعمها قادة ديمقراطيون. لكن المثير للدهشة هي تلك الطمأنينة العميقة، التي استنام إليها هؤلاء المخدوعين، إلى ذلك الفوز الكاسح الذي سيحققه ترامب بأغلبية ساحقة في معركته الثانية إلى البيت الأبيص، والبقاء لفترة رئاسية أخرى يستأصل فيها شأفة الدولة العميقة ويقدم فيها رؤوس هذه الجمعية السرية إلى العدالة. لقد بعث إليهم “كيو” (وهو الاسم المستعار لمستخدم لوحة الرسائل، والذي أججت منشوراته المشفرة روح الحركة على مدى أكثر من ثلاث سنوات) برسائل تطلب منهم أن “ثقوا في الخطة”.
لكن، من الوهلة الأولى لهزيمة ترامب اختفى “كيو” كأن لم يكن. ولم تعد منشوراته – التي كانت تصدر عن حساب يحمل رمزه الخاص، أو اسم المستخدم الرقمي – تظهر على موقع “8kun” الذي اعتادت منشوراته الظهور عليه. وإجمالا، تراجع نشاط “كيو” على الموقع بدرجة كبيرة.
وأكثر من ذلك.. توجد دلائل تشير إلى وقوع أحداث اقتتال داخلي في “كيو أنون”. ففي يوم الانتخابات، أعلن رون واتكينز، وهو أحد المسئولين عن إدارة موقع 8kun، والذي يعتقد البعض أنه “كيو” الحقيقي”، تنحيه عن إدارة الموقع، مشيرا إلى “اندلاع معارك واسعة النطاق” حول الرقابة ومستقبل الموقع. في الوقت نفسه، كان والده، جيم واتكينز، وهو أحد المؤمنين بـ “كيو أنون” ومالك موقع 8kun، يرتل بعض الترانيم على البث المباشر الخاص به، وينشر ادعاءات زائفة حول تزوير الانتخابات، لكنه لم يبد أي إشارة عن توقيت عودة “كيو” المحتملة.
لا شك أن هذا الاختفاء المفاجئ لـ “كيو” شكل صدمة حادة ترنحت لوقعها رؤوس المؤمنين بنظرية “كيو أنون” التآمرية الذين كانوا يعتمدون كليا على منشوراته، ويثقون في رسائل الطمأنة والتحديثات المقتضبة التي كان ’يغيثهم بها.
“إنهم يشعرون بمرارة الهزيمة أمام الدولة العميقة حتى لو لم يعترفوا بذلك علانية”، كما يقول فريدريك برينان، مؤسس موقع Chan8، الموقع السابق على 8kun وأضاف برينان، الذي ترك العمل في الموقع وتفرغ لانتقاد واتكينز، أن المؤمنين بنظرية “كيو أنون” كانوا على يقين تام بأن السيد ترامب مسيطر تماما على المشهد الانتخابي حتى في الوقت الذي أظهرت فيه استطلاعات الرأي تضاؤل فرصته في الفوز بالانتخابات.
” لم يتوقعوا هزيمته، ولم يتوقعوا ما أعلنته “فوكس نيوز”. كان ذلك حقا مدمرا لهم على المستوى النفسي”.
وعلى مدى الشهور القليلة الماضية، مُنع أنصار “كيو أنون” من معظم منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، وهو ما أدى إلى تراجع زخم الحركة وحرمانها من أدواتها التنظيمية الأكثر فاعلية. وبين عشية وضحاها اختفت مجموعات كبيرة من على “فيسبوك” وقنوات “يوتيوب” تضم مئات الآلاف من المشتركين. كما تم اختزال بعض مروجي “كيو أنون” البارزين في صورة بائعي نظريات مؤامرة على المواقع الهامشية.
وأضرت هذه الحملات الصارمة بالفئة الأكثر احتيالا في “كيو أنون”، الذين نصًبوا أنفسهم قادة على عرشها، واعتاشوا على بيع بضاعة “كيو”، وتأليف كتب عن نظرية “كيو أنون”، وتنظيم فعاليات “كيو” غير المتصلة بالإنترنت. لكنهم أيضا فصلوا قاعدة المؤمنين بهذه النظرية عن المناطق التي كانوا يجتمعون فيها لمناقشة الأخبار وفك شفرة الرسائل المقتضبة الأخيرة والتخطيط للمستقبل.
” كان ينبغي أن يحصل أتباع Q Anon على توجيهات إرشادية في حال هزيمة ترامب. والآن، هم ليسوا فقط عاجزين عن العثور على “كيو” لاستلهام رسائله، وإنما أيضا يواجهون تحركات الشركات التي تدير المنصات، والتي تسعى إلى عزل مصادر الترفيه والقيادة الأخرى الخاصة بهم”، كما قال جون دونوفان، مدير الأبحاث في “مركز شورنشتاين للإعلام والسياسة” بجامعة هارفارد.
لكن يوم الانتخابات لم يمثل خسارة كاملة الأركان لـ “كيو أنون”؛ فقد فازت كل من مارجوري تايلور جرين ولورين بويبرت – وهما عضوتان في الحزب الجمهوري تشيدان دائما بنظرية “كيو أنون” التآمرية – في انتخابات مجلس النواب، وستؤديان القسم في يناير المقبل.
لكن ترامب، البطل الأيقوني في فانتازيا “كيو أنون”، سيكون خارج المشهد. وبدون وجود ’عامل تمكين‘ في البيت الأبيض، لا يسعنا سوى الانتظار لنرى ما إذا كانت الحركة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
“لقد اعتاد المؤمنون بنظرية “كيو أنون” على إخفاق نبؤات “كيو”؛ فيصاب بعضهم بالإحباط حد مغادرة الحركة، بينما يحاول آخرون التكيف مع السردية الفعلية التي تكشفت عنها الأحداث ليجعلوا من الانتكاسة جزءا من خطة أكبر. لكن.. يبقى من الصعوبة بمكان تحقيق هذا التكيف مع خسارة فادحة بحجم الهزيمة في الانتخابات الرئاسية”، كما قال ويليام بارتين، محلل البحوث في “مؤسسة Data & Society غير الربحية، والذي تخصص في دراسة حركة “كيو أنون.”
ويتوقع بعض مراقبي حركة “كيو أنون”، الذين تحدثتُ إليهم، عددا من السيناريوهات المحتملة في فترة رئاسة بايدن، أبرزها إنسحاب القادة الأكثر تأثيرا في الحركة بهدوء إلى جماعات نظرية المؤامرة ’الصديقة‘ ليعملوا من خلالها على إثارة المخاوف بشأن الإتجار الجنسي بالأطفال كجزء من حركة “انقذوا أطفالنا”، أو بث حالة من عدم الثقة في لقاح كوفيد – 19.
يمكن أيضا أن يلقي مؤيدو “كيو أنون” بأنفسهم في أتون الجهود المحافظة السائدة لإثارة الخلافات والاعتراضات على نتائج الانتخابات. وبالفعل، شرع بعض النافذين في الحركة في الترويج للحشد للنظرية اليمينية التآمرية ’الصديقة‘ “أوقفوا السرقة” في الولايات التي تقدم فيها ترامب وأنصاره بمطالبات لا أساس لها تتعلق بتزوير الانتخابات.
على نحو ما، يقف المؤمنون بنظرية “كيو أنون” في وضع يسمح لهم تماما بمساعدة ترامب على إعادة تقديم نفسه في صورة ضحية لانقلاب ديمقراطي رخيص؛ فهم خبراء متمرسون في إعادة إنتاج المحتوى ، ويتمتعون بشهية هائلة للترويج لنظريات المؤامرة والإقناع بها. كما أنهم جزء من القواعد الحزبية المتطرفة التي اعتادت التشكيك في السرديات الرسمية. وقد كشف استطلاع للرأي أجرته “مؤسسة Morning Consult” في نهاية الأسبوع الماضي أن 7 من كل 10 جمهوريين غير واثقين من أن انتخابات 2020 كانت “حرة ونزيهة”.
ويتشبث بعض أتباع “كيو أنون” بنظرية مؤامرة زائفة تحمل اسم “عملية المطرقة وبطاقة الأداء” تزعم زيفا أن القائمين على الانتخابات قد استخدموا حاسوبا عملاقا وبرنامجا خاصا للتلاعب في حساب الأصوات، وهو ما اعتبره كريستوفر كربس، مدير وكالة الأمن السيبراني التابعة لوزارة الأمن الداخلي “نوعا من الهراء”، وطالب الأمريكيين بعدم تصديقه. كما بدأ آخرون في نسج فانتازيا محكمة حول قيام ترامب بوضع علامات مائية سرية على بطاقات الاقتراع من أجل توريط الديمقراطيين في مخطط تزوير الانتخابات.
لكن أحدا من الخبراء لم يتوقع اختفاء الحركة، أو انسحاب من وقعوا في حبائلها، وإنما أكدوا فقط أن الحركة قد تجاوزت أساطيرها المؤسسة.
كيفين روز: كاتب متخصص في التقاطع بين التكنولوجيا والثقافة
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا