رؤى

إرث نتنياهو.. انقسام في واشنطن وتحالف مع يمينها المتطرف

عرض وترجمة: أحمد بركات
قبل أيام، تشكلت حكومة إسرائيلية جديدة لا يرأسها بنيامين نتنياهو لأول مرة منذ 12 عاما. سيتولى نافتالي بينيت، الذي لا يختلف عن نتنياهو أيديولوجيا بأي شكل من الأشكال، رئاسة هذه الحكومة؛ ومن ثم، فإنه ليس متوقعا أن يحدث ذلك أي تغيير في السياسات الإسرائيلية.

فبينما تحولت إسرائيل بقوة إلى اليمين القومي تحت قيادة نتنياهو، كان هذا التحول في السياسات الإسرائيلية يسير على قدم وساق حتى قبل أن يتولى نتنياهو سدة الحكم الإسرائيلي. ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن السياسات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية وغزة، وتجاه الفلسطينيين بوجه عام سواء داخل أو خارج الحدود الإسرائيلية المعترف بها دوليا.

كانت العلامة البارزة لحكم نتنياهو هي مقاربته للسياسات الخارجية. فمن إتفاقات ابراهام، التي طبعت العلاقات الإسرائيلية مع العديد من البلدان العربية، إلى إيران، إلى حالة الاستقطاب في العلاقات الإسرائيلية بالولايات المتحدة، وضع نتنياهو فعليا بصمته الخاصة والغائرة على السياسة الخارجية الإسرائيلية، والتي تركت تداعيات عميقة على دول أخرى.

اتفاقات ابراهام التطبيع
اتفاقات ابراهام

رئيس الوزراء الجمهوري

تلقى نتنياهو تعليمه بدرجة كبيرة في الولايات المتحدة، في ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأ إقامة علاقات وثيقة مع القادة الجمهوريين المعاصرين والمستقبليين. وساعدته لغته الإنجليزية المتقنة، إلى جانب فهمه العميق لطبيعة الولايات المتحدة، على صعود نجمه بقوة في سماء كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وبعد انتخابه أول مرة رئيسا للوزراء في عام 1996، كان نتنياهو مقربا على وجه التحديد من المحافظين الجدد الصاعدين، الذين قادوا السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش. واحتفظ نتنياهو بعلاقته السيئة بالرئيس الديمقراطي بيل كلينتون الذي كان يحتفظ، في المقابل بعلاقة جيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق على نتنياهو، إسحاق رابين، والذي ألقى كثيرون بلائمة اغتياله على عمليات التحريض التي أججها نتنياهو.

لم يكن هذا سوى مقدمة لولاية نتنياهو الثانية الأطول عمرا. فعندما خسر نتنياهو انتخابات عام 1999 أمام منافسه إيهود باراك، اعتقد كثيرون أن كراهية كلينتون للزعيم الليكودي كانت سببا أساسيا في هزيمته. لكن، بحلول عام 2009، مع بدء الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما، الذي ارتآه كثير من الإسرائليين أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين من أي رئيس أميركي آخر، كان الصدام مع واشنطن أكثر شعبية في إسرائيل.

أوباما ونتنياهو
أوباما ونتنياهو

يعود هذا بالأساس إلى القوة المتزايدة للمعارضين الإسرائيليين لاتفاق أوسلو للسلام، الذين أصيبوا بخيبة أمل جراء إذعان نتنياهو لكلينتون في ولايته الأولى.

وازدادت علاقة نتنياهو، المتوترة بالأساس، بالرئيس أوباما سوءا على مدى سنوات أوباما الثمانية في البيت الأبيض (2008 ـ 2016)، ووصلت إلى الحضيض عندما تآمرنتنياهو مع رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر، الذي رتب للقائد الإسرائيلي إلقاء كلمة في الجلسة المشتركة في الكونغرس في محاولة لتقويض إنجاز أوباما الأبرز على صعيد السياسة الخارجية، والمتمثل في الاتفاق النووي مع إيران.

ولكن، مع دونالد ترمب، وجد نتنياهو ضالته التي طالما حلم بها. فهنالك اليوم رئيس أميركي سيمنح إسرائيل كل ما تريده دونما خجل، وبلا مقابل. وانتهز التقدميون الديمقراطيون الفرصة ليحاولوا أخيرا فتح نقاش جاد حول فعالية وأخلاقية الدعم الأميركي للسياسات الإسرائيلية، لكن الوسطيون قاوموا هذا التوجه، ما أحدث إنقساما حول إسرائيل في الحزب، فيما احتضنت القيادات الإسرائيلية الجمهوريين بمهارة فائقة.

ومع رحيل نتنياهو عن السلطة، من المؤكد أن وزير الخارجية ورئيس الوزراء المنتظر يائير لابيد، والذي يحتفظ بصلات وثيقة بسياسات الديمقراطيين، سيحاول إعادة تأسيس إجماع الحزبين الذي حال، على مدى عقود، دون تقييم السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وفلسطين.

وعلى مدى فترة حكمه، أتقن نتنياهو ببراعة فائقة فن ’الضم الهادئ‘ للأراضي الفلسطينية. وبينما تبنى علنا خطة إدارة ترمب لضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية، فقد روج لذلك بجهد رمزي فحسب، برغم تعرضه لضغوط من قبل قواعده الانتخابية اليمينية المتشددة.

كان نتنياهو يعي تماما أن التوسع الاستيطاني سيتقدم بلا هوادة، وأن الوتيرة البطيئة ستشتت الانتباه الدولي، وأن الفلسطينيين لا يملكون عمل شيء حيال ذلك. ومن ثم، بقي المستوطنون والأحزاب الدينية المتطرفة على ولائهم وإخلاصهم له، برغم انتقاده بين الحين والآخر، حتى تجرع النهاية المريرة.

لكن بطرق عديدة، تبنى نتنياهو تماما أجندة ترمب، وحصد مقابل ذلك العديد من المكافآت، على رأسها خطوة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالأخيرة عاصمة لإسرائيل، وإبرام اتفاقات أبراهام مع عدد من القادة العرب، وبطبيعة الحال، إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من جانب واحد.

صفقات التطبيع الإسرائيلية

يمكن أن تجزم بأنه لم يكن هناك أي رئيس، من كلا الحزبين، بخلاف ترمب يستطيع أن يتوسط من أجل إتمام اتفاقات أبراهام، التي حصلت من خلالها العديد من الدول العربية على صفقات أسلحة وخدمات سياسية في مقابل التطبيع مع إسرائيل. لكن نتنياهو كان يعمل على مدى سنوات عديدة لإقامة علاقات طبيعية مع دول شرق أوسطية وغيرها من دون أن يضطر إلى التسوية مع الفلسطينيين. وبرغم أنه أحرز بعض التقدم على هذا الصعيد، إلا أنه لم يكن ليحقق ما حققه دون مساعدة ترمب.

لم تكن هذه انتصارات عابرة. فالهجمات الأخيرة على غزة قوبلت بالصمت إلى حد كبير من جانب دول الخليج، وأوضحت إدارة بايدن أنها تميل إلى دعم الاتفاقيات التي ساعد ترمب في إبرامها. وعلى المستوى السياسي، سيكون من الصعب معارضة دول تصنع سلاما مع إسرائيل، لكن الاتفاقات أضعفت الموقف الفلسطيني الذي كان ضعيفا بالفعل في تعاملاته مع الدولة العبرية.

ولا يزال السؤال مطروحا بشأن ما إذا سيكون هناك، في نهاية المطاف، رد فعل عنيف ضد قادة الإمارات والبحرين والسودان والمغرب بسبب هذه الاتفاقات، لكن حقيقة أنهم جميعا لم يواجهوا أي ضغوط لتغيير مواقفهم بشأن إسرائيل في ذروة القتال الأخير في غزة تكشف حتما عن شيء ما. رغم ذلك، في حال زاد التدقيق بشأن معاملة إسرائيل للفلسطينيين مرة أخرى، فستواجه هذه الاتفاقات تحديات مستقبلية جسيمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock