فن

في “المهرجان”: كورونا تغيّب المشاركات العربية وفلسطين الأكثر تميزا

لعبت الجائحة دورا رئيسيا ومباشرا في تعثر الكثير من المشاريع السينمائية على مستوى العالم و ليس فقط محليا أو عربيا، ما انعكس فعليا على عدد الدول المشاركة  ضمن فعاليات الدورة 42 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والذي انطلق بالقاهرة قبل أيام (من 2 وحتى 10 ديسمبر الجاري)، ومن بينها أيضا الانتاجات العربية  حيث شاركت فقط 5 دول عربية هي فلسطين، السعودية، المغرب، تونس و لبنان في مسابقات المهرجان المختلفة.

الطريف أن لبنان ورغم كل ما مر ويمر به من أزمات على مستويات عدة، إلا أن صناع السينما فيها نجحوا  لإنجاز مشاريعهم ومن ثم تصدروا المشهد بثلاثة أفلام في مقدمتها «التلفزيون» للمخرج روبير كريمونا في عرضه العالمي الأول وضمن قسم العروض الخاصة، وتدور أحداثه حول برامج تلفزيون الواقع وكيف لا يهتم منتجوها سوى بتحقيق أعلى نسب مشاهدة من دون  النظر لأي اعتبارات أخري سواء ما يتعلق بقيم المجتمع والتي حتما تهدمها تلك النوعية من البرامج التي سيطرت علي الشاشات لسنوات، أو نفسية الذين يتحمسون للمشاركة فيها بحثا عن الشهرة و المال من دون النظر لعواقب تلك التجربة.

مكاشفة

وإذا كان «التلفزيون» قد اهتم برصد الكثير من التناقضات الاجتماعية وحكي عن المسكوت عنه في المشاعر والقيم بلغة سينمائية راقية لا تخلو من صدمات، فإن الأفلام الأخرى «تحت السماوات و الأرض» للمخرج روي عريضة، و«نحن من هناك» لوسام طانيوس واللذان عرضا ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، قد تلامست موضوعاتها مع الواقع بشكل مباشر تحديدا مشاعر الغربة والاغتراب سواء داخل الوطن أو هناك من خلال الذين قرروا الرحيل عن مشاكله وإن لم يملوا الحنين إليه.

الأول «تحت السماوات و الأرض» يحكي عن غواص لم يعد قادرا علي التوائم مع ما يموج علي سطح الأرض من إشكاليات باتت طارده ومن ثم لجأ للبحر يعيد من خلاله اكتشاف ذاته و هويته و ليس فقط يستعيد شغفه بالحياة، فيما «نحن من هناك» يرصد ماهيه الوطن في عيون من رحلوا عنه قهرا أو اختيارا وكيف فشلت شوارع المهجر في تلوين أيامهم فبقيت الذاكرة حاضرة تحكي عن أوطان طارده و أرواح لازالت متعلقة وذاكرة تأبى أن تنسى.

تحت السماوات و الأرض
تحت السماوات والأرض

اكتشاف العالم المحيط بكل ما فيه يمكن تلمسه أيضا من خلال الفيلم التونسي القصير «نور» للمخرجة ريم نخلي، والذي شارك في مسابقة أفلام الغد (للأفلام القصيرة و الوثائقية)، الفيلم والذي تدور أحداثه في 15 دقيقه بمثابة إطلالة على تونس وسكانها من خلال وجه نظر بطلته المراهقة التي تصطحب شقيقها آدم في رحله عبر المدينة لملاقاة والدهما الذي لم يلتقياه منذ زمن، في إشارة لكيف يرى الجيل الجديد الحياة و البشر و كيف يتعامل مع المشاعر الإنسانية وما طرأ علي كل ذلك من تغييرات بحاجة حتما لإعادة النظر في الكثير من الأمور.

أفلام عميقة

المغرب هي الأخري نجح صناعها في هزيمة الجائحة و التواجد ضمن فعاليات مهرجان القاهرة بفيلمين هما «خريف التفاح» للمخرج محمد مفتكر و «ميلوديا المورفين 2020» للمخرج هشام أمل وقد عرضا ضمن مسابقة آفاق السينما العربية وكلاهما تعاملا مع فكرة الذاكرة و حضورها سواء برغبة البعض في إسقاطها عمدا نظرا لما تحمله من إرث لا سبيل للمضي قدما إلا بالخلاص منه كما في «خريف التفاح» حيث ثلاثة أجيال تتصارع الجد والأب والحفيد، أو في استعادة أجزاء منها كما في «ميلودي المورفين 2020»، في محاولة لاستعادة الذات التائة.

ما يعيب هذه الأفلام هو إغراق صناعها في الرمزية، فبينما ظلت الأسئلة معلقة في «خريف التفاح» تكشف كيف لعب الماضي دورا في صياغة قسوة الحاضر و ماديته والتي ربما لا تترك فرصه للمستقبل للخلاص من كل هذا الإرث اللعين أو «التفاحة اللعنة» الرابط بين الجميع في الفيلم و منذ بداية الخلق، فإن بطل فيلم «ميلودي المورفين 2020» قرر أن يستعيد ذاكرته رغم كل ما فيها من مرارة لم يفلح في تجاوزها وإن ساعدته الآلام أحيانا في الانتصار على الواقع، و في النهاية بقيت هذه الأعمال غير قادرة على توصيل مضمونها بسلاسة، أو حتى عبر لغة سينمائية لا تصيب الجمهور بالملل ومن ثم يفقد المضمون جدواه.

فيما جاء الفيلم السعودي «حد الطار » للمخرج عبد العزيز الشلاحي مفاجأة للجمهور نظرا لرسالة الفيلم والتي تؤكد على ضرورة البحث عن صيغة للتوائم بين الماضي والحاضر في ظل ما تشهده المملكة الآن من تغيرات.

فلسطين عروس عروبتنا

إذا كانت الجائحة قد غيبت هذه الدورة مشاركات من الجزائر و سوريا و الإمارات والسودان في الدورة السابقة، فإن بغداد والتي غابت أيضا سينمائيا عن المهرجان إلا أنها أطلت علينا هذه الدورة من خلال اسم الفيلم البرازيلي «اسمي بغداد » والذي يرصد قصة مراهقة تدعو بغداد ولا توجد أي إشارة بالفيلم لكونها من أصول عربية، فقط تدور الأحداث حول مرحلة التحول من الطفولة إلى الشباب فهل هو إسقاط تعمده مخرج الفيلم البرازيلي كارو ألفيس دي سوزا عن البلد التي تحاول استعادة ذاتها و الخروج من مرحلة لأخرى؟

أما عروس هذه الدورة و أبرز المشاركات العربية فكانت من خلال الفيلم الفلسطيني  «غزة مونامور» كتابة و إخراج عرب وطرزان ناصر، وهو إنتاج مشترك بين فلسطين، فرنسا، ألمانيا، والبرتغال وقطر، والفيلم يشارك ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، كما أنه الممثل الرسمي لفلسطين في مسابقة الأوسكار لأحسن فيلم غير ناطق بالإنجليزية، كما سبق له المشاركة في عدد كبير من المهرجانات مثل فينسيا و تورنتو وفاز بجائزة اتحاد دعم السينما الآسيوية (نيتباك) ، كما فاز بطله سليم ضو بجائزة أحسن ممثل من مهرجان أنطاليا.

والفيلم ينتصر في مجمله للحياة رغم كل ما فيها من مآسي ومشاكل وأزمات بشكل عام يضاف لها ما يعيشه بلد مثل غزة حيث الحصار و التخريب والدمار والاحتلال سواء من سلطة خارجية وأخرى متشددة في الداخل، إلا أن الحب ظل حاضرا بل و ينتصر في النهاية .

الفيلم والذي تعمد كسر الصورة النمطية عن الأفلام الفلسطينية لم يخلو من انتقادات غير مباشرة لسلطة حماس، فبينما نرى اللافتات الحماسية والشعارات الرنانة علي الحوائط و تهليل الأنصار في احتفالات قوات حماس بصاروخ معلق على ونش نرى في مشهد آخر الجنود يعدون الطعام  وهم يشاهدون فيلما حربيا علي شاشة التلفزيون، و في آخر محاولات مسئولي حماس بيع تمثال أثري لمتحف دولي عقب ضبطه لدى بطل الفيلم الذي كان قد اكتشفه صدفة.

الفيلم يشير أيضا لافتقاد الأجيال الجديدة الرغبة في العيش بهذا الوطن المحاصر و كيف يسعون للفكاك منه بكل الطرق، واتهامهم للأجيال التي سبقتهم فيما وصلوا له ، ورغم ذلك انتصر الفيلم كما أشرنا لقيمة الحب و الشغف بالحياة بعدما نجح الصياد العجوز في الإقتران بحبيبته سهام الأرملة التي تعيش رفقة ابنتها المطلقة رغم كل الصعوبات و المشاكل التي عاني منها ولازال.

«غزه مونامور» لا ينتصر فقط للحب و الحياة ولكنه ينتصر أيضا للسينما الجميلة التي يهتم صناعها برسم الشخصيات بدقة، والأحداث بحرفية وبصورة تجعلنا نعيش مع شخوص الفيلم وكأنهم أمام أعيننا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock