رؤى

صفحة من تاريخ مصر (4-4).. حوارات مع شخصيات عاصرت ثورة الشباب 1935

بعد أن قدمنا في الجزء الأول تفاصيل ثورة الشباب عام 1935، نستعرض الآن حوارات أجريتها عام 1988مع شخصيات تاريخية قادت أو عاصرت الثورة.

حوار مع الأستاذ فتحي رضوان

شارك أحمد حسين في تأسيس جمعية مصر الفتاة فور تخرجهما في كلية الحقوق عام 1933، ثم حزب مصر الفتاة عام 1937وكان الأمين العام في كل منهما. ولد في مدينة المنيا عام 1911، حيث كان والده كان يعمل مهندساً للري بها، ثم انتقلت الأسرة بعد ذلك بنحو عامين إلى القاهرة، واستقر بها المقام في حي السيدة زينب.

اختلف مع صديقه أحمد حسين حول بعض الرؤى، خصوصا تحويل الحزب إلى الحزب الوطني الإسلامي فانضم للحزب الوطني، إلا أنه لم يرق له تعامله مع بعض القضايا، فأنشأ الحزب الوطني الجديد على مبادئ مصطفى كامل عام 1944، كما أصدر جريدة اللواء الجديد.  وظل الحزب قائماً حتى حُلّت الأحزاب عام 1953. تمّ اعتقاله بعد حريق القاهرة في 26 يناير عام 1952 وظل في المعتقل حتى قيام ثورة 23 يوليه 52 حيث عين وزيراً للدولة ثم وزيراً للإرشاد القومي (الإعلام حالياً) حتى خرج من الوزارة عام 1958. كان فتحي رضوان معارضاً لسياسات السادات واعتقل في أحداث سبتمبر 1981.

فتحي رضوان

س   بصفتكم أمين عام مصر الفتاة عند التأسيس، ما هو دور مصر الفتاة في انطلاق ثورة الطلبة عام 1935؟ وما هو دور الأحزاب الأخرى؟

ج    يا سيدي أعتذر لك عن الحديث حول هذا الموضوع، لأن ذاكرتي لا تحمل الكثير عنها، ربما لأني رفضت ما ترتب عليها من نتائج، خصوصاً معاهدة 1936. حتى أني أقول إن تضحيات الشباب ضاعت سدى. فقد أعطينا الإنجليز وثيقة لأول مرة تعترف بشكل من الأشكال بشرعية وجودهم، كانوا في حاجة ماسة إليها، تؤمن لهم الأوضاع في مصر وهم مقبلون على حرب.

س    كيف بدأ التفكير والإعداد لإنشاء جمعية مصر الفتاة؟

ج     بالنسبة لي كنت شديد الإعجاب بمصطفى كامل ومحمد فريد ومحمد عبده. وكنت مهتم بالقراءة لهم وعنهم، وكانت والدتي تحتفظ بكل أعداد اللواء، وببعض الكتب منها كتاب عن مصطفى كامل، ألفه شقيقه على فهمي كامل، فكانت عقيدتي ومازالت أن مصطفى كامل هو أعظم سياسي في مصر بل وفي العالم. أما أحمد حسين فكانت منطلقاته مختلفة. كان شديد الإعجاب بالفراعنة، وقد أثرت فيه رحلة كشفية قام بها إلى الصعيد وهو طالب في الثانوي سنة 1928، اطلع فيها على آثار الفراعنة، كما كان معجباً بمحمد على ومنجزاته. وكان يجمعنا الإعجاب الشديد بمصطفى كامل. وقد اخترت أنا اسم مصر الفتاة، وانفرد أحمد حسين بوضع البرنامج، وقد اعترضت عليه أول الأمر لكن قبلته بعد ذلك.

كان أحمد حسين قد اكتسب شعبية كبيرة بسبب مشروع القرش، وكانت له ميول عملية، ولولا واتهامات باطلة حول المشروع لاستمر في الأعمال الاقتصادية. وعلى العموم أنا أشكر هذه الظروف، لأن أحمد حسين طاقة كبيرة لا يجب حصرها في هذا النطاق. هنا هدانا تفكيرنا إلى إنشاء جمعية سياسية تضم الشباب في حركة قومية، بعيداً عن الأحزاب والجو الحزبي السائد في ذلك الوقت.  

الزعيم مصطفى كامل
الزعيم مصطفى كامل

س   هل ثمة علاقات مع أحزاب أو شخصيات سياسية، عند نشأة مصر الفتاة؟ وما رأيكم في نشأة جماعة الشباب الحر أنصار المعاهدة، والتي تزعمها احمد حسين، والمرتبطة بمشروع معاهدة محمد محمود– هندرسون عام 1929؟

 ج    لم تكن لنا أي صلة بالأحزاب باستثناء تعاطفنا مع الحزب الوطني، بل كما قلت إننا نشأنا كحركة قومية خارجة عن الأحزاب وصراعاتها. أما عن جماعة الشباب أنصار المعاهدة فهذه من الأمور التي اختلفت فيها مع أحمد حسين. كان أحمد حسين معجباً بهذه المعاهدة، ويرى أنها نحقق قدراً من الاستقرار، لنتفرغ من العمل الداخلي والاقتصادي. وكان معجباً بإسماعيل صدقي لنشاطه الاقتصادي، فقد قام إسماعيل صدقي بإنجاز مشروع كورنيش الإسكندرية.

س   لماذا سافرتما أنتم والاستاذ أحمد حسين إلى أوروبا في ديسمبر 1935من أجل الدعوة السلمية للقضية المصرية؟ ألا ترون ذلك يتعارض مع دعوتكم الثورية؟

 ج    الآن وقد انتهت الظروف الحزبية، أستطيع أن أحدثك بصراحة. لقد كنا جميعاً شباباً صغار السن، وقد أردنا أن نستفيد من قوة حركة الطلبة في الدعاية لها، وأن نكتسب خبرة في الاحتكاك الخارجي، والدعوة للقضية المصرية، وقد نجحنا في ذلك إلى حد كبير. وقد استطعنا أن نقابل من الزعماء الإنجليز، من كان يعجز الكبار من الساسة عن مقابلته. فقابلنا رئيس اللجنة المصرية في البرلمان الإنجليزي والسير مردوك ماكدونالد النائب الانجليزي والميجر كليمنت آتلي زعيم العمال البرلماني الرسمي والمستر جورج لانسبوري زعيم حزب العمال. وقابلنا رؤساء تحرير الصحف جميعهم، واستلموا ما عندنا من بيانات. وحضرنا مؤتمر العمال الاشتراكي في جامعة كارديف، والتحدث فيه عن القضية عن المصري. وبعد ذلك توجه أحمد حسين إلى جينيف، حيث التقى بالأستاذ علي الغاياتي المقيم في سويسرا، وقدم للسكرتير العام لعصبة الأمم(بيان) يطالب فيه بانضمام مصر لعصبة الأمم.

أحمد حسين
أحمد حسين

س   لماذا تحولت جمعية مصر الفتاة إلى حزب عام 1937؟ ثم إلى الحزب الوطني الإسلامي عام 1940؟

ج    كان طبيعيا أن تتحول إلى حزب سياسي، ليكون لنا ثقل أكبر، أما الحزب الوطني الإسلامي فكان جوهر الخلاف بيني وبين أحمد حسين، حيث لم أجد مبرراً لهذا التحول، خصوصاً أن الناس عرفونا باسم مصر الفتاة، والأمر يشبه تغيير اسم شارع سليمان باشا إلى شارع طلعت حرب، حيث يظل الناس يعرفونه باسم سليمان باشا. ثم إننا كنا أثناء الحرب، والظروف المحلية والدولية غير مواتية لتعديل مثل هذا. إلى جانب أن مصر الفتاة منذ نشأتها حزب إسلامي، حتى أننا كنا نحتفل بكل المناسبات الدينية. لذا ذهبت هذه التسمية دون أن يشعر بها أحد. وقد توقفت عن التعاون معه أيامها. لكني انفصلت نهائياً بعد حادثة 4 فبراير عام 1942، وكونت مع مجموعة من الشباب الحزب الوطني الجديد.

س    قامت سياسة الحزب الوطني قبل 1919 على ثلاثة محاور: عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال – التمسك بالجامعة الإسلامية على أساس الخلافة العثمانية – عدم الاعتراف بغير الخديوي عباس الثاني حاكماً شرعياً للبلاد.

ما رأيك في ذلك؟

ج    هذه المحاور قد تم العدول عنها أيام مصطفى كامل نفسه، ما عدا مبدأ المفاوضة قبل الجلاء الذي استمر الشعار الأساسي للحزب في كل مراحله. وحتى الآن هو نفس موقفي مع أمريكا وإسرائيل.

حزب مصر الفتاة

س     ما هو برنامجكم؟

ج     الأحزاب لا تعرف ببرامجها ولكن تعرف بنشاطها، والناس لا تقرأ البرامج مطلقاً بل لا تعرف عنها شيئاً. وكنا نتحدث مع بعض الزملاء في موضوع البرامج، فقلت لهم على سبيل المثال إن حزب الوفد له برنامج أتحداكم لو أحد اطلع عليه.

س   لماذا نسبت أغلب الاغتيالات السياسية في مصر للحزب الوطني، من مقتل بطرس غالي إلى السردار إلى أحمد ماهر؟

ج    بل كلها، وأنا لا أؤيد ذلك كعمل سياسي. لكن أحياناً يكون لها دور سياسي كبير في تحريك الأمور. 

س   لماذا نشأ تعاون بينكم وبين ثورة 52، حيث شارك 6 وزراء من الحزب الوطني الجديد من بين 16 وزير، بينما الأمر لم يكن كذلك مع الحزب الاشتراكي، رغم أن برنامج ثورة يوليه كان برنامج الحزب الاشتراكي؟ ثم لماذا قبلتم المفاوضات عام 54 واتفاقية الجلاء مع رفضكم لمبدأ التفاوض.؟

ج     عند قيام الثورة كان أحمد حسين متهماً بحريق القاهرة وكان جمال عبد الناصر يكن ودا كبيراً لأحمد حسين، ولكن الانجليز موجودين في ذك الوقت، وكان الأمريكان أيضاً يطلبون أن تأخذ المسألة الشكل القانوني. وكانت الظروف السياسية تستدعي تمرير هذا الموضوع. وأنا كنت معترضا على ذلك، ولكني لم أظهر اعتراضي لأحمد حسين، بل دافعت عن وجهة النظر هذه وأبلغت أحمد حسين، لكنه أذاع ذلك، وجاءني جمال سالم يلومني لأن أحمد حسين أذاع أن الثورة يسيرها الأمريكان. قال لي جمال عبد الناصر أنا سأفعل كل ما يرضي أحمد حسين سنغير له النيابة والمحكمة وسيكون الحكم لصالحه، وسننقله إلى سجن الأجانب وهو عبارة عن فيلا. هذه المرة لم أبلغه بهذا لأنني خشيت أن يذيعه. كذلك تسرع أحمد حسين في الهجوم على الثورة، كما أنه في أزمة ستة 54 أرسل برقية لكل من محمد نجيب وجمال عبد الناصر يقول فيها ” إن مصر ليست ضيعة تتقاسمانها” لكن جمال عبد الناصر كان تلميذ أحمد حسين.  

أما اتفاقية الجلاء عام 54 فأنا أذكر أن عبد الناصر سألني(بالإنجليزية) هل أنت سعيد؟ فقلت له لا لست سعيداً قال لماذا؟  فقلت له اتفاقية صدقي – بيفن أحسن منها. قال ولماذا لم تستقل؟ قلت لن أستقيل لكي أقف معك عند الصدام. فقال لي: “يا شيخ فال ولا فالك” وفعلا حدث ما توقعت سنة 1956.    

حسني كحلة

باحث في الاقتصاد السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock