يواجه التزام الرئيس بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA)، ردة فعل عنيفة من مجموعة صقور الحرب في الداخل والخارج. والآن، يركز معارضو العودة إلى الاتفاق انتقاداتهم ضد روبرت مالي، الذي يعد أحد أهم الخبراء الأمريكيين في الدبلوماسية وشؤون الشرق الأوسط، والذي قد يستفيد منه بايدن ليكون مبعوثه الخاص إلى إيران.
ففي 21 يناير، كتب الصحافي المحافظ إيلي ليك، مقال رأي في “بلومبرج نيوز” أكد فيه أن الرئيس بايدن لا يجب أن يعين مالي في هذا المنصب لأن مالي يتجاهل انتهاكات إيران لحقوق الإنسان والدور الذي تلعبه في دعم “الإرهاب الإقليمي”.
ويعارض مؤيدو تغيير النظام الإيرانيون، مثل مريم معمار صادقي،والصحافيون الأمريكيون المحافظون، من شاكلة جويل بولاك،و”منظمة أمريكا الصهيونية” اليمينية المتطرفة وجود مالي في هذا المنصب. كما عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن معارضته تولية مالي هذا الملف.
يمثل مالي النموذج النقيض لممثل ترمب الخاص في الشأن الإيراني، إليوت أبرامز، الذي انصب اهتمامه على ممارسة “الضغط لأقصى حد” على الاقتصاد وتأجيج الصراع على أمل تغيير نظام الملالي في طهران. على الجانب الآخر، يؤمن مالي إيمانا عميقا بالدبلوماسية، إلى حد أنه وصف سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في عهد ترمب بأنها “سلسلة من المشروعات الفاشلة” التي تحتاج إلى “تأملا ذاتيا”.
في فترات حكم كلينتون وأوباما، ساعد مالي في تنظيم قمة كامب ديفيد لعام 2000 كمساعد خاص للرئيس كلينتون، وعمل كمنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج في عهد أوباما. وكان المفاوض الرئيس في اتفاق النووي 2015 مع إيران. وعندما غادر الرئيس أوباما منصبه، صار مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية، التي تشكلت في عام 1995 لمنع الحروب.
وفي سنوات حكم ترمب، كان مالي ناقدا وناقما على سياسة ترمب تجاه إيران. ففي مقال شارك في كتابته في مجلة “أتلانتك”، انتقد مالي بشدة خطة ترمب للانسحاب، وفند الانتقادات الخاصة ببنود الانقضاء في الاتفاقية لأنها لا تمتد لسنوات أكثر. “كان الخيار الحققيقي في 2015 يكمن في إما تحقيق صفقة تقيد حجم البرنامج النووي الإيراني لسنوات عديدة وتضمن إجراء عمليات تفتيش إلى الأبد، أو عدم عقد صفقة على الإطلاق”، كما كتب مالي.
وانتقد مالي استراتيجية “الضغط لأقصى حد” التي انتهجتها إدارة ترمب مع إيران، واعتبرها “الفشل لأقصى حد”، قائلا إنه على مدى حكم ترمب “تطور برنامج إيران النووي، ولم يعد مقيدا على الإطلاق بخطة العمل الشاملة المشتركة. وباتت طهران تمتلك مزيدا من الصواريخ الباليستية الدقيقة أكثر من أي وقت مضى، وصارت الصورة الإقليمية أكثر تأججا”.
وبينما اتهمه منتقدوه بتجاهل سجل حقوق الإنسان المليء بالانتهاكات من قبل النظام الإيراني، أثبتت منظمات الأمن الوطني وحقوق الإنسان صحة موقف مالي، حيث أكدت في خطاب مشترك أنه منذ تخلي ترمب عن الاتفاق النووي، “صار المجتمع المدني الإيراني أكثر ضعفا وعزلة، مما فاقم من صعوبة مناصرة التغييرمن قبل هذا المجتمع”.
وتوافرت لدى الصقور أسباب أخرى لانتقاد مالي، تمثلت في رفضه إظهار دعم أعمى لإسرائيل. ففي عام 2001، شارك مالي في كتابة مقال في “نيويورك ريفيو”، أكد فيه أن فشل مفاوضات كامب ديفيد بين إسرائيل وفلسطين لم يكن الخطأ الوحيد للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وإنما شاركه فيه الزعيم الإسرائيلي إيهود باراك. وبالطبع لم تضيع المؤسسة الأمريكية الموالية لإسرائيل وقتا في توجيه الاتهامات إلى مالي بالانحياز ضد إسرائيل.
كما تعرض مالي لانتقادات حادة للتقائه بأعضاء الجماعة السياسية الفلسطينية “حماس”، المصنفة كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وفي رسالة إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، أوضح مالي أن هذه اللقاءات كانت جزءا من عمله عندما كان مديرا لبرنامج الشرق الأوسط في “مجموعة الأزمات الدولية”، وأن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين جميعا طالما طلبوا منه اطلاعهم على نتائج هذه الاجتماعات.
وفي ظل المعارضة الإسرائيلية لنية إدارة بايدن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، تصبح خبرات مالي عن إسرائيل ورغبته في فتح حوار مع جميع الأطراف ميزة مهمة.
يدرك مالي جيدا أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة يجب أن تتم بسرعة، وأنها – في الوقت نفسه – لن تتم بسهولة. فمن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في إيران في يونيو القادم؛ وتشير التوقعات إلى فوز أحد المرشحين المتشددين، مما سيفاقم – حال تحققه – من صعوبة التفاوض مع الولايات المتحدة.
كما يعي مالي تماما أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لن تكون كافية لتهدئة الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يدفعه إلى دعم طرح مبادرة أوربية تشجع على عقدحوارات للحد من التصعيد بين إيران ودول الخليج. وكمبعوث خاص للولايات المتحدة إلى إيران، يستطيع مالي توظيف جهود الولايات المتحدة للدفع قدما بهكذا جهود.
إن خبرات مالي ومهاراته الدبلوماسية في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط تجعله المرشح الأفضل على الإطلاق لإعادة تنشيط خطة العمل الشاملة المشتركة، والمساعدة في تهدئة التوترات الإقليمية بالمنطقة. في هذا السياق ستمثل استجابة مالي لتعالي صيحات اليمين المتطرف اختبارا لمدى ثباته في مواجهة الصقور، ورسم مسار جديد للسياسة الأمريكية في المنطقة. ومن ثم، يتعين على الأمريكيين المحبين للسلام دعم تصميم بايدن عن طريق دعم تعيين مالي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا