رؤى

صمود الخلافة.. تطور تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا

عرض وترجمة: أحمد بركات
بدءا من عام 2014، بايع أفراد وجماعات من الجهاديين في جميع أنحاء القارة الأفريقية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وفي نهاية ذاك العام، كان التنظيم قد أعلن قيام خمس ولايات تابعة له في أفريقيا، ثلاثة منها في ليبيا، وواحدة في الجزائر، وواحدة في شبه جزيرة سيناء في مصر. وبحلول نهاية عام 2015، أعلن إضافة ولاية أخرى في حوض بحيرة تشاد، حيث تحول التنظيم الذي كان يعرف في السابق بـ “بوكو حرام” إلى ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة (ISWAP).

وبحلول منتصف عام 2018، واظب التنظيم على وصف متشددين في الصومال بأنهم أعضاء في ولاية جديدة تابعة لتنظيم الدولة، وفي بداية 2019، أعلن قيام ولاية أخرى في أفريقيا، وهي ولاية وسط أفريقيا (ISCAP)، التي كان لها “أجنحة” في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق.

وخلال هذا الوقت، ظهرت خلايا أخرى قوية ومتعاطفة مع التنظيم –برغم أنها لم ترق إلى مستوى ’ولاية‘ – في أنحاء مختلفة من القارة، كان أهمها فرعه في “الصحراء الكبرى”، الذي بات فيما بعد جزءا من ولاية غرب أفريقيا، و”جند الخلافة” في تونس. وفي أماكن أخرى مثل المغرب وكينيا وغيرهما، مارس أفراد استلهموا من تنظيم الدولة ممارسة العنف باسمه.

ومن ثم، فقد شهد حضور تنظيم الدولة في أنحاء مختلفة من القارة الأفريقية في الفترة بين عامي 2014 و2019 توهجا لافتا. لكن، قبل نهاية هذه الفترة بدأت المواقع المركزية للتنظيم في العراق وسوريا في التدهور. ففي مارس 2019، فقد تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في الشرق الأوسط في بلدة الباغوز في سوريا. وتفاقمت ندوب التنظيم بمقتل قائده أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019 في شمال غرب سوريا على يد القوات الخاصة الأمريكية.

كان من المفترض أن تتسبب هذه الضربات المتتالية في جسد التنظيم المركزي في تراجع حماس الولايات الأفريقية لمشروع تنظيم الدولة بوجه عام، وفي وتيرة العمليات على وجه التحديد. لكن ما حدث كان عكس التوقعات. ففي نوفمبر 2019، سرعان ما بايعت الولايات والجماعات (التي لم ترق لمستوى ’ولايات‘) التابعة لتنظيم الدولة – باستثناء الجزائر – القائد الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الذي حددت الحكومة الأمريكية هويته بأنه الأمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى.

ويبين الباحثون في هذه الدراسة، التي تحمل عنوان Outlasting the Caliphate: The Evolution of the Islamic State Threat in Africa، أسباب وأوجه عدم تأثر مسار التهديدات التي تفرضها الولايات والجماعات التابعة لتظيم الدولة الإسلامية بما أصاب التنظيم المركزي في عام 2019.

بوجه عام، تمتعت الولايات الأفريقية على الدوام بدرجة كبيرة من الاستقلالية عن التنظيم المركزي، ومن ثم فقد ترك تراجعه آثارا سطحية على تغيير مساراتها. ويمكن القول إنه بعد عام 2019، ظلت ولاية غرب أفريقيا بنفس الدرجة من العنف المميت، بينما واصلت ولايات ليبيا وسيناء والصومال مساراتها التي مثلت ما يمكن وصفة بتهديدات خبيثة قبل عام 2019، رغم احتوائها بشكل عام. بينما تضاعف عنف ولاية وسط أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة وجماعة تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (ISGS) (التي ستخضع لاحقا لولاية غرب أفريقيا) بعد عام 2019. واستمرت معدلات عنف ولايات (مثل الجزائر) والجماعات التي اتسمت تاريخيا بالهدوء في أماكن أخرى على نفس معدلاتها تقريبا.

في ضوء ذلك، تستعرض هذه الدراسة التاريخ المختصر لتطور كل ولاية من الولايات الست التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا، إلى جانب أكبر جماعاته في أفريقيا الموجودة بتونس. وفي كل حالة يقَيم الباحثون تأثير (أو عدم تأثير) تدهور أوضاع التنظيم المركزي في عام 2019 على النشاط العملياتي لهذه الولايات.

الولايات الليبية

بعد أن كان نموذجا لنجاح الولايات الشرق أوسطية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية بين نهاية عام 2014 ونهاية عام 2016، بدأ وجود تنظيم الدولة في ليبيا في التراجع – برغم أنه يبدو الآن في مسار تصاعدي، ولو بدرجة طفيفة – منذ مقتل البغدادي في أكتوبر 2019.

فبعد سقوط القذافي في عام 2011، شرع آلاف الليبيين في السفر إلى سوريا للمشاركة في الثورة ضد الأسد في نهاية ذاك العام. وبدلا من الانضمام إلى جبهة النصرة، التي كانت تمثل الحضور الأولي لتنظيم القاعدة هناك، شكل القادمون من ليبيا قوتهم القتالية الخاصة، فيما عرف بكتيبة البتار. وتحالفت هذه القوة مع تنظيم الدولة، بعد انفصال جبهة النصرة عن تنظيم الدولة في أبريل 2013.

وفي النهاية، عاد كثير من هؤلاء المقاتلين الذين انحازوا إلى تنظيم الدولة إلى ليبيا. وفي درنة، اندمج عدد من المقاتلين الليبيين العائيون من سوريا في جماعة أنصار الشريعة التي كانت موجودة مسبقا، ليشكلوا جماعة جديدة، وهي مجلس شورى شباب الإسلام (MSSI).

وفي يونيو 2014، بدأ مجلس شورى شباب الإسلام في إصدار بيانات لدعم تنظيم الدولة الإسلامية، ثم بايعه في نوفمبر من ذاك العام. وفي نهاية 2014، ظهرت في ليبيا ثلاثة أقاليم تابعة لتنظيم الدولة، وهي برقة وفزان وطرابلس، واحتل جنود تنظيم الدولة الموجودون في ليبيا (معظمهم محليين، إضافة إلى عدد غير قليل من الأجانب) أجزاء كاملة من بلدات ليبية كبرى، مثل درنة (من نهاية 2014 إلى منتصف 2015)، وسيرت (من فبراير 2015 إلى ديسمبر 2016).

وفي الفترة من نهاية 2015 إلى نهاية 2016، كانت أعداد مقاتلي تنظيم الدولة في ليبيا تقدر بـ 2000 إلى 6500، وتفاوتت التقديرات بدرجة كبيرة داخل هذا النطاق. وفي إطار جهود التنظيم، اضطلع أعضاؤه بجهود حكم واسعة النطاق، وتباينت فعالية هذه الجهود، واتسم كثير منها بانتهاكات حقوقية وحشية ضد المواطنين الذين قاوموا حكمهم. رغم ذلك، خرج تنظيم الدولة من أراضيه وأقاليمه الرئيسية بعد استهدافه بهجوم مليشياوي أمريكي ليبي مشترك انتهى في ديسمبر 2016.

ومن ديسمبر 2016 إلى مقتل البغدادي في أكتوبر 2019، نشط تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا على نحو متقطع، بغض النظر عما أصابه من ضعف شديد قياسا على فترة توهجه في الفترة بين عامي 2014 و2016. وبحلول نهاية 2016، فر معظم من تبقى من عناصر تنظيم الدولة إلى الأماكن الأكثر تطرفا في البلاد، مثل صحراء فزان الجنوبية، رغم أن الجماعة شنت في بعض الأحيان هجمات واسعة النطاق في عدد من المدن الكبرى، مثل الهجوم على اللجنة الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا في طرابلس في مايو 2018، والذي أودى بحياة 12 شخصا على الأقل على يد انتحاريَين، والهجوم على المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس في سبتمبر 2018 من قبل عناصر مسلحة تابعة لتنظيم الدولة، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة 10.

ــــــــــــــــــــــــــــ

جاسون وارنر – أستاذ مساعد في قسم العلوم الاجتماعية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في “ويست بوينت”

ريان أوفاريل – باحث متخصص في القضايا الأمنية في أفريقيا والشرق الأوسط

هيني نسيبيا – باحث أول في “مشروع موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث” (ACLED)

ريان كومنجز – مدير شركة “سيجنال ريسك” الاستشارية لإدارة المخاطر السياسية والأمنية

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي وهوامش الدراسة باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock