لم يكف سائق التاكس عن التذمر والسخرية من “سواقة الحريم” على حد تعبيره، (يا أبله الست من دول تصحي تنكد على جوزها فالبيت.. وتيجي تنكد علينا احنا فالسواقة)، ضحات متقطعة ساخرة يتخللها سعال جاف، أنظر بلا مبالاة من النافذة متجاهلة حديثه، ليستكمل (منه لله قاسم أمين.. لو كان داق شوية نكد من المدام وقتها كان زمانه مع وأد البنات..هيء هيء هيء)، لم أتحمل الكوميديا المفرطة، وسرحت بخيال انتقامي حاد لأتخيل أن ذرات الهواء أيضًا لا تتحمل هذا النوع من الكوميديا، وتتحد معًا لصنع ثقب صغير في الغلاف الجوي يسمح بمرور أشعة جاما عبر الأوزون إلى “بربريز” التاكس فيصاب السائق بحروق من الدرجة الثالثة وأمراض جلدية سرطانية تؤمن له الموت البطيء ليكون عبرة لكل من يحاول أن يمارس هذا النوع من السخرية القائمة على “الوصف العكسي” الذي انتهت صلاحيته منذ رحيل اسماعيل ياسين وزينات صدقي.
واحدة من الصور النمطية عن المرأة المصرية والعربية هي وصفها بالنكد، لقد شاهدنا الأفلام وسمعنا الأمثلة والنكات الشعبية والتراث الاجتماعي الذي يعزز _بقصد أو دون قصد_ انحيازًا اجتماعيًا عميقًا نحو التنميط السلبي للمرأة أو التقليل من شأنها أو شيطنتها(لو مراتك نكدية شَلّ… الجلابية..اسمع كلام المدام عشان تعيش فسلام..واحد بيسأل صاحبه مراتك من النوع النكدي؟ قاله وهوة فيه نوع تاني!..وغيره)، ولأن الصور النمطية تجعل المرأة غير جديرة بالثقة وغير عقلانية، نتيجة لذلك، فإن فهم المجتمع لغضب النساء يشوبه التحريف، ويبدو أن نكد الزوجة حتمي حتى يثبت العكس!!
يعرّف لسان العرب النكد على أنه قِلّة العَطاء، وتَنكِيد العَيش وتَكديرُه أي جَعلُه صَعبًا، وهو مصدر نَكَدًا، وَكُلُّ شَيْءٍ جَرَّ عَلَى صَاحِبِهِ شَرًّا فَهُوَ نَكَدٌ، وجَمْعُ نَاكِدٍ وَهِيَ الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، وفي َقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا)، فالتعريف غير مرتبط بالنساء تحديدًا، إذن لماذا تستمر إدامة الصورة النمطية الخاصة بأن النساء أكثر نكدًا من الرجال أو مسببات النكد؟، وكيف تحصل المرأة في مجتمعاتنا العربية على إحساس مركزي عميق تجاه أنفسهن وهي محاطة بصور سلبية عديدة؟، الأهم من ذلك ..هل هناك أي فرصة لأي نوع من النهاية السعيدة كي يعيش الزوجين في تبات ونبات؟ فلنحاول ذلك.
الزوجة النكدية كتنميط اجتماعي في ظل الثقافة الذكورية:
تتعلق الصورة النمطية الخاصة بجنس معين عن التصور المسبق حول الخصائص والسمات والأدوار الاجتماعية الخاصة بالرجال أو النساء، على سبيل المثال “المرأة ضعيفة”، “الرجال أقوياء”، وفي رأي الطبيب النفسي (عباس مزهر):”فإن النكد موضوع متشعب يتصل بطبيعة العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، وهو نوع من أنواع السلوك يأتي في سياق شامل، وينتج عنه تصرفات لا شعورية مرتبطة بالصراع على الأدوار”، فالنكد لا يتعلق بالجندر، فهو سلوك انتقامي مشوهة يعكس علاقة متوترة بين الزوجين، لكنه يسير جنبًا إلى جنب مع تراث اجتماعي من التحيز ضد المرأة أو عوامل نفسية نتيجة التنشئة غير السوية التي جعلت النساء يعتقدن أن ليس لديهن تأثير على الرجال، وأن النكد طريق لهذا التأثير ولا مفر منه، أو الكبت والإهمال التي عانت منه الزوجة في الطفولة ما يعطيها شعورا بعدم الثقة، يجعلها عندما تتزوج تلجأ إلى إثبات ذاتها في الحياة الزوجية (على حساب الغلبان صاحب النصيب)، مع أسباب أخرى مثل عدم الارتياح في شغلك /ظروفك/ شريك حياتك، وبغض النظر عن مدى الانحياز الذي يجعل كل الرجال يريدون أن يكونوا “على حق”، أو يريدون “الفوز”، على أرض الواقع فإن استجابة الأنثى أيضًا غالبًا ما تكون “خاطئة” أو “محبطة” أو “غير ملائمة”.
تظهر الصورة النمطية التى طبعت عن الزوجات في المجتمعات الشرقية، فيصبح الرجل (الغلبان ياعيني) كأنه هو المضطر كارهًا للتنازل أمام المدام أيقونة النكد الشرقي(التنازل بيبدأ بخطوة بعد كده بتركب الزحليقة)، ويتم إعادة انتاج التنميط من بعض النساء كالأم والحماة بنصائح تعزز الصورة النمطية في ذهن الزوجة ويكون لسان حالها ( لا تسوي نفسك فرفوشة يا نكدية)، وينسحب الواقع على السوشيال ميديا حيث تؤطر علاقة الزواج بصور ذهنية سلبية تروج لفكرة الزوجة النكدية، وإلصاق تهمة النكد على الزوجة، من خلال الكوميس والميم والصفحات الساخرة (يوميات زوجة مفروسة، يوميات زوج مطحون، ..)، فتقدم في كثير من الأحيان كعلاقة عدائية نكدية قاتمة غير مبهجة، وإذا كنا نبحث عن النهاية السعيدة، وتغيير إدامة السرد القائل بأن الزوجة نكدية بطبعها، فلنقترح بعض الفن في إدارة النكد الذي يمكن أن يقوض بشكل كبير النكد الزوجي.
حروق من الدرجة الثانية:
بالتأكيد أن الزواج علاقة مثالية بين شخصين _ في ذهنهما_ مع افتراض حسن النوايا، لكن مع الوقت تبدأ “حروق الدرجة التانية” للزوجة بالتقيح، ماذا لو كان لدينا حرق من الدرجة الثانية، يكون كجرح مفتوح، ثم يضع الزوج إصبعه عليه، وتقول الزوجة “هذا يؤلمني هل يمكنك التوقف من فضلك؟”، ثم يرد الزوج المرتبك والمفاجأ “كل ما فعلته هو لمس ذراعك! ليه الأوفر ده؟ يبدو أنكِ دائمًا ما تجدين شيئًا للشكوى والنكد”.
قد يكون الحرق هو كل الخذلان والصبر والثبات والسماح أمام تقاليد معيقة من كراهية النساء أو استغلالهم، كل تمييز يحصل عليه الذكر بسبب نوعه وليس بسبب كفاءته، كل الامتيازات التي حرمت منها المرأة بناءً على نوعها، كل اتهام باطل بأن النساء مكمن الشر، كل استباحة ولوم للمرأة بداية من تحريف النصوص المقدسة إلى القوانين التي رسخت تطبيع الظلم والقهر وحرمان المرأة من حقوقها؛ كحقها في التعليم والميراث بحجج واهية، كل فكر متعصب متجمد يرى النسوية وحقوق المرأة على أنها دعوة للانحلال، كل رجل دين افتى بضرورة ضرب الزوجة، كل منتج إعلامي ساهم في شيطنة وتسليع المرأة وإشغالها بتوافه الأمور، كل امرأة قهرت نظيرتها لمجرد خروجها عن “التابوه” الذي يفترض بها أن تكون عليه، هذه الحروق تؤذي الزوجات، شخص ما يتألم ألما مشروعا بسبب ذلك، وهذا هو سبب تشبيهي للحرق من الدرجة الثانية، ما أعتقده هو أن الزوجات لديهن حروق غير مرئية من الدرجة الثانية، ثم الأزواج يلمسون جروح الحروق المؤلمة، من خلال العديد من الأشياء التي يفعلها الرجال (أو لا يفعلونها) غالبًا تجعل النساء يشعرن بالضيق في علاقاتهن وأنهم يضغطون على الحروق بشدة.
العديد من الرجال لا يدركون أن هذه الأشياء غير المرئية تحت “جلد” زوجاتهم، لا يدركون لأنهم ليسوا في نفس الموقف، هي خيالات غير مرئية بالنسبة لهم (شوية هرمونات وهايروحوا لحالهم)، ومن الصعب أن يفهم الزوج كيف يمكن لشيء غير مرئي لا يعرفه أن يؤذي شخصًا آخر، خاصةً وأنه قد يكون غير متسبب به، فالرجال لا يخططون بشكل منهجي لإزعاج زوجاتهم، لا أعتقد أن الرجال سيئون، ولا أعتقد أن الرجال يتعمدون إيذاء زوجاتهم، ومع ذلك، التغيير الذي نحتاجه هو أن “يرى” الرجال الأذى، يرى تلك الحروق غير المرئية التي ليس لديهم أدنى فكرة عن وجودها.
ما يحدث بعد ذلك يبدو منطقيًا بما فيه الكفاية لاستدعاء الاتهام بالنكد، عندما يحدث هذا التفاعل الخفي والمُساء فهمه والمترجم بشكل سيء، فالزوجة تشعر بأنها غير محبوبة، ومهملة، وتعاني من سوء معاملة، ومهجورة وغير مرغوب فيها من قبل الشخص الذي تحبه كثيرًا والذي وعدها بأنه سيبقى معها إلى الأبد، تشرح بالضبط ما هو مؤلم، ويخبرها أنها مخطئة وأنها تختلق ذلك في رأسها، وهو يشعر وكأنه يُعامل بشكل غير عادل، ويتلقى اتهامات غير حقيقية، ولا يُنسب إليه كل الخير الذي يفعله، وجميع التغييرات الداخلية والخارجية التي أجراها ليكون شريك مدى الحياة، يشعر أيضًا كما لو أن واقعه ونواياه يتم تحريفها بشكل غير عادل وغير دقيق.
ماذا نستطيع أن نفعل؟
النكد الزوجي مشكلة كانت موجودة لأزواج آخرين منذ آلاف السنين، إن سبب استمرار هذه المشكلة لآلاف السنين مفهوم جيدًا لدى معظم النساء اللواتي يتجاهل أزواجهن شكاواهم، بالتالي من حين لآخر يجذبون انتباه أزواجهم بالنكد، لابد أن تعرف الزوجات أنه ليس من الجيد الاستمرار في إعادة صياغة الماضي، لكن وعلى الرغم من ذلك، يشعرن بتحسن عندما يفعلن ذلك( بحس بنشوة أمّا افكره بكل المشاكل والنكد اللي فات..، وافكره بغلطاته.. ، وإني مش هسامحه على المعاناة التي سببها لي، واللي بالتأكيد مش نسيهاله)، تشعر الزوجة كما لو أن زوجها طعنها ألف مرة، وبينما كانت تنزف على الأرض، لا يفعل شيئًا لمعالجة الذكريات التي تثيرها، أرادها فقط أن تنسى الماضي وتأمل في مستقبل أفضل (استهدي بالله وقومي اعمليلنا حاجة ناكلها).
غالبًا ما يكون لدى الرجال مهارة قليلة أو معدومة في إدارة النكد الزوجي، ويتصرفون إما بشكل دفاعي أو كجدار صخري، حينها يمكن التنبؤ بنمط التدهور الزوجي، عزيزي الرجل عزيزتي المرأة، إليكم مراحل تطور النكد:
خلال المرحلة الأولى، عندما تشكو الزوجة بهدوء واحترام، يجب على الزوج أن يأخذ شكواها على محمل الجد، فهي تحاول العمل معه لإيجاد أرضية مشتركة، وتكون حينها على استعداد للنظر في الخيارات التي تجعلهما سعداء، ولكن إذا ربط شكاواها بأنها نكدية، وشجعها على الاحتفاظ بها لنفسها، فسوف يرتكب خطأً كبيراً (قد يكلفه حياته)، وسيفقد فرصة لحل مشاكل صغيرة قبل أن تكبر وتتحول لمشاكل كبيرة، ومحاولته إسكاتها في المرحلة الأولى، لا يقتصر على عدم احترامها فحسب، بل يدمر أيضًا النية الطيبة التي لا تزال تملكها له.
بحلول الوقت الذي تصل فيه النزاعات إلى المرحلة الثانية من النكد، تكون نواياها الطيبة قد ضاعت، لم تعد تعتقد أن زوجها يهتم بمصالحها، لذا يجب عليها الكفاح من أجلها، يجب أن تجبره على الاعتناء بها، لذلك ستصبح متطلبة وغير محترمة وغاضبة، ويتم تفعيل وضع النكد، عندما يرى الزوج هذا التحول في نهجها من الاحترام إلى عدم الاحترام، فإنه عادة ما يحارب النار بالنار والباديء أظلم، إذا أرادت أن تكون غير محترمة، فيمكنه أن يكون بهذه الطريقة أيضًا، ولكن إذا ارتكب هذا الخطأ، فسوف يرى زواجه ينهار بسرعة.
الطريقة الصحيحة للزوج للتعامل مع الزوجة في المرحلة التانية هي محاولة تجاوز طريقتها غير اللائقة للتعبير عن نفسها مؤقتًا ومحاولة التعامل مع الشكوى بطريقة محترمة، لكن هذا هو الوقت الذي يكون فيه تعاونها ضروريًا للغاية، حيث عليها بطريقة ما أن تكبح نفسها عن الإساءة إليه، بدلاً من اعتبار أساليبها المسيئة هي الطريقة الفعالة الوحيدة لجذب انتباهه، يجب أن تعتبر استعداده للتفاوض باحترام أمرًا يجب عليها احترامه.
لكن عندما يدخل النكد المرحلة الثالثة، حيث كل ما تفكر فيه هو سنوات الإهمال التي تحملتها، ولا يبدو أنها تتغلب على الاستياء العميق الذي تشعر به كلما رأته أو تتحدث معه، يصعب العثور على الحلول، في هذه الحالة، لا يكون للزوج عادة خيار آخر سوى الانفصال، وفي السابعة صباحًا، لا يجد الزوج من يحنو عليه إلاّ بائع عربة الفول المدمس عم (عبده)، ليقابل سائق التاكس، ويستكمل السائق حديثه عن نكد “الستات” ويستمر إدامة الصورة النمطية عن نكد الزوجة، بينما يستمع لهما البائع دون مبالاة، ويستكمل غسيل الأطباق المستعملة في جردل المياه الملوث بجانبه، وينصرفون في هدوء …صباح النكد ياعم عبده..