رؤى

الأمير الأخير؟ “القاعدة في بلاد المغرب” يشهد تراجعا مستمرا في منطقة الساحل (2 – 2)

عرض وترجمة: أحمد بركات
في ظل مركزيته التنظيمية وشخصيته الكاريزمية والشعبية التي كان يحظى بها بين الأعضاء، تمكن عبد المالك دروكدال، المعروف أيضا باسم أبو مصعب عبد الودود، الزعيم السابق لـ “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، من الربط بين الخلايا المستقلة والمختلفة والكيانات المكتفية ذاتيا التي يتألف منها التنظيم. وبعد أن غيبه الموت، يصبح من المرجح أن تنفصم عرى هذا الارتباط، وأن تنتقل هذه الجماعات إلى تنظيمات أخرى أكثر إحكاما ووجاهة. لقد استغرق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي خمسة أشهر لتعيين قائد جديد، وهو وقت كافي لإضعاف معنويات عناصره ومكوناته ودفعهم إلى التشكك فيما آل إليه التنظيم ذاته.

فشل الانتقال إلى جيل آخر

لم يتمكن “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” من نقل حلم الدولة الإسلامية إلى جيل جديد من الجزائريين، مما أدى إلى زواله في أحد موئله الجزائري في شمال أفريقيا. وبالإضافة إلى فقده قادة وعناصر محورية، لم تتمكن الجماعة من تجنيد مقاتلين جدد. ربما يرجع السبب في ذلك – من بين أشياء أخرى – إلى المستوى الأمني المرتفع في البلاد. لكن الأهم هو أن الأيديولوجيا التي يتبناها التنظيم كانت قد افتقدت جزءا كبيرا من جاذبيتها لدى الجزائريين بسبب الصدمة الجماعية التي خلفتها “العشرية السوداء”، والخطاب العام الجزائري، وإحكام الدولة قبضتها على الفضاء الديني وسياساتها تجاهه. وفي ظل عدم قدرته على تمرير حلمه في بناء خلافة جزائرية، ركز التنظيم عملياته على تونس وليبيا ودول الساحل. وحتى في منطقة الساحل، لم يعد لدى التنظيم القدرة على تجنيد عناصر جديدة وتجديد دمائه كما اعتاد أن يفعل من قبل.

وبالإضافة إلى حالة الإفلاس الأيديولوجي، أعاقت اللامركزية الشديدة التي انتهجها قادة التنظيم احتمالات انتقال مهم وفاعل بين الأجيال. ففي ظل عدم قدرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على توفير حتى الحد الأدنى من الدعم المادي للعديد من خلاياه، باتت هذه الخلايا أكثر استقلالية، ووجدت نفسها في نهاية المطاف مضطرة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتدبير نفقاتها من خلال الانخراط في أنشطة إجرامية، وهو ما خلف العديد من المسارات التي اتبعتها السلطات المحلية، مما أدى لاحقا إلى تقويض استمرارية الجماعة.

وبعيدا عن الخلايا التابعة للتنظيم، افتقد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قدرا كبيرا من الدعم الشعبي الذي كان يحظى به. ففي الجزائر، فقد التنظيم آخر معاقله في منطقة القبائل بعد أن انتهك أعضاؤه هناك حالة التسوية المؤقتة التي كانت تربطهم بالسكان المحليين بارتكاب أعمال العنف وتنفيذ العديد من عمليات الاختطاف. وفي منطقة الساحل، من المرجح أن تخسر الجماعة الدعم الشعبي أيضا وبالطريقة ذاتها، وذلك نتيجة لانتهاجها العنف ضد السكان المحليين الذين انخرطوا بإعداد كبيرة في تنظيم جماعات دفاع عن النفس لحماية أنفسهم وأسرهم من ممارسات الإرهابيين. لا شك أن استمرار المحافظة على الدعم الإيجابي الذي يقدمه السكان للتنظيم، مثل توفير ملاذات آمنة لأعضائه للاختباء بها وقت الضرورة، وجمع الأموال، وتزويده المجندين الشباب، يمثل شرطا جوهريا لاستمراره.

علاوة على ذلك، يشهد الدعم السلبي الذي يقدمه هؤلاء السكان، والذي يتمثل في رفضهم في كثير من الحالات التعاون مع قوات الأمن، تراجعا لافتا أيضا. فقد سئم السكان في منطقة الساحل عيش حياتهم اليومية بين مطرقة تهديدات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والجماعات المسلحة الأخرى وسندان تهديدات قوانين مكافحة الإرهاب وقوات الأمن المحلية والأجنبية، التي ربما تستهدف أسرهم بالاعتقال والعقوبات والمداهمات (تمثل عملية برخان التي نفذتها القوت الفرنسية نموذجا حيا لهذه التهديدات) . وفي الوقت الحالي، يخلف ضعف الدولة الساحلية في توفير الحد الأدنى من الموارد والدعم للسكان فراغا في السلطة تحاول جماعة نصرة الإسلام والمسلمين شغله على حساب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

لقد أقام تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حالة من التسوية المؤقتة مع السكان المحليين في منطقة الساحل على مدى عقد من الزمان، لكن هذه الحالة ربما بدأت طريقها صوب النهاية بسبب ما يشعر به السكان الآن من سأم ورفض لأفكار الجماعة وأهدافها، إلى جانب ما تعرضوا له من إيذاء على يد الجماعات الراديكالية بوجه عام. وكما كان الحال مع نظرائهم الجزائريين، لم يعد بريق الأيديولوجيا مغريا لهؤلاء السكان كما كان من قبل. ويبذل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي آخر ما في جعبته من جهود للمحافظة على هذه العلاقات من خلال محاولة إيجاد فرص أخرى للتجذير لنفسه في هذه المجتمعات. يتجلى ذلك في محاولاته لدعم السكان المحليين ضد مخاوفهم الراهنة، مثلما فعل بانحيازه إلى حركة مناهضة التكسير الهيدروليكي في جنوب الجزائر، وإطلاقه هجوما صاروخيا ضد مصنع غاز جزائري في مدينة خريشبة في عام 2016.

وبالنظر إلى أعداد المدنيين الذين لقوا حتفهم، يمثل الرفض المتزايد في أوساط مؤيدي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب تهديدا حقيقيا للجماعة يجب أخذه في الاعتبار. ومع تراجع الدعم المجتمعي، الذي وصل في بعض الأحيان حد الانعدام، وتراجع عمليات التجنيد، فإن الجماعة سوف تعاني من أوقات عصيبة لتأكيد وجودها في مواجهة إجراءات مكافحة الإرهاب، والتنافس الحاد مع جماعات جهادية أخرى.

ويعكس اختيار العنابي نفسه، بوصفه أحد مقاتلي تسعينيات القرن الماضي والذي تجاوز عمره الخمسين عاما، أزمة التجنيد والتجديد، كما أنه يأتي في أعقاب ضربة قاسية تلقتها قيادة التنظيم بإقصاء رمزين بارزين من أهم رموزها في مدينة جيجل الجزائرية، وهما لسلوس مدني، المعروف باسم الشيخ عاصم أبو حيان، رئيس اللجنة الشرعية بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأبو موسى الحسن، مسئول العمليات الدعائية بالتنظيم، واللذان انضما إلى الجماعة في عام 1995.

الشيخ عاصم أبو حيان
الشيخ عاصم أبو حيان

النهاية لا تلوح في الأفق

رغم ذلك، لا يعني هذا أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو على الأقل نشطاته العنيفة، سوف تنتهي ببساطة. ربما يكون العكس هو الصحيح؛ إذ أنه من المرجح أن يحاول التنظيم أن يثأر لمقتل قادته، وهو ما سيدفعه إلى تكثيف هجماته، خاصة ضد الأهداف الفرنسية، كما أن أحد إنجازات العنابي، الذي جاء خلفا لدروكدال على رأس التنظيم، هو دعوته الملحة والمثابرة منذ عام 2013 إلى شن هجمات إرهابية ضد فرنسا، مما يدل على أنه على الأرجح سيتمسك هذا المسار بعد توليه زمام القيادة. ومع ذلك، فإن موت دروكدال، بوصفه رمزا مهما ومرشدا أيديولوجيا، سوف يؤدي على الأرجح على المدى الطويل إلى إضعاف التنظيم الذي فقد فعليا تركيزه وهدفه في المنطقة. سوف يستمر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في تنفيذ هجمات محلية متفرقة وغير منتظمة، لكنها لن تكون قاتلة مثلما كانت عليه من قبل . لقد انتهى العصر الذي كان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يشن فيه هجمات محكمة التخطيط تسفر عن خسائر جماعية فادحة في منطقة الساحل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. داليا غانم – باحث مقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت
د. جليل لوناس – أستاذ الدراسات الدولية بجامعة الأخوين بالمغرب
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى
Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker