رؤى

الكتب المؤسسة للعنف.. من اليوتوبيا الحالمة إلي السلفية المفارقة للواقع (3-5)

الكتب المؤسسة للعنف هي أيديولوجيا تمثل من كتبها وتم استخدام الدين الإسلامي كمادة حشو لتلك الأيديولوجيا ، وهذه الأيديولوجيا هي كتابة بشرية كانت تمثل في وقت من الأوقات ” يوتوبيا ” حالمة للتنظيمات الإسلامية القطبية وقطاعات  واسعة من المتنفذين داخل جماعة الإخوان كان من بينهم الرئيس الإخواني المنتخب محمد مرسي – رحمه الله – ولقطاعات واسعة من المنتسبين للسلفية كفوزي السعيد  وللتيار الإسلامي العام الذي بايع حازم صلاح أبو إسماعيل واعتبره إمامه وقائده ، وأغلب الحالة الإسلامية قبل ثورة يناير كان قد عشش في وجدانها  وضميرها تلك اليوتوبيا ولم يفصحوا عن مدي سريانها في عقولهم كما يسري الدم في العروق ، ولذا حين جاءت لحظة 25 يناير لم تُفلح هذه ا ليوتوبيا القطبية ولا المودودية ولا من تأثر بها  بعد ذلك بداية من صالح سرية(1936-1976)  وحتي حلمي هاشم أن تحقق فوزا أو نجاحا ، لقد سقطت لتتحول بتعبير ” كارل مانهايم ” من يوتوبيا إلي أيديولوجيا ضاق الناس بها ولا بد من تجاوزها والخروج من أسرها و كل ما يتصلبها كالحديث عن الطليعة المؤمنة والحديث عن التنظيمات السرية المغلقة والحديث عن المجتمعات الصافية التمامية فذلك لن يكون أبدا فعلى كل من يتبنون هذه الأيديولوجيا أن يعاملوا  الناس علي قدر ما يعلمون ولا يحدثونهم بما لا يفهمون .

صالح سرية
صالح سرية

هذا السلسال المتوارث من الأفكار والكتب التي بدأت بكتاب المصطلحات الأربعة للمودودي ثم المعالم لسيد قطب ثم رسالة الإيمان لصالح سرية ثم رفع الالتباس للعتيبي ثم  الفريضة الغائبة لعبد السلام فرج ثم الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان لعبد الله عزام ثم الجامع في طلب العلم الشريف لسيد إمام الشريف ثم فقه الجهاد لأبي عبدالله المهاجر ثم “إدارة التوحش”لأبي بكر ناجي ثم الدار  والديار لحلمي هاشم .. كل هذا السلسال من الكتب والأفكار كان إلهاما لم يتوقف لحركات.. هي بطبيعتها حركات أيديولوجية الأفكار محور وجودها ، ولذا لم يتوقف التأليف الذي كان مجرد رسائل صغيرة ثم كبرت وتضخمت حتي أصبحت جوامع ومؤلفات كبار تبلغ صفحاتها بالآلاف ،، لا أنكر تأثير الواقع في التخليق والتكوين والتشكيل لهذا الفكر المؤسس للعنف ولكن لا يمكنني المضي مسلما مع الذين يريدون أن يعفوا أنفسهم ومفكريهم وتيارهم من المسئولية واستمرار بقاء هذه الأيديولوجيا المتهاوية – التي لم تثبت جدارتها  وجديتيها وقابليتها للتطبيق –  فيضخ منطق العنف والتشدد والمفاصلة والعزلة في مواجهة مجتمعات مسلمة هي أكثر تعبيرا عن الإسلام مما يريدون هم أو يرغبون . هذه الأيديوولجيا يجب أن توضع في مكانها الصحيح كجزء من تاريخ الأفكار وليس هي التي تضخ وتوجه وتضع المنطق وتؤسس للحركة والسلوك

تجديد القراءة ،، سبيل جديد نحو المستقبل

الحالة الإسلامية الحديثة قد بدأت واكتملت دورتها ولمسنا فعلها وفكرها وأيديولوجياتها  حتي وصولها للسلطة ، ويفرض ذلك على أهلها ومنتسبيها التفكير في سبيل جديد نحو المستقبل: لماذا لم تقرأ الحركة الإسلامية مثلا لمحمد إقبال في كتابه المهم ” تجديد الفكر الديني ” ، ولماذا لم تقرأ ما كتبه مالك بن نبي عن ” مشكلة الحضارة ” و” الظاهرة القرآنية ” و” شروط النهضة ” و” شبكة العلاقات الاجتماعية ” ، ولماذا لم تقرأ ما كتبه جمال حمدان عن العالم الإسلامي المعاصر وعن شخصية مصر، ولماذا لم تقرأ ما كتبه عبد الوهاب المسيري في موسوعته عن الصهيونية ورحلته الفكرية عن البذور والجذور والثمار ولماذا لم تقرأ لحامد ربيع سلوك المالك في تدبير الممالك وتقرأ له كتبه عن الكيان الصهيوني مثل منيحكم في تل ابيب وسأظل عربيا واختراق العقل المصري ولماذا لم تقرأ في الفلسفة لعلي سامي النشار مناهج البحث عند مفكري الإسلام ، ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ( ثلاثة  أجزاء) ، وعبد الرحمن بدوي فيما كتبه عن موسوعة المستشرقين ومذاهب الإسلاميين وكتابيه الأخيرين قبل أن يموت ” دفاع عن القرآن ضد منتقديه ” ، ودفاع عن محمد ضد المنتقصين من قدره ، ولماذا لم تقرأ ما كتبه علي شريعتي ” العودة إلي الذات ” و” مسئولية المثقف ” ولماذا لم تقرأ محمد باقر الصدر ” اقتصادنا ” و” فلسفتنا ” ،،

عبد الوهاب المسيريلماذا لم تقرأ الحركة الإسلامية لفرانز فانون ” معذبو الأرض ” ، لماذا لم تقرأ محمد أسد ” الإسلام علي مفترق الطرق ” ، و” الطريق إلى مكة ” ، ولماذا لم تقرأ علي عزت بيجوفيتش ” الإسلام بين الشرق والغرب ” و” البيان الإسلامي ،،

لماذا خاصمت النهضويين العرب ولم تقرأ مثلا لرفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873)  رغم أهمية ما كتبه في الدين والدنيا مثل”المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين” ، و” نهاية الإيجاز فيسيرة ساكن الحجاز ” و” مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصريه ”   ، ولماذا لم تقرأ خير الدين التونسي(1820-1890) ” أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ” ، ولماذا وضعت جمال الدينا لأفغاني (1838-1897) موضع الشك هو وتلميذه محمد عبده(1849-1905) .

محمد عبده وجمال الدين الأفغاني
محمد عبده وجمال الدين الأفغاني

العقل المتشدد ومقاومة النقد

القصد من ذلك كله أن الحالة الإسلامية بدأت حالة أيديولوجية والأيديولوجيا  كما قررنا هي قرار بالسير وفق خط معين لم يتم اختباره لتحقيق ما تتصوره أهدافا لك ، وفي سبيل ذلك السيرتتبني أفكار معينة تستلهمها من مصادر فكرية تعتبرها هي الأكثر تعبيرا عن تلك الأيديولوجيا ،، وهذه المصادر الفكرية كان على رأسها الكتب المؤسسة للعنف خاصة كتاب سيد قطب ” معالم في الطريق” و” في ظلال القرآن ” الذي استل منه مؤلف المعالم أربعة فصول بعد تنقيحه وفق تحولاته الفكرية الجديدة لتكون جزءً رئيسيا من الكتاب الذي تضمن اثني عشر فصلا ، وكانت كتب أبي الأعلي المودودي علي رأس تلك المصادر الفكرية  وهو كاتب من أصول غيرعربية  ويكتب بلغة غير اللغة العربية وتُترجم مؤلفاته ، وهو تعبير عن الإسلام الهندي – الباكستاني  المتشنج  بفعل زوال الممالك الإسلامية في الهند مع مجئ الاحتلال الإنجليزي إلي البلاد وتسليمه أزمة الأمور إلي الهندوس ، وبفعل رفض التكيف مع حالة يكون المسلم فيها من الأقلية في ظل بحر هادر من أغلبية هندوسيهم دعومه من المحتل البريطاني ، وكانت حركة النشر القوية التي يقفخلفها في الغالب حركة الإخوان المسلمين تطرح نشريات سيد قطبكلها ونشريات أبو الأعلي المودودي بالملايين وهو ما سهل بالطبع الحصول عليها والاكتفاء بها ، لقد لعبت حركة النشر الواسعة دوراكبيرا في انتشار نمط معين من الكتب والأفكار حالت بين الشباب وغيرها من المصادر  .

لقد كانت المصادر الفكرية والحركية لمنير الغضبان أحد المراقبين العامين لحركة الإخوان في سوريا كالمنهج الحركي للسيرة النبويهوالمنهج التربوي للسيرة النبوية هي المنتشره وكان الإقبال عليها يتعاظم ، كما كانت كتب اللبناني فتحي يكن ذائعة الصيت مثل كتابه ” أبجديات التصور الحركي الإسلامي ” ، ” الإسلام فكرهو حركة وانقلاب ” ، كما كانت كتب العراقي  أحمد محمد الراشد ذائعة الصيت مثل ” العوائق ” و” المنطلق” وقد كان هذا هو  الاسم الحركي  الذي اتخذه لنفسه  بدلا عن اسمه الحقيقي عبد المنعم صالح العلي العزي ، هذه المصادر عززت الروح المتشددة الغاليهعند عموم قارئيها من أبناء الحركة الإسلامية بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين التي كانت تتجه رويدا رويدا نحو الغلو والتشدد في أفكارها ومواقفها تحت تأثير الاستسلام للمصادر الفكرية التي تنزع نحو التشدد والغلو بما فيها كتب قطب والمودودي بشكل رئيسي ، وتحت تأثير الأيغال في رفض بناء أي تقاليد ذات طابع نقدي أو فكري داخل أكبر حركة إسلامية قدمت نفسها كعنوان للوسطية والاعتدال في ذلك الوقت .

سيد قطب والمودودي
سيد قطب والمودودي

التنافس علي  السلفية المتشددة

واعتبرت حركة الإخوان نفسها تحت سطوة تأثير القيادات المتأثرة بتلك المصادر الفكرية المتشددة الحاملة لروح العقيدة الصلبه الصحيحه في مواجهة مع حركات أكثر تشددا تقف علي يمينها واعتبرتها متهادنة ومتخاذلة ولا تعبر عن العقيدة الصحيحة  ، لقد كانت حركة الإخوان  تنافس ا لتيارات السلفية علي الجمهور الذي يزداد تشددا ومن ثم اتسمت اجتهاداتها بمزايدات ذات طابع سلفي، ومن عجائب ما واجهته أنا شخصيا أنني ذهبت لأبحث عنالمقررات التي تُدرسها أسر الإخوان المسلمين علي المستويالسياسي فوجدت كتابا واحدا بعنوان ” أوراق في التربيه السياسيه” لمؤلفه فتحي شهاب  بتقديم  عصام العريان وطُبع مرتان عام2006 وعام 2011 وفتحي شهاب هو مهندس زراعي وترأس أيامحكم الإخوان لجنة الإعلام والثقافة والسياحة بمجلس الشوري ، يعني الحركة التي يُفترض أن بها مكونا سياسيا أكبر يجعل منالأفكار أكثر مرونه والأعضاء أكثر فهما للواقع كان يتضاءل لديها هذا المكون السياسي لصالح المكون العقدي والسلفي والريفيالقائم علي الروابط الجغرافيه والشخصيه والانتماء للأشخاصوالمصالح  والمنافع  أكثر منه الانتماء للأفكار .

وعلي هوامش حركة الإخوان نمت بإغضاء  وقبول إخواني التياراتالسلفيه والقطبيه والأفكار العقديه وعلا سهم الدعاة السلفيين وثيقيالصلة بمشروع الإخوان المسلمين والذين عبرت عنهم “الهيئةالشرعيه للحقوق والإصلاح  في ذلك الوقت ”  لقد كان هناك تنافسعلي السلفيه وتبني أفكار تيارها وهي مفعمه بروح غالية أقربللمفاصله والتشدد والاحتكام إلي العقيده وليس إلي عوالم السياسةوقواعدها ولا إلي عوالم الأفكار وبيناتها ولا إلي عوالم المقاصد وإضاءاتها

كمال حبيب

أكاديمي مصرى متخصص فى العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock