فن

الجانب السلبي من السينما الأمريكية: التعذيب النفسي والبدني أغلب مصنوعات هوليوود!

قبل عمليات الذبح والإحراق الشنيعة التي ترتكبها داعش بحق خصومها الفكريين، ثم تذيع مشاهدها الدموية على الخلق بعد ذلك، بتصوير احترافي مدهش، يقول المتخصصون إنه قد يعود إلى الطريقة البلجيكية؛ كانت السينما الأمريكية تعرض أفلامها البشعة المنوعة، المنتمية إلى الرعب والجريمة والأكشن والسيكودراما والخيال العلمي، وبتكاليف مالية مهولة وتقنيات حديثة تماما كتقنية التكنو سينما “السينما المعتمدة على التكنولوجيا في تنفيذ الخدع والمؤثرات البصرية كالاعتماد على برامج الكمبيوتر وأبرزها الكمبيوتر جرافيك”.. وهي الأفلام التي تربح الملايين بل المليارات، بمعنى أن الجماهير تقبل عليها إقبالا عظيما لافتا، في جميع أنحاء العالم، كما أن بعضها يحوز جوائز قيمة من المهرجانات السينمائية العالمية، ويعد علامة فارقة في نطاقه الفني باعتراف النقاد والمتخصصين!

الحفاوة بالسينما المخيفة القاتلة

تبدأ الحفاوة من الكتاب الذين يتعاملون مع السينما باستمرار؛ فكاتبين معتبرين كستيفن كنج وكليف باركر، تنتمي كتابتهما إلى أدب الرعب كما يتم تصنيفها على الدوام، لا يتحولان عن مسارهما البتة (هما حران طبعا، غير أن تعاملهما الدائم مع السينما كان يجب أن يملي عليهما نوعية أخرى من الكتابة، نوعية ألطف وأكثر عمقا، بدلا من الإرهاق النفسي والإنهاك البدني اللذين يسببانهما لملايين المشاهدين بطول العالم وعرضه بمدى تجلياتهما).. لا تنتهي هذه الحفاوة القديمة في الحقيقة بالمشاهدين أنفسهم، وبالمناسبة قد يُفسَّر إعجابهم الشديد بمشاهد الخوف والقتل بتعويضات نفسية تجري بداخلهم في أثناء المشاهدة، إلا أن المسألة قد تكون أشد تعقيدا بكثير ويلزمها دراسات نفسية واجتماعية مستفيضة، لكنها، أي الحفاوة المقصودة، تمر بالمنتجين أولا، ويفكرون فيها بعقلية ربحية صرفة طبعا، ويتحمسون لها لأنها مثيرة ومشوقة وجذابة واستقطابية، ثم تكون حفاوة الأطقم الفنية المنفذة، من مخرجين ومساعدين وفنانين وفنيين؛ لأنهم يحصلون من خلالها على أجور عالية، ويضمنون قاعدة كبرى للمشاهدة، كما

يسلُّون أوقاتهم بلا ريب بالعيش في أجواء يجلِّلها الإبهار الشامل الذي تعززه وفرة الإمكانيات واحترافية المنفذين..

سلسلة أفلام “Saw” كمثال واضح على انتشار الدراما القاسية

قد لا يكون في العالم أحد فاته جزء، أو أكثر، من الأجزاء السبعة لهذا الفيلم الوحشي المقزز.. الجميع شاهدوه مرات ومرات، في السينمات أو التلفزيونات مع إعاداته المتكررة، الفيلم تم إنتاجه في عام 2014 واستمرت أجزاؤه إلى عام 2010، وفي الطريق الآن فكرة لإنتاج جزء جديد منه بعنوان “Jigsaw”، هكذا إحياء لماضيه بهذا الجزء الثامن المُنْتَوَى.

يعتبر الفيلم، بجميع أجزائه، ضمن السلاسل غير النمطية لأفلام الرعب؛ أي ليس رعبا تقليديا يعتمد على الأساطير والأشباح وما شابه، لكنه رجل طبيعي جرحه العالم بقوة، وهو يمارس انتقاما بشريا ضد نماذج مخطئة يختارها بعناية، لا سيما النماذج الشرهة الجشعة، وليس شرطا عنده أن تتصل بقصته الشخصية اتصالا مباشرا، يقوم بوضعها في تجارب عسيرة مميتة، ويترك مصائرها لما يمكن أن تفعله لنفسها، إنقاذا أو إهلاكا؛ وبهذا فإنه لا يفنيها بيديه، لو كان مصيرها هو الهلاك، لكنه يفنيها بطريقتها العقلية البائسة في محاولات العثور على الخلاص!

السلسلة تضمنت تعذيبا نفسيا وبدنيا لا مثيل له، بواسطة جملة طويلة من الألاعيب الفتاكة العجيبة التي تجعل ضحاياها أنفسهم كالألاعيب في يد اللاعب السادي الخفي الحاذق، والملاحظ أنه باختفاء الرجل تدريجيا، في الأجزاء المتقدمة من الفيلم في إثر مرضه وموته، ظلت هذه الألاعيب المذهلة المقبضة تعمل كأن صاحبها المهووس بالإذلال والإهانة والسخرية ما يزال على قيد الحياة!

https://www.youtube.com/watch?v=qPToF2zAmbw

شِقُّ الحداثة الشرير

للحداثة، كما هو معلوم، شقان، أحدهما سلبي، والحداثة التي تستخدمها هوليوود في صناعة تلك الأفلام تعتمد بالكلية على هذا الشق: كيفية جعل التكنولوجيا التي باستطاعتها إسعاد البشرية والعالم، بإيجابياتها الكثيرة، كائنا مفترسا ضاريا يأكل البشرية والعالم أو عملاقا رهيبا يضعهما تحت قدميه، ولا يبالي..

تعرف هوليوود الكيفية، وتنجح في تحقيق ما تريده بشكل سرمدي، من خلال مصنوعات أغلبها مخيب للآمال بالرغم من جودة الصنع، كالدمية البريئة الرائعة التي يحبذها الأطفال، لكن هوليوود تقدمها وفي عينيها حقد في يدها سكين، تفعل ذلك وما هو أشد فحشا، ولا تحسب حسابا سوى للكسب والانتشار وحصد النجومية الفائقة. قد تبرر الشر، في السياق الدرامي، وقد لا تبرره، وقد تردعه وقد لا تردعه، وقد تجعل النهايات لصالحه وقد تجعلها لصالح نخبة الطيبين الأخيار، إلا أنها تتقن صناعة ما تقدمه لأذواق المتلقين، على تعددها، ولا تتردد ولا تندم!

السبيل إلى عودة الأفلام الرومانسية

الأفلام المناقضة لتلك الموجات كثيرة، لا ننسى من بينها النوع الكوميدي المسبب للبهجة والإحساس بالمرح، لكن تبقى الأفلام الرومانسية أهمها على الإطلاق؛ فالرومانسية تعني، ضمن ما تعنيه، غلبة العاطفة والإعلاء من شأن الخيال الحالم.. وعلى الرغم من حفاوة الجماهير الغفيرة، في أرجاء الدنيا كلها، بالنوعية الفظيعة من الأفلام المظلمة المرصودة هنا والتي تثير الغثيان، وهي الحفاوة التي مررت بها آنفا منبها لكونها تحتاج إلى تأمُّلٍ بنظرٍ ثاقب، إلا أن كثيرين بين هؤلاء يتعطشون تعطشا عظيما إلى عودة الموجة الرومانسية التي تحيي آمالهم في عالم أكثر نعومة ورقة وأقل عنفا وغلظة.. ولا يزالون يتذكرون الأفلام الرومانسية العبقرية التي أيقظت مشاعر حبهم وأشعلت حنينهم إلى لقاءات الأحضان الدافئة والقبلات الحميمة، ولو كان فراقٌ لا بد منه في نهاياتها؛ فاستقباله يكون بالمشاعر الشجية النبيلة وحدها، لا القلقة المتوجسة هولا وبلاء، وإن ما لدينا ولدى البلدان هو أطنان من تلك الأفلام المحببة المحفوظة، غير أن الجميع في حاجة ماسة إلى الجديد المؤثر.

خاتمة ضرورية

لا ينفي اختلافي مع تلك النوعية من الأفلام كوني أرحب بوجودها في نهاية الأمر، بنسبة ضئيلة للأمانة، بل أمتدح الجيد منها بمعايير الصناعة السينمائية لا المعايير القيمية الأخرى التي مكانها ليس قاعات العرض بالتأكيد، حريصا على بقائي موضوعيا مهما يكن الاختلاف، ولو كانت الرأسمالية سببا كبيرا من أسباب ذيوع تلك الأفلام المؤسفة المؤلمة، وهي سبب كبير بدون أدنى شك، فإنني أدعو الساسة الطموحين وحيتان الاقتصاد إلى التفكير الصادق فيما قد يسببه الإمعان في التوجه الرأسمالي من اضطراب للنفوس وخراب للعمران، ولو أنه أفلح في مثل ذلك (لا قدر الله) لما بقي للرأسمالية التي يتغنى بها هؤلاء في المجالات الإصلاحية فائدة، بل لصارت وبالا على السنين، وتعيَّن على الناس محوها فورا، واستبدال أخرى بها تكون أجدى للحياة الواقعية وأدنى ضررا.

أخيرا، على الموهوبين الكبار من أهل الصناعة السينمائية، وأخص المثقفين الإنسانيين، أن يواجهوا، بقوة منطقهم، فُشُوَّ التُّجار التافهين وغير الواعين في الصناعة المميزة، وأن يجدُّوا في تثقيف العالم سينمائيا، كاشفين الفساد والعوار ومبينين أسبابهما وسبل مقاومتهما، كأفراد باذخي الخبرات وموجودين  في قلب الحكاية لا خارجها، وأن يضغطوا، ما أمكنهم الضغط، باتجاه السينما التي تطور المجتمعات وتنعش القلوب وتثري العقول وتسعد الأرواح، منتصرين لأمان الإنسانية ورفعتها، وحريصين على إزاحة القبح بالجمال الذي لا خلاف عليه، هكذا بعيدا عن السينما الأخرى التي كالإرهاب والتطرف أو أشد خطرا..

عبد الرحيم طايع

شاعر وكاتب مصري
Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker