«عزيزي القارىء اسمح لي أن أقدم نفسي .. أنا أعوذ بالله من كلمة أنا .. اسمي حنظلة .. اسم أبي مش ضروري .. أمي اسمها نكبة .. نمرة رجلي ما بعرف لأني دائمًا حافي .. ولدت في 5 حزيران 67 .. جنسيتي .. أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش لبناني، مش مصري، مش حدا .. باختصار معيش هوية ولا ناوي أتجنس .. محسوبك إنسان عربي وبس .. التقيت صدفة بالرسام ناجي كاره شغله لأنه مش عارف يرسم .. وشرح لي السبب … عرفتوا عن نفسي وأني عربي واعي .. بعرف كل اللغات وبحكي بكل اللهجات معاشر كل الناس .. قلتله إني مستعد أرسم عنه الكاريكاتير كل يوم وفهمته إني ما بخاف من غير الله وإللي بدو يزعل يروح يبلط البحر» .. مقطع من تقديم فنان الكاريكاتيرالفلسطيني ناجي العلي لشخصية «حنظلة» يوم مولدها بصحيفة السياسة الكويتية بخمسة يونيو عام 1967.
الباحث الفلسطيني خالد محمد أحمد الفقيه في دراسته المعنونة «التنمية السياسية المترتبة على حركة الوعي في كاريكاتير الفنان ناجي العلي» .. يواصل طرحه لقضية طبيعة الدور الذي لعبته رسوم فنان الكاريكاتير ناجي العلي في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية والإصرار على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في كامل أراضيه.
مهام حنظلة
«حنظلة» .. اسم مشتق من نبات الحنظل وهو نبات شديد المرارة ينبت بأرض فلسطين محاط بالأشواك، اطلق ناجي العلي على مولوده الجديد لقب «حنظلة» ليعبر من خلاله عن مدى مرارة الواقع الذي يعاني منه أبناء الشعب الفلسطيني سواء كانوا مرابطين داخل الأرض المحتلة بفلسطين أو هائمين على وجوههم حول العالم يحملون لقب «لاجئين».
ولد حنظلة من رحم هزيمة عام 1967 وهو ابن العشر سنوات وظل حتى أخر رسوم ناجي العلي قبل استشهاده بلندن عام 1987 بالعاشرة وهو ذات العمر الذي خرج فيه ناجي العلي من قريته شجرة الخليل بأرض فلسطين عام 1948 فالزمن لم يؤثر على حنظلة كونه بات رمزا للقضية الفلسطينية التي لن تموت ولن تشيخ، فكيف يشيخ رمزها أو يموت؟!
نبتت شخصية «حنظلة» بأكثر لحظات العرب انكسارا، جاء «حنظلة» ليقوم بدور مؤذن العرب أن هموا للدفاع عن أراضيكم، لم يكن الظهور الأول لحنظلة مديرا ظهره للناس ولا عاقدا ليديه خلف ظهره كما عهدناه، ولكن مرارة الواقع العربي وتأخر الشعوب العربية عن تلبية النداء وسعي الرئيس المصري الراحل أنور السادات عقب انتصارات أكتوبر 1973 نحو عقد تسوية مع العدو الصهيوني هو ما دفعه لإدارة ظهره للعرب وعقد يديه خلف ظهره منتظرا لما هو آت.
استعرض الباحث خالد الفقيه في دراسته طبيعة المهام التي قامت بها شخصية حنظلة برسوم ناجي العلي مشيرا إلى أن حنظلة قام بدور المدافع عن القضية الفلسطينية، ولأن ناجي العلي كان يتسم بوجود رؤية استشرافية لديه فأنه توقع حدوث الانتفاضة الفلسطينية قبل اندلاعها فأدار وجه حنظلة وفك عقد يديه ليشارك أطفال فلسطين بثورة حجارتهم ضد العدو الصهيوني وضد العالم الذي تغافل عن قضيتهم، حتى قبل أن تندلع الانتفاضة الأولى التي جرت أحداثها في ديسمبر 1987، وكان ناجي العلي قد استُشهد قبل اندلاعها بشهور قليلة.
لم يكتفي حنظلة بالدفاع عن القضية الفلسطينية بل كان إضافة لذلك مدافعا عن الحريات بالعالم العربي فقد دخل مع المعتقلين العرب زنازينهم كي يشد من أزرهم، انتقد سياسات الاغتيال التي مارستها بعض الأنظمة العربية بحق معارضيها رافضا للتصفية الجسدية التي ذهب ناجي العلي ذاته ضحية لها.
استطاع ناجي العلي رغم الغياب أن يغرس بنفوس الشعوب العربية حب شخصية حنظلة كرمز للنضال الفلسطيني، أذكر أنه في المرة الأولى التي زورت فيها مدينة بيروت لم أحرص على إقتناء شيء كتذكار سوى عدد من الدلايات الفضية على شكل حنظلة وعدد من المنسوجات الفلسطينية.
لفت خالد الفقيه النظر إلى دراسة الكاتبين عبده الأسدي وخلود تدمري التي حملت عنوان «ناجي العلي .. دراسة في إبداع ناجي العلي» والتي قاما فيها بتحليل عدد من رسوم ناجي العلي تم نشرها بجريدة السفير والقبس خلال الفترة من عام 1983 حتى عام 1987 ومن ثم توصلا إلى أن حضور شخصية حنظلة قد جاء على ثلاثة أشكال إما شاهدا ومراقبا للأحداث بنسبة 45% أو مشاركا فيها بنسبة 30% أو مُعرضًا عما يدور رافضًا للمشاركة بنسبة 25%.
فن الكاريكاتير كأداة للوعي
استلهم إبداع ناجي العلي من الإرث الثقافي والاجتماعي والتاريخي العربي الكثير من المواقف وكان للفلكلور الشعبي الفلسطيني من قصص وحكايات وأمثال شعبية حضورا قويا بالعديد من لوحاته وللمرأة مكانة بارزا في إبداعاته حيث كانت شخصية فاطمة اللاجئة الفلسطينية المثابرة الداعمة للمقاومة الرافضة للتنازل عن حق العودة خير تعبير عن مدى تقديره لدور المرأة في النضال شأنها في ذلك شأن الرجل.
حضرت المرأة بكاريكاتير ناجي العلي بعدة مجالات منها ما هو اجتماعي وما هو ثقافي وما هو سياسي ولم تكن المرأة لديه هى المرأة الفلسطينية وفقط بل كان هناك حضورا للمرأة العراقية البائسة وكل امرأة عربية فقيرة تدافع عن كرامتها.
المرأة لدى ناجي العلي هي تجسيد للديمقراطية المسلوبة ببلدان العالم العربي وهي مخيم عين الحلوة للاجئين بلبنان وهى المقاتلة الشهيدة وهى المرأة المقهورة في بلاد النفط، المرأة لديه هى مصر التي رفضت كامب دايفيد وبيروت التي عانت من الاحتلال الإسرائيلي والطفلة سندريلا التي رفعت شعار «لا صلح لا مفاوضات لا اعتراف».
تبنى ناجي العلي قضية اللاجئين وحق العودة كأحد الأركان الرئيسية بالقضية الفلسطينية ومن ثم نال المخيم الفلسطيني موقع الصدارة بالعديد من رسومه، فأبطال رسومه وشخوصه الرئيسية لاجئون فلسطينيون لا مأوى لهم سوى مخيمات الشتات، كما وظف ناجي العلي في تحريضه للمقاومة العديد من الرموز الدينية وكان على رأسها شخصية السيد «المسيح» المقاوم.
آمن ناجي العلي طوال حياته بأن مهمة تحرير فلسطين لا تقع على عاتق الفلسطينين وحدهم وبأن المعركة مع العدو الصهيوني إنما هى معركة كل عربي من الخليج إلى المحيط، ومن ثم هاجم كل من حاول فصل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي مؤمنا بالقومية العربية ومصير كافة الشعوب العربية لذا لم يترك أي من القادة العرب دون أن يتوجه له بالنقد اللاذع وهو ما جلب له الكثير من العداوات وكانت القيادة الفلسطينية ممثلة في شخص ياسر عرفات على رأس هؤلاء القادة العرب الذين نالهم هذا النقد اللاذع.
اقترب ناجي العلي من قضايا الفساد داخل منظمة التحرير الفلسطينية وفي أروقة العديد من النظم العربية، كما اتهم جامعة الدول العربية بالعجز والتقصير كونها رهينة قرارات الأنظمة العربية الرسمية التي اعترفت بالعدو الصهيوني تحت شعار الأرض مقابل السلام.
كانت الصحف التي تصدر داخل فلسطين تتلقف ما يصلها من إبداعات ناجي العلي فتعيد نشره على صفحاتها ومنها صحيفة«الميثاق المقدسية» .. راهن ناجي العلي على صمود أهل فلسطين بالأرض المحتلة وجسد برسومه خوف الصهاينة منهم كما جسد استهداف إسرائيل للمقدسات بأرض فلسطين بوصفها جريمة تشارك فيها الصهاينة مع الأمريكان، واقترب في رسوماته من أوجاع الأسرى والمعتقليين الفلسطينيين بسجون الاحتلال.
لفتت إبدعات ناجي العلي الانتباه إلى ما يدور من مؤامرات وتصفيات سياسية واجتماعية ومن ثم أوصى عبر لوحاته بضرورة مقاطعة ومحاربة رموز التسوية السياسية ودعا للتصدي للمطبعين ونادى بالثورة على هذا الواقع العربي المتخلف المأزوم رافضا أن يكون هناك أي علاقة تجمع بين المثقف والسياسي فالجمع بينهما من وجهة نظره محرما بشكل تام.
عمد إبداع ناجي العلي للتاثير في الجماهير العربية ورفع وعيهم بالقضية الفلسطينية ومجمل القضايا السياسية التي كانت مطروحة عبر رسومه التي اتسمت بالعفوية لدرجة مكنته من تحويل فن الكاريكاتير من فن للنخبة والمثقفين إلى فن للعامة.
رفض ناجي العلي رفضا باتا التطبيع الفلسطيني مع الإسرائيليين خشية أن يكون ذلك مدخلا لتطبيع العرب بالكامل مع العدو الصهيوني .. ماذا كان سيفعل ناجي العلي إن كان مازال على قيد الحياة اليوم وهو يشهد الاحتفاء الكبير للإمارات والمغرب بتطبيعهم مع العدو الصهيوني؟!
عاش ناجي العلي يبشر بالثورة ذلك أنه كان يؤمن بأن تحرير فلسطين يربتط ارتباطا وثيقا بتحرير إرادة كافة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وأن حق العودة لأهل فلسطين إلى أراضيهم حق لا يجوز لأحد أن يتنازل عنه .. استشهد ناجي العلي على يد الموساد الإسرائيلي وبقيت رسومه شاهده على العصر خالدة بضمير الشعوب العربية المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية وحق العودة للاجئي فلسطين.