لا يصِحُّ أن يعتبر الناقد الموضوعي النبيه شاعرا بحجم “جمال بخيت” أقلَّ من رموز العامية المصرية الكبار، كفؤاد حداد وصلاح جاهين وفؤاد قاعود وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب.. هو واحد من هؤلاء العباقرة بلا ريب، حتى لو كانوا أساتذته التاريخيين، أو كان بعضهم أستاذا له بصورة مباشرة، وإن أدنى الجولات في أشعاره القوية الرائعة المقاومة للقبح العام والمكافحة في سبيل خلق الحياة الطيبة المنشودة، وأغانيه الفوَّاحة بعبير عاطفيٍّ حُرٍّ (جادٍّ ورحبٍ وآَسِرٍ ومُنوَّع)، يكتظ بالأمل في قلب اليأس وباليقين في حنايا الشُّكوك، عزَّ أن توجد عند غيره أخلاطه وأسراره، ومشاركاته الشِّعرية العديدة في المحافل الثقافية الدولية والمهرجانات المصرية والعربية، وما ناله من الجوائز المعتبرة والتكريمات الفخمة بطول مشواره الممتد الواثق الثري، وفوق ذلك وجوده الطاغي بأغانيه المؤثرة في الكاسيت، الذي آل إلى ملفات صوتية حديثة على الإنترنت، وفي فضاءات المسرح والسينما والتلفزيون؛ كل ذلك ليشير إلى المعنى نفسه بقوة: “جمال بخيت” أحد رموز العامية المصرية الكبار حقا وصدقا.
نصيبه من الشهرة مقارنة بالأجيال السابقة
لم ينل الشاعر الكبير حظا من الشهرة نالته رموز الأجيال السابقة في مجال الشِّعر العامِّي والأغنية، بالرغم من كونه صنع مجدا شخصيا كالذي صنعه كل واحد فيهم، مجدا سرعان ما يجاوز الشخص نفسه إلى مجتمعه الكبير فيمنح المجتمع من النُّبْل والشَّرف ما يمنحه بالأكوام والأطنان، صنعه بجهده الخاصِّ، واجتهاده الملحوظ، وإجادته النادرة، وقدرته على قراءة المشهد الشِّعري العامِّ على الدَّوام، وقبض ما يمكن أن يميَّز الشَّاعر فيه، ثم الحرص على هذا التميز بمدى الأعوام…
لا يلعب “جمال بخيت” بأنانية مع ذلك، بل العكس هو الصحيح؛ يمنح الكرة للآخرين لكي يحروزا بها أهدافا ويحصلوا على حقهم في التشجيع والصعود، ومن ذلك متابعته الدقيقة للشعراء الجدد، لا سيما أصحاب التجارب الأولى، وكتابته عن المواهب الفارقة بينهم، وحرصه على التواصل معهم، وهو الدور الذي تفتقد الأجيال الجديدة معظمه في تعاملها مع الكبار السابقين لها عموما.
قد يكون مثل هذا الاهتمام بالعطاءات المتفوِّقة للشباب الذين جاءوا بعده، بقليلٍ أو كثيرٍ، هو ما حجَّم شهرته وحدَّدها في إطارٍ داعمٍ للآخرين، وبعض الكبار يحبِّذون هذا الدور ويجيدونه، وقد تكون أسباب أخرى، منها السياسي والاجتماعي والإعلامي وربَّما الزُّهدي، إلا أن شهرته حاصلةٌ وممتازةٌ في جميع الأحوال، غير أنها دون الشهرة التي يستحقها “جَبَلٌ أيْهَمُ” مثله!
الميلاد والنشأة وبداية الحياة العملية
وُلِدَ “جمال بخيت” في التاسع والعشرين من يناير من عام 1954، ويعتز بنشأته في حي مصر القديمة اعتزازا بالغا؛ فكم قال “إنه الحي الجامع بين روح القاهرة الشعبية الأخَّاذة وتقاليد الصعايدة النازحين إليه من جنوب الوطن، بكل ما فيهم من الجمال والصدق”.
تخرج من كلية الإعلام شعبة الصحافة عام 1979، وعمل بمجاله بعد تخرجه، بادئا بمجلة صباح الخير بمؤسسة روزاليوسف العريقة، ومتمسِّكًا بها، حتى صار مديرا لتحرير المجلة الشهيرة، كما ترأس القسم الثقافي والفني بجريدة الخليج الصادرة في الشارقة بدولة الإمارات بين عامي 1987، 1990، ومع الوقت نال عضوية نقابة الصحفيين المصرية، وعضوية نقابة المهن السينمائية (قسم السيناريو)، وعضوية الجمعية الدولية لحقوق المؤلف والملحن، وعضوية مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين المصرية، وعضوية لجنة النصوص الموحدة باتحاد الإذاعة والتلفزيون.
بالأساس كان شاعرا عظيم الموهبة في نطاق القصيدة الشِّعرية وكتابة الأغنية، وبالتزامن مع عمله بالصحافة، بدأت تجلياته الإبداعية تتجاوز شخصه وأصدقاءه المقرَّبين ومعارفه إلى الجماهير العريضة؛ فظهرت أغانيه على ألسنة المغنين المتحقِّقين وأساطين الغناء من بعدهم، وبرزت وانتشرت، بطعمٍ فريدٍ لم يعتده الجمهور من كتَّاب الأغنية الرَّاسخين الذين أشرقت شموسه في وجودهم، برفعةٍ وثقةٍ، وكان هذا التحدي أيَّامها من أهم التحديات التي واجهته وربح فيها ربحا وافرا، ربح معنويا بدون شك، كما قد يكون الأمر ساعده على تخطِّي الظروف المادية الصعبة التي غالبا ما تواجه خرِّيجا في بداية مشواره العملي، ينتمي إلى الطبقة المتوسطة.
دواوينه الشعرية
لم يُصدِر الشاعر الكبير “جمال بخيت” دواوين شعرية كثيرة العدد؛ فهو من أبناء فكرة الكيف لا الكمِّ، ودواوينه التي أصدرها ليست بقليلةٍ على كل حال، وقد لاقت حفاوة بالغة من الجماهير والنقاد على السواء، وتلك معادلته البسيطة العبقرية في الحقيقة؛ فَهَمُّهُ الوصول إلى المتلقي العادي الذي يحبُّ الشِّعر بجانب النَّفاذ إلى ذهنية النقاد المعقدة!
أصدر دواوين: مشاعر بلا ترتيب 1985 (عن دار ألف للنشر)، شباك النبي على باب الله 1994 (عن مكتبة مدبولي)، بنعشق الحياة 1996 (عن الهيئة العامة للكتاب)، مسحراتي العرب- الجزء الأول 2002 (عن الهيئة العامة للكتاب)، ساعدني أعيش 2004- ديوان للأطفال حمل رسوم الفنان على دسوقي (عن المركز القومي لثقافة الطفل).. تلتها دواوين: مسحراتي العرب- الجزء الثاني، المصري حبيب متحمس، أهل المغنى، مسحراتي يا مصراوية. وصدرت له الأعمال الشعرية الكاملة في جزأين متتابعين. هكذا، بخلاف مئات القصائد المنشورة، منفردة، في الدوريات الثقافية المتخصصة.. وفي التقييم الدقيق هو شاعرٌ مطبوعٌ وليس مصنوعا، أعني، بالمعنى اللغوي، يأتي قصائده دون تكلُّف، ومع ذلك فهو محترفٌ وشاهقٌ، وليس في المتناول بالمعنى المجاني المَعِيب.
انتماؤه السياسي والقضايا التي تشغله
ينتمي “جمال بخيت” انتماء صافيا لا شائبة فيه إلى “الناصرية”… يؤمن إيمانا عظيما بالزعيم “جمال عبد الناصر”، ويعُدُّه صاحب مصر الحقيقي الذي جاءها بالأحلام الكبرى والمشروعات الخالدة والخلاص من احتكار الثروات واستعباد خلق الله، وهو الانتماء الذي أوقعه في خلافات ومشاكل لا حصر لها مع أصحاب الانتماءات الأخرى، لكنه اعتاد مثل ذلك ولم يعد يبالي به، وإنما ينحاز انحيازا طبيعيا إلى الفقراء والبسطاء والكادحين، وإلى الثائرين على الفساد، والراغبين في حياة أفضل… هو قومي بلا أدنى جدال، ومشغول بالأوضاع العربية في ماضيها وحاضرها، لا سيما التي تتعلق بالاستقلال الشامل طبعا، ومنصرف الهمَّة إلى مناصرة الفلسطينين وقضيتهم العادلة، وقد حاز ألقابا حميمة وافرة، من بينها شاعر الحبِّ والحُرِّيَّة، ومسحراتي العرب (على اسم ديوانه الذائع)، ومسك ختام العامِّيَّة المصريَّة الرَّائدة، كما ألقبه أنا، وقد عاملته واقتربت منه فضلًا عن إلمامي الكبير بعطاءات قلمه، فإذا هو آخر الشُّعراء الرُّواد بالفعل، على معنى الرصانة التامة، وليس بالتقليديِّ بالرغم من ذلك؛ لأنه متطوِّر ومتجدِّد، وقد كان من بين سابقيه الرُّواد الأفذاذ الذين كان هو مسك ختامهم، كما أرى بالقطع لا الظن، من ليسوا بتقليديين أيضًا؛ فلا يعني القِدَم بالضَّرورة أن يكون المبدع تقليديًّا، ديدنه مجاراة العادة ومعارضة مستجِدَّات فنِّه وواقعه.
مع نجوم جيل الوسط الغنائي منير والحجار وصالح والحلو
له مع “محمد منير” ثلاثٌ من أروع أغانيه وأبقاها: “أم الضفاير”، و”يا غربتي”، و”أتحدى لياليك”.. جرى التعاون بينهما في مرحلة مبكرة من مراحل الكينج؛ قبل أن يتغيَّر “منير” تغيُّره المربك المحيِّر الذي يحتاج إلى كتابة مستقلة.
“أنا الخريف وانتي ربيعي
وانا المنى لما تشبِّي
وانا الهدى لمَّا تضيعي
وانا الهوى لمَّا تحبِّي
لبِّي ندايا ولا تخبِّي
أزرعلك العمر جواهر
يا غربتي فـ ليلي السَّاهر”
ومع “محمد الحلو” جملة من الأغاني التي لا تنساها الذائقة الجمعية الرفيعة للمستمعين، ومع “مدحت صالح” مثل ذلك، وأما “علي الحجار” فكانت تجربته معه هي الأكبر والأبلغ، في ألبومات كاملة حملت اسميهما فقط، وقد يحتاج الأمر إلى كتابة خاصة بشأنهما معًا.. (يمكن الرجوع لكل تلك الدُّرر النفيسة في الإنترنت بالبحث عنها هناك وهي متوفرة للباحثين).. وبالمناسبة، هو يعتبر الحجار وصالح أفضل من قاما بغناء التترات في تاريخ الدراما المصرية.
أغانٍ حصدت جوائز عربية كبرى
من أغانيه التي حصدت جوائز عربية في مسابقة الأغنية العربية: “بنعشق الحياة”- كلماته ولحن لحمي بكر وغناء غادة رجب، فازت الأغنية بجائزة الميكروفون الذهبي كأفضل عمل متكامل- الأردن 1995.. “اتجمَّعوا”- كلماته ولحن عمار الشريعي وغناء أنغام، فازت الأغنية بجائزة أفضل لحن- البحرين 1996.. “غنِّي”- كلماته ولحن حلمي بكر وغناء رحاب مطاوع، فازت الأغنية بجائزة أفضل نص وفاز حلمي بكر بجائزة التلحين. أخيرا، فازت كلمات أغنيته
“وطن عربي”- لحن فاروق الشرنوبي وتوزيع يحيى الموجي وغناء محمد الحلو؛ بالمركز الأول في المسابقة من بين كل الأغاني التي قدمتها الدول العربية آنذاك- سوريا 2005.
https://www.youtube.com/watch?v=Q4N6uJPAYkY
هو والموسيقيُّون والمغنُّون
يصف “جمال بخيت” نفسه بالمحظوظ، في الحوارات الكثيفة التي أجرتها معه الوسائل الإعلامية المتنوعة بطول مشواره الحافل بالنجاحات والعذابات أيضا؛ يصفها كذلك لأنه عامل، في خلال رحلته الشاقة والممتعة في مجال كتابة الأغنية، عددا وافرا من المغنين الذين في العلياء والملحنين والموسيقيين العباقرة، من بين الأصوات العربية: وردة الجزائرية، ولطيفة، ولطفي بوشناق، ومحمد عبده، وذكرى، وجوانا ملاح، ومليحة التونسية، وناجي سابا، وزينب توفيق، وماهر عبيد، وميسرة، وحُسنة، وعلي زعيتر، وراغب علامة، وعبد الله الرويشد، وماجد المهندس، وديانا كرازون وأسماء لِمْنَوّر، وخالد شمس، وجنات.
ومن الأصوات المصرية (بالإضافة إلى من كنت خصَّصت لهم مكانا وحدهم من نجوم جيل الوسط الغنائي): حميد الشاعري، ونادية مصطفى، ومها البدري، وغادة رجب، وأنغام، وعلاء عبد الخالق، وأحمد سعد، وحنان ماضي، وأسامة الشريف، وآمال ماهر، وخالد سليم، وحنان.
وفي الليالي المحمدية غنَّى له من عظماء الغناء العاطفي والشعبي: محمد قنديل، محرم فؤاد، محمد رشدي، محمد العزبي.
وضمن الملحنين والموسيقيين: عمر خيرت، وعمار الشريعي، وفاروق الشرنوبي، وأحمد الحجار، وحلمي بكر، وعبد العظيم عويضة، ومحمد علي سليمان، وأمير عبد المجيد، ويحيى الموجي، وجمال عطية، وأحمد منيب، ويحيى خليل.
أعماله للمسرح والسينما والتلفزيون
للمسرح: مسرحية الساحرة (الأشعار- المسرحية غير مثبتة التاريخ)، باللو باللو 1995 (الأشعار)، زمبليطة في المحطة 1996 (الأشعار)، طرائيعو 2002 (الأشعار)، يمامة بيضا 2007 (تأليف المسرحية)، بلد السلطان 2016 (الأشعار).
للسينما: فيلم شوية عيال 1991 (الأشعار)، فيلم كريستال 1992 (كلمات الأغاني)، فيلم سكوت حنصور 2001 (كلمات الأغاني)، فيلم كف القمر 2007 (كلمات الأغاني).
للتلفزيون: مسلسل كوم الدكة 1987 (كلمات الأغاني)، مسلسل العودة 1991
(الأشعار)، مسلسل كلام رجالة 1993 (التتر وكلمات الأغاني)، مسلسل غاضبون وغاضبات 1993 (كلمات الأغاني)، مسلسل سور مجرى العيون 1993 (كلمات الأغاني)، مسلسل أحلام العنكبوت 1994 (الأشعار)، مسلسل أوراق مصرية- الجزء الأول 1998 (كلمات الأغاني)، مسلسل عفوا هذا حقي 2000 (الأشعار)، مسلسل نور القمر 2002 (كلمات الأغاني)، مسلسل أوراق مصرية- الجزء الثاني 2002 (التتر)، مسلسل أوراق مصرية- الجزء الثالث 2004 (التتر)، مسلسل أرض الرجال 2005 (كلمات الأغاني)، مسلسل مطعم تشي توتو 2006 (الأشعار)، مسلسل خليها على الله 2007 (التتر)، مسلسل رحيل مع الشمس 2010 (كلمات الأغاني)، مسلسل درب الطيب 2006 (الأشعار)، مسلسل آن الأوان 2006 (كلمات الأغاني)، مسلسل السائرون نياما (التتر وكلمات الأغاني)، مسلسل دنيا جديدة 2015 (الأشعار)، مسلسل في غمضة عين 2013 (كلمات الأغاني).