رؤى

المؤرخ خالد فهمي: الثورة ليست حدثًا بل حراك مستمر

بعد اندلاع ثورة يناير 2011 بشهور قليلة دعتني دكتورة هانيا شلقامي أستاذ علم الأنثربولوجيا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة للمشاركة كمتطوعة ضمن أعمال فريق التوثيق الشفاهي لأحداث الثورة الذي سعى لتأسيسه المؤرخ وأستاذ علم التاريخ بجامعة كامبردج الدكتور خالد فهمي بالتعاون مع دار الوثائق المصرية وبالفعل حظيت بشرف حضور التدريب الأولي الذي تم تنظيمه بدار الكتب المصرية وحاضر فيه كلا من دكتور خالد فهمي والدكتورة هانيا شلقامي كما شاركت في أول محاولة للتدريب العملي على جمع وتوثيق الشهادات الشفاهية الحية الذي تم عبر إطلاق دعوة على صفحات «الفيسبوك» لمن يرغب في توثيق شهادته وتم اللقاء بحديقة الطفل بحي السيدة زينب حيث حضر عدد ممن شاركوا بأحداث الثورة من مناطق جغرافية مختلفة كي يدلوا بشهاداتهم وأذكر أنني استمعت بهذا اليوم لشهادة مطولة من أحد أهالي السويس وتوالت الأحداث ومرت مسرعة ولم تكتمل التجربة لأسباب مختلفة.

‎بعد مرور عشر سنوات على الثورة ها هو المؤرخ المصري خالد فهمي يقف مجددًا ليطرح رؤيته حول الثورة خلال حوار مستفيض أجراه معه الإعلامي تامر أبو عرب ببرنامج بتوقيت مصر على قناة العربي،  في محاولة لطرح المسار التاريخي لثورة يناير 2011 وأبرز الدروس المستفادة وما إذا كانت الثورة تمثل جزءا من مستقبل مصر أم لا؟

‎من يكتب التاريخ؟

‎الدكتور خالد فهمي يري أن  المنتصر الآن هو الثورة المضادة وهى تمتلك رؤية وسردية ترددها بشكل دائم تقوم على أن ما حدث مجرد مؤامرة أن الإخوان أو من تلقوا دورات تدريبية بصربيا هم من تولوا قيادة تلك المؤامرة وأن الشعب المصري لا دخل له بما حدث والغرض كما هو واضح من تلك السردية يتمثل في نفي كونها ثورة حدثت بالفعل وأن الشعب المصري لعب فيها دورا حاسما

‎يواصل خالد فهمي عرض رؤيته بالتساؤل عما إذا كانت الثورة مجرد حدث ارتبط بلحظة بعينها أم أنها مسار بدأ قبل عام 2011 ولم ينتهي عام 2013؟.. ويجيب فهمي على تساؤله بأن إندلاع الثورة في 2011 لم يكن مصادفة حيث شهدت مصر تاريخ طويل من الاحتجاجات بدأت مع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 وتواصلت مع تظاهرات ضرب العراق في 2003 وتنامي حراك العمال الذي بدأ في عام 2004  ووصل ذروته مع أحداث المحلة في 6 إبريل عام 2008 وبالتالي فإن الثورة تعد حدثًا كبيرًا لم يبدأ في 2011 ولم ينتهي في 2013 والدليل على ذلك ما شهده العالم العربي من أحداث في العراق ولبنان والسودان خلال عام 2019 .. فالثورة حراك مستمر وليس حدث محدد يبدأ في لحظة بعينها وينتهي عند لحظة محددة.

‎إن محاولة الإلمام بما حدث وتقديم سردية واحدة موحدة في مقابل سردية الثورة المضادة لهو من الأمور الضارة فما يجب تقديمه وفقا لرؤية خالد فهمي يتمثل في محاولة تقديم رؤى متعددة وقراءات مختلفة وقد تأتي تلك القراءات والرؤى تعارض بعضها البعض في صورة عدد من السرديات غير الموحدة وغيرالمركزية بطبيعة الحال.

ثورة يناير‎أين تكمن أزمة الثورة؟

‎الثورة وفقا لخالد فهمي لم تنته بعد ولذا يصعب على مؤرخ مثله أن يدعي أنه قادر على التأريخ لها غير أن أزمة الثورة المصرية من وجهة نظره تكمن في عدم قدرة القوى السياسية المختلفة على العمل المشترك إلى جانب عدم تمكنهم من طرح بدائل وحلول حقيقية لمختلف القضايا المجتمعية وبعد مرور عشر سنوات على الثورة هناك ضرورة ملحة للعمل على طرح رؤى بديلة تتعلق بمختلف القضايا الخاصة بالتعليم والصحة والمواصلات والبيئة والبطالة .. إلخ من قضايا ومشكلات يعاني منها المجتمع المصري.

‎الثورة وفقًا لخالد فهمي لم تكن فقط لإزاحة مبارك ولم تكن فقط ضد التوريث أو تزوير انتخابات مجلس الشعب في 2010 ولكنها قامت لإزاحة منظومة الحكم في مجملها تلك المنظومة التي أصابها الفشل على كافة مستوياتها أما الدرس الذي خرج به فهمي من الثورة ومن مشاركته بتظاهرات 2011 و2012 و2013 فقد تمثل في كونه وهو المؤرخ المتخصص في تاريخ مصر قد اكتشف أنه وعلى حد قوله: «مش فاهم حاجة، لما نزلت لقيت الناس سبقاني ولقيت إني ضروري اتحلى بقدر من التواضع والإنصات لأن في حاجة بتحصل والناس عايزة تقول حاجة أنا معرفهاش».

‎سبق الشعب المثقفين والمتخصصين والسياسين في الرؤية والأفكار والحركة وبالتالي لم يكن الحل فيما سعت إليه أو دفعت إليه النخبة من التوجه لاجتماعات القاعات المغلقة بل كان الحل يكمن في الاستماع لأصوات الناس في الشوارع والميادين ولعل تلك المبادرات الشبابية التي بزغت في الأفق خلال عامي 2011 و2012 لهى أبرز دليل على قدرة الشارع على فرز من يعبر عن احتياجاته صحيح أن تلك المبادرات قد اجهضت لكنها قبل أن تجهض قدمت نموذجا بديعا للغاية لما يمكن أن ينبع من قلب الشارع والميدان العام.

ثورة يناير‎استدعى خالد فهمي خلال حديثه عن ثورات العالم العربي وفي القلب منها الثورة المصرية خبرة تلك الثورات التي شهدها العالم عام 1848 وكيف اجهضت تلك الثورات على يد قوى الرجعية آنذاك المتمثلة في «الملكية والكنيسة والجيوش» وكيف دعمت  البلدان الأوربية الملكية بعضها البعض في إجهاض الثورات غير أن التاريخ ما زال يشهد لأفكار تلك الثورات بأنها ظلت باقية رغم ما تعرضت له الثورات من إجهاض وتواصلت إرهاصتها بما تضمنته من دعوات للتوسع في القاعدة الانتخابية، وتحسين ظروف العمل والتوسع في حقوق العمال، وإشراك المرأة وتحسين ظروف عملها داخل وخارج البيت.. وقد تم هذا كله في ظل حالة من القمع الشديد والصراع الدائم ودخول أعداد كبيرة للسجون وتعرض الآخرين للنفي خارج البلاد وتعرض البعض للقتل.

‎يعود خالد فهمي إلى مصر ليؤكد على أن المجتمع المصري قد شهد مع الثورة ((طفرة فكرية)) عظيمة تجسدت بشكل أساسي في طرح قضايا المرأة بشكل غير مسبوق وفي كسر الكثير من التابوهات الفكرية مع تأكيده على أن ما حدث من طفرة فكرية لا يمكن التراجع عنه فما شهدته مصر لا يمكن وصفه بكونه: «حدث حصل وخلص» ما شهدته مصر (يعد حراك بدأ ولم ينته) والأمر لا يقتصر على مصر وحدها فما تشهده المنطقة العربية يعد بمثابة ((لحظة تاريخية كبيرة)) فالثورة لم تمت، الثورة كانت بمثابة الشرارة الأولى التي حركت تلك الأفكار والأفق وهذا الحراك مازال قائمًا ومستمرًا والمجتمع المصري مازال حي ينبض ولديه الكثير من الأفكار والرؤى فقط هو في حاجة إلى من ينصت له ويحاول تقديم فهم جيد لما يطرحه من حلول لقضاياه ومشكلاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock