ثقافة

بانوراما عمار على حسن فى “عالم فى العراء”

فى نقاشاتى الدائمة مع د.عمار على حسن تطرح غالبا قضية الموسوعية سواء على مستوى القراءة أو الكتابة وكان – دائما – ما يستشهد بالجيل الثانى من رواد النهضة المصرية من أمثال طه حسين وعباس محمود العقاد وسلامة موسى وإبراهيم عبد القادر المازنى الذين امتازوا بهذه الموسوعية كتابة وقراءة وكان العقاد يقول إنه يقرأ فى كل المجالات لأن ” معدته ” الثقافية قادرة على هضم كل شىء و” لأن عمرا واحدا لايكفيه ” ومن طريف ما يحكى فى هذا أن أحد الأصدقاء زاره فوجد عنده كتبا فى ” علم الحشرات ” فتعجب واستفسر من العقاد عن قراءته فى هذا العلم البعيد عن إبداعاته فقال له العقاد : لاعجب فى ذلك لأن ” الحشرات هى البروفة الأولى للإنسان “..

عباس العقاد
عباس العقاد

وعندما مات لويس عوض نعته الأهرام بقولها ” وفاة آخر الموسوعيين العرب ” لكن نبوءتها فشلت فهو لم يكن الأخير فى هذه الموسوعية التى ظهرت بقوة عند البعض مثل د.عمار وعلى استحياء عند البعض الآخر ومن اليسير تصنيف كتب د.عمار ما بين علم الاجتماع السياسي مثل ” التنشئة السياسية للفرق الصوفية فى مصر : ثقافة الديمقراطية ومسار التحديث لدى تيار ديني تقليدي ” و” الفريضة الواجبة : الإصلاح السياسي فى رحاب الأزهر والإخوان المسلمين ” وهو عنوان يتماس مع ” الفريضة الغائبة ” لمحمد عبد السلام فرج والكتب النظرية الفكرية مثل ” الأيديولوجيا: المعنى والمبنى ” والكتب النقدية مثل ” النص والسلطة والمجتمع : القيم السياسية فى الرواية العربية ” والشهادات العامة مثل ” عشت ماجرى : شهادة على ثورة يناير” والسيرة الذاتية والأعمال الروائية والقصصية ومن المهم أن نذكر أن مؤلفاته فى علم الاجتماع السياسي والثقافي يغلب عليها الموضوع الواحد الذى يعالجه من جوانبه كافة لكننا مع هذا الكتاب الصادر عن دار غراب بعنوان ” عالم فى العراء – الإعلام الجديد والثقافة والمجتمع ” أمام ” حشد ” لافت للعديد من الموضوعات المهمة التى تبدأ – كافتتاحية لازمة – بالحديث عن طبيعة العصر الراهن وأنماط ثقافة الإعلام الجديد التى يلعب فيها ” تويتر وأخواته ” دورا أساسيا الأمر الذى استدعى الحديث عن ضرورة ” التسامح ” ..

لويس عوض
لويس عوض

والذى أصبح ضرورة حضارية وسط الصراعات الدينية والطائفية والعرقية الحالية والدامية ولاشك فى أن ثقافة ” الإعلام الجديد ” قد نالت من سلطة الكاتب التقليدية والسلطة السياسية وسلطة الأب لهذا كان من المهم أن يتحدث فى المقال الثالث عن ” حالتنا الاجتماعية بين الأبوة والأبوية ” مستشهدا بما قاله المفكر هشام شرابي عن سلطة الأب السائدة فى العالم العربى على جميع المستويات و” نزعتها السلطوية الشاملة التي ترفض النقد ولاتقبل بالحوار إلا أسلوبا لفرض رأيها فرضا ،إنها ذهنية امتلاك الحقيقة الواحدة التى لاتعرف الشك ولاتقر بإمكانية إعادة النظر” واللافت أن د.عمار لايربط الأبوية بالرجال فقط حيث يظل من الممكن أن تلعب المرأة المطلقة أو التى فقدت زوجها الدور نفسه كما كان من الطبيعي أن يتحدث – نظرا للموسوعية التى أشرنا إليها – عن أصناف القراءة والقراء معارضا ماشاع الآن من وجود كتاب يتيهون بأنهم يكتبون ” أضعافا مضاعفة لما يقرأون ..متوهمين أن البديهة وحدها أو الموهبة منفردة بوسعها أن تكون كافية شافية كى تصنع كاتبا يدوم ” وبعد هذا يضع مبادىء القراءة المثمرة وأولها القراءة بلا حدود فى أى اتجاه وثانيها أن نعطى أولوية للكتاب الذى نختلف مع مضمونه وتوجهات مؤلفه وثالثها ألا ندخل إلى القراءة متربصين بالكتب ورابعها هو اليقظة التامة أثناء القراءة وخامسها تنوع القراءة بعد أن أصبحت العلوم مفتوحة بعضها على بعض .

عالم في العراء - عمار علي حسن
عالم في العراء – عمار علي حسن

وإجمالا يمكن تقسيم موضوعات الكتاب إلى عدة مجالات هى : النقد الأدبى الذى تحدث فيه عن ” مسيحيو مصر بين روايتين ” لصبحى موسى وروبير فارس و” الرواية والريف الجديد ” عند محمد إبراهيم طه فى ” باب الدنيا” ومحمد البرغوثى فى ” داير الناحية ” وصبحى موسى فى ” نقطة نظام ” و” الرواية والتصوف ” عند محمد موافى فى ” حكاية فخرانى ” وأدهم العبودى فى ” حارس العشق الإلهى ” ووليد علاء الدين فى ” كيميا ” و” رواية الذات ” عند محمد جاد الله فى ” 9كيهك / الأفق الخامس” وخالد الخميسي فى ” الشمندر” وكذلك القصة القصيرة عند عزة رشاد في مجموعتها ” حائط غاندي ” وروايات ” السايكلوب ” و” المايسترو” و”أوراق شاب مصري ” لكل من إبراهيم عبد المجيد وسعد القرش وحمزة قناوى وأدب الرحلات فى ” ثرثرة فوق نهر التايمز ” للدكتورة منى النموري ولا يفوته أن يتحدث عما يعانيه الشعر والمسرح من أزمة فى النش والتوزيع وهناك مايسمى نقد النقد مثل حديثه عن ” الرواية والسلطة ” لكاتب هذه السطور وكتاب ” نجيب محفوظ ناقدا ” لتامر فايز و” الكتابة للمستقبل ” للروائية والشاعرة السودانية آن الصافي و” النهار الآتي ” عن أشعار رفعت سلام و” أدب المصريين ..شهادات ورؤى ” وهما من إعداد الشاعر والمسرحي أحمد سراج و” الأدب وعلم النفس ” للدكتور شاكر عبد الحميد وأخيرا يتحدث عن بعض الظاهر الثقافية والعلمية مثل السرقات العلمية وخصام المتطرفين للفنون والآداب وهجرة العقول المصرية .

   هذا كتاب ممتع ومفيد طاف بنا صاحبه د.عمار على حسن فى مجالات متعددة ومتداخلة بأسلوب عميق وسلس وقريب من القارىء العام.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock