الشركات نوعان رئيسيان وفقا للشكل القانوني: شركات أشخاص Companies أشهرها شركات التضامن والتوصية البسيطة وهي شركات يديرها ملاكها. وشركات أموال Corporations أشهرها الشركات المساهمة وهي مؤسسات كبيرة تديرها إدارة محترفة.
لماذا يجب أن تكون هناك شركة عامة؟
في الأصل تسعى شركات الأعمال الخاصة إلى تحقيق هدفين: الأول هو تعظيم الربح إلى أقصى حد Profit Maximizationأو تعظيم السوقية إلى أقصى حد Value of the Firm Maximization (أي تعظيم القيمة السوقية للسهم)، والهدف الثاني هو التوسع Expansion. أما الشركة العامة ففي الغالب يكون هدفها تعظيم العائد الاجتماعي إلى أقصى حد Social Return Maximization. فقد يكون مشروعا ما ربحيته قليلة، لكنه بالرغم من ذلك ضروري للتقدم الاقتصادي. وكقاعدة اقتصادية عامة يجب أن يكون هدف الشركات العامة ككل يجب أن يكون تعظيم الثروة القومية Maximization of National Wealth. فهي ركيزة من ركائز التخطيط الاقتصادي لمشروع وطني في الدول المتخلفة، التي فاتتها عجلة الثورة الصناعي بسبب الاستعمار الغربي.
وتتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بإنشاء شركات عامة لتحقيق أهداف عديدة. مثل زيادة معدل التقدم أو النمو أو التنمية الاقتصادية وهو ما يعني بطريقة أو بأخرى زيادة الدخل الفردي –تدريب الكوادر- تقريب التفاوت بين الطبقات وبين المناطق بمعنى زيادة دخل الطبقات الفقيرة والمناطق المحرومة نسبيا – تحقيق وفورات اقتصادية نتيجة تطبيق مبدأ الحجم الأمثل (وهو ذلك الحجم الذي يتصف بكونه يحقق الإنتاج الأقصى من جانب ويحقق التكلفة الأدنى من جانب آخر) – تدعيم مصلحة المستهلك من ناحية كمية المعروض أو أسعار السلع والخدمات. وقد ترى السلطة السياسية في البلاد ضرورة تغيير نمط الاستهلاك للشعب لعوامل مرتبطة بنظرة طويلة المدى للدولة ككل.
وهدف الشركة العامة يجب أن يكون مستمدا من منطق الشركة العامة ذاته وهو زيادة العائد الاجتماعي إلى أقصى حد. والمقصود “بالعائد الاجتماعي” العائد الخاص بالمجتمع ككل. فالربح القليل الذي يحققه مصنع ينشأ لأول مرة يجب أن يقارن بالازدهار الاقتصادي القومي، الذي سيحدث في المستقبل نتيجة خلق طلب على منتجات المصنع وعلى الاقتصاد القومي بصفة عامة. فهي تتضمن عملية مقارنة بين الربح الحالي لمنشأة واحدة وبين ربح المستقبل للاقتصاد ككل. وهي مرتبطة أحيانا بما يسمى فترة الحَمْلGestation Period. فبعض الصناعات لا يكتمل نموها، إلا بعد فترة طويلة من الاستثمار المبدئي. فإذا تم القياس على أساس الربح في الأجل القصير فإن المشروع سيستبعد. وبالتالي فإن قرار الاستثمار هذا يتطلب سياسة عامة لها أبعادها في الأجل الطويل، تشمل تكيف المستهلكين للإنتاج الجديد وخلق طلب. وما يمكن أن يحدث من ردود أفعال في المستقبل في الاقتصاد القومي.
كذلك فإن صناعة الحديد والصلب مثلا بخلاف منتجاتها المباشرة، تدخل في عديد من الصناعات الأخرى مثل الصناعات الهندسية وصناعة السلاح. كذلك صناعة المراجل البخارية، التي تنتج غلايات الضغط العالي، التي يحتاجها كل مصنع، كما تحتاجها محطات توليد الكهرباء ومحطات الطاقة النووية.
أو يكون ضروريا لإعادة توزيع الدخل بين المناطق كما سبقت الإشارة، مثل إنشاء خطوط السكك الحديدية التي تشجع على الإسكان وعلى التعمير، وعلى وجود صناعات وعلى أماكن عمل جديدة نائية. فذلك يمكن أن يحدث بشكل مباشر بمحاولتها المساهمة في التوظيف والعمالة. كما أن قيام الشركة بإنشاء مصنع في منطقة نائية، يعتبر من قبيل توزيع الدخل بين مناطق الدولة.
كذلك فإن إنشاء مصنع للأدوية خصوصا في الدول المتخلفة التي ينتشر بها معدل الفقر، لا يمكن أن يتم على أساس تعظيم الربح إلى أقصى حد. فالهدف من إنشاء مصنع أدوية في بلد متخلف صحيا وتسعى للتقدم، هو رفع المستوى الصحي في البلاد بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن يكون تعظيم الربح إلى أقصى حد هو الهدف.
والشيء نفسه ينطبق على عدد من الخدمات أهمها التعليم والبحث العلمي. خاصة أن الاقتصاد المعاصر والصناعات الحديثة، هو اقتصاد قائم على المعرفة Knowledge Based Economy ولا تهتم به الشركات الخاصة في الدول المتخلفة التي تهتم بالربح السريع والمصالح الذاتية قصيرة النظر.
فدور الدولة بعوامل مرتبطة بحماية الموارد القومية وحسن استخدامها. ولإنشاء معايير لقياس كفاءة وفاعلية القطاع الخاص ومراقبة عدالة التسعير أو إلى بعض أو كل هذه الاعتبارات.
إدارة الشركات العامة
وتعتبر الشركة العامة ضمن الملكية العامة للدولة، وذلك في حالة ما إذا كان رأس المال كله مملوكا للدولة أو 51% على الأقل، وهي ذات كيان قانوني عام، تعبيرا عن رغبة الدولة في خلق شركة عامة تخضع لأهداف الدولة وسياستها القومية.
الكلام عن الشركات العامة ككل شيء مضلل، لأن بعض الشركات من الممكن أن تسير على نمط الشركة الخاصة وتسعى لتعظيم الربح إلى أقصى حد مع مراعاة مراحل النمو أو مدة الحمل. ذلك في الوقت الذي يجب أن تسعى فيه شركات أخرى إلى تعظيم العائد الاجتماعي إلى أقصى حد. ومعنى ذلك أن يكون هناك مستوى معين من الربحية لكل مرحلة من مراحل النمو، كما يكون هناك مستوى معين من الربحية لكل نوع من أنواع النشاط الاقتصادي.
معنى ذلك أنه يمكن تصنيف الشركات العامة من ناحية الربحية في الأجل القصير والطويل، ومن ناحية مدى إمكان إسهامها في الدخل القومي أي على أساس اجتماعي اقتصادي. ومن ناحية أخرى التمييز بين تمويل العمليات الجارية وتمويل التوسع أي الإحلال والتجديد. وبالتالي يمكن تصنيف الشركات العامة لثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: شركات تهدف إلى تعظيم الربح إلى أقصى حد وتدار على نمط الشركات الخاصة تماما
المجموعة الثانية: شركات تهدف إلى تعظيم الربح إلى أقصى حد، مع الأخذ في الاعتبار قيود مراحل النمو أو مدة الحمل. وتظهر هذه المجموعة في الاستثمار طويل المدى.
المجموعة الثالثة: تهدف إلى زيادة العائد الاجتماعي إلى أقصى حد.
يقوم بإدارة الشركة العامة مجلس إدارة يتم تعيين أعضائها من قبل الحكومة، وبذلك تساهم الحكومة بطريق مباشر أو غير مباشر في إدارة الشركة، ومن ثم يكون أعضاء مجلس الإدارة مسؤولين أمام الوزير المختص. ولكن لا تعتبر الشركة العامة مصلحة حكومية فلا تخضع للوائح وقوانين الإدارة العامة بل تتمتع بنفس أساليب إدارة الأعمال. ونفس وظائف المدير في الشركات الخاصة (التخطيط –التنظيم – التوجيه – الرقابة) وقضية الرقابة فيه ترتبط أيضا بمنظمات الرقابة في الإدارة السياسية للدولة.
ما الفارق بين مصدر فساد الشركات في دول العالم الثالث والدول المتقدمة؟
لا شك أن هناك نقدًا موجهًا للشركة العامة بعضه موضوعي، ويستحق الدراسة والعلاج. والبعض الآخر مغرض يخدم مصالح خاصة أو مصالح أجنبية يمثلها صندوق النقد الدولي. تستهدف القضاء على هذه المؤسسات التي تخدم أهدافا جليلة سبق الإشارة إليها.
إن مصدر الفساد في الشركة العامة في دول العالم الثالث هو فساد الإدارة السياسية. أما مصدر الفساد في الإدارة السياسية في الدول المتقدمة فهو الشركات الكبرى. والنقد الموجه للشركة العامة في دول العالم الثالث يتضاءل أمامه الأزمات الاقتصادية المعاصرة لما حدث للشركة المساهمة Corporation في الولايات المتحدة. وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن تزايد نفوذ الشركات العالمية الكبرى، خاصة الأمريكية في التلاعب بالأسواق والمستهلكين والهيمنة على الاقتصاد والسياسة. وزاد من سطوة هذه الشركات نفوذها الواسع في صناعة الإعلام ووسائل الترويج ذات التأثير الطاغي على الجمهور، بما يتوافر لها من قدرات تمويلية وفنية هائلة.
أبرز جون كنث جالبريث المفكر الاقتصادي الأمريكي الكبير ورئيس جمعية العلوم الاقتصادية الأمريكية في آخر أعماله، أنه كما لم تعد هناك سلطة للمستهلك في السوق، كما كانت تدعي النظرية الاقتصادية الكلاسيكية، كذلك لم تعد ثمة سلطة للمستثمر أو المالك حامل السهم. فلم تعد السلطة الفعلية لمجلس الإدارة أو الجمعية العمومية، بل للمديرين التنفيذيين القائمين على إدارة المشروع، مع دور شكلي للملاك وحملة الأسهم.
ما يعني انتقال السلطة الاقتصادية فعليا من الملكية إلى الإدارة في المشروعات ذات الحجم الضخم التي نأخذ غالبا شكل شركة بيروقراطية عملاقة Corporational Bureaucracy ، والتي باتت بمثابة الوحدة المركزية في المنظومة الاقتصادية للبلدان الصناعية الكبرى، وهي تتطلب إدارة فائقة التأهيل تفوق طاقة الفرد مهما بلغت مهارته. فثمة إدارة للمنشآت الآن التي لها حجم أكبر من مستوى معين تنطوي على مستوٍ عالِ من التعقيد. وتدور حولها مجموعة كبيرة من المشروعات الصغيرة. فتاجر التجزئة ينتظره Mal Mart وهو اسم لمؤسسة كوربوريتية تضم سلاسل من السوبر ماركت، وبالنسبة للمزرعة العائلية هناك المشروع الكبير للقمح والفواكه ومنتج اللحوم الكبير والحديث في الانتظار. ولم يعد الملاك هم المتحكمون في السلطة الاقتصادية النهائية في المصانع والمعدات والأراضي والوارد المالية المتاحة. ولهذا السبب تم استبدال مصطلح “الرأسمالية” بمصطلح “نظام السوق”.
فساد الشركات الأمريكية نموذجا:
ويفضح جالبريث وسائل التحايل على الجمهور من المؤسسات المالية والسماسرة ومستشاري الاستثمار في أسواق المال، عبر ادعاء القدرة على التنبؤ بمستقبل الأسواق وسلوك الأدوات المالية. وفيما يؤكد جالبريث أن الأداء الاقتصادي المستقبلي والانتقال من الفترات المزدهرة إلى الانكماش والكساد والعكس، هي أمور لا يمكن التكهن بها. وقد هبت العاصفة على وول ستريت في عام 2008 لتفضح زيف مثل هذه الادعاءات، كما جاءت فضيحة برنارد مادوف الرئيس السابق لبورصة الأوراق المالية ناسداك، وظل رئيسا لها حتى ديسمبر 2008، حين صدر ضده اتهاما رسميا بارتكاب أكبر عملية تدليس على المستثمرين يرتكبها فرد في التاريخ وكذلك تهمة التبديد وحكم عليه بالسجن 150 سنة.
وقبلها فضيحة شركة إنرون، عام 2001عندما أعلن كبار المديرين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة أرقاما مبالغا فيها تزيد على أرباح الشركة الحقيقية بحوالي مليار دولار، وقاموا بعمليات مشاركة وهمية لإخفاء خسائر وديون الشركة التي تولت تمويل حملة كلينتون الانتخابية الثانية، وحملة جورج بوش الابن الأولى.
ثم إفلاس شركة “وورلد كوم WorldCom” الناشطة في مجال الاتصالات في عام 2002، بعد أن وقعت تحت وطأة فضيحة محاسبية وعمليات تزوير بلغ حجمها نحو 4 مليارات دولار، ليدخل على أثرها الرئيس التنفيذي للشركة “بيرني إيبرز” إلى السجن، في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في تاريخ وول ستريت. ثم جاء الانهيار المالي في عام 2008، لتعلن شركة “كريسلر” الأمريكية في العام التالي إشهارها لإفلاسها. كما أعلنت “جنرال موتورز” إفلاسها رسميا ومجموعة “سي. آي. تيCIT ” المالية الأمريكية.