تنتشر سردية المؤامرة بين الكثير من المثقفين و الإعلاميين المصريين والعرب وهى نظرية تعني أن كثيراً إن لم يكن كل ما يحدث لنا هو نتاج تربص الأخر بنا ومحاولاته التي لا تنقطع للإيقاع بنا فتاريخنا في رأيهم هو تاريخ مفعول به وليس فاعلاً فبدأ من سقوط الخلافة العثمانية إلى هزيمة الجيوش العربية في 1948 إلى هزيمة 1967 حتي ثورة 25 يناير (المؤامرة في نظر البعض) وثورة 30 يونيو (المؤامرة في نظر البعض الآخر) كلها كانت نتاج تآمري حيث تحالف وخطط وأسقط المتأمرون خصمهم (الضحية) ويهدف هذا المقال إلى تفكيك سردية المؤامرة عند كل هذه الأطراف ولا يسعى المقال إلى دحض أو نقض فكرة المؤامرة بل الهدف هو تحليل السردية ومعرفة أسباب شيوعها ومدى مسئوليتها عما يحدث لنا.
أولا: نظرية المؤامرة وعصر الأزمات
يعد الأيمان بفكرة المؤامرة من السمات المنتشرة بين البشر وهي فكرة قد تجد الدلائل في عالم الواقع على صحة أعتقاد المرء بأفكاره و هنا يتضح لماذا يتشبث بها المرء فهى تجلب له المزيد من الراحة والهدوء فليس المهم عند معتنقي نظرية المؤامرة مدى سلامة نظريتهم ورؤيتهم بل المهم هو مدى ما توفره تلك النظرية لأصحابها من أحساس بالتميز والقوة فصاحب التفكير التأمري يرى نفسه مميزاً عن الغوغاء المضللين الذين لا يتفقون مع رؤيته بل ويرى نقد المؤامرة عملاً تأمرياً فالمؤمنين بالمؤامرة يمتلكون معرفة وبصيرة لا يتمتع بها الأخرون. وعلى الرغم من أنتشار فكرة المؤامرة فقد وجد الباحثون أن أكثر الفئات إيماناً بها هم المهمشون أجتماعيا و المستضعفون الذين يفتقرون إلى الثقة بالنفس وأحترام الذات فعند الفشل في تحقيق الذات والأحباط من مفاجآت الحياة ، تغدو فرضية تآمر الأغنياء على الفقراء أو الأقوياء على الضعفاء أو الرأسمالية على العالم أو اليهود على المسلمين، هي الفرضية الأكثر قبولاً للمزاج النفسي والثقافي. وتظهر الدراسات أن نظريات المؤامرة تشبه كرة الثلج في أوقات الأزمات، عندما يكون الخوف متفشيا والتفسيرات الواضحة غير كافية. فهي تقدم سردا مباشرا ومبتسرا لإلقاء اللوم على الأخر المتأمر وقد أبدى كثير من الباحثين المزيد من الاهتمام بهذه النظريات، والدوافع والآليات التي تحركها، حيث يصبح من الواضح أنها منهج أمن للتعامل مع المجهول إلا أنها يمكن أن يكون لها عواقب ضارة في العالم الواقعي.
ثانيا: المكون السيكولوجي لذهنية المؤامرة
وقد وجد الباحثون أن “عقلية المؤامرة” ترتبط بسمات شخصية معينة، بما في ذلك انخفاض مستويات الثقة بالنفس والحاجة المتزايدة إلى الإنغلاق، جنبا إلى جنب مع الأحساس بالضعف والأنكسار ، وانخفاض احترام الذات، والتفكير البارانويد (جنون العظمة)، والحاجة إلى الشعور بالتميز والتفرد uniqueness. ويرى رولاند إيمهوف، وهو عالم نفس اجتماعي في جامعة يوهانس غوتنبرغ الألمانية “أن سردية المؤامرة تعبر عن رؤية للعالم world view تعتقد أن لا شيء يحدث بدون سبب وأن هناك قوى شريرة تعمل خلف الستار.” ويستخدم علماء النفس مصطلح التحيز التأكيدي Confirmation bias الذي يشير إلى ميل الشخص وأرتباطه بالبحث عن المعتقدات والأدلة التي تدعم قناعاته وتفكيره بينما يتجاهل واعياً أو لاواعياً أي أدلة قد تتناقض مع فرضياته ويعد التحيز التأكيدي من أهم السمات المشتركة بين المؤمنين بسردية المؤامرة ومن الأمثلة الشهيرة علي هذا النمط في التفكير الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب الذي كان يصف وسائل الأعلام التي تتناقض مع أرائه بأنها مروجة لأخبار كاذبة fake news . ويرى العلماء أن فكرة المؤامرة هي نمط كامن في العقل البشري pattern recognition تطور منذ قديم الأزل (أنسان الكهف) حيث يرتكز على نظرية أنه لكي تنجو من الوحوش المتربصه بك خارج الكهف عليك أن تراهم من مسافة كافية حتي لا تتفاجئ بهم ويفتكوا بك.
ثالثاً: نظرية المؤامرة والوعي المعلب
نظريات المؤامرة تختزل الوعي في معادلة مريحة وموحية : فقط عليك أن تقضى على الشرير وستستقيم حياتك مرة أخرى، هذا ما نريده جميعاً. “إنها سردية ذات غواية تجعل من اليسير تقبلها وأعتناقها: فقط تخلص من الأمريكان الأشرار وسيستريح العالم، عليك فقط أن تقضي علي الرأسمالية الجديدة وسنستعيد أوطاننا ، الأستعمار هو من فعل هذا بنا ، ذهب الأستعمار واصبحنا أسوأ مما كنا عليه عندما كنا مستعمرين؟ أين الخطأ؟! ومن الأمور الشائعة عند أصحاب ذهنية المؤامرة أنهم لا يثقون في أحد تقريباً – وخاصة الخبراء و ذوي الأختصاص. وقد يصبح ذلك إشكاليًا عندما تتضافر بارانويا المعرفة وتنميط المشكلات فتؤدي إلى الأستخفاف بالعلماء والمنهج العلمى وتضعه جنباً إالى جنب على نفس مستوى شخص نشر للتو مقطع فيديو على YouTube. وقد أكتشف عالم السياسة في جامعة ميامي جوزيف أوسينسكي أن الأشخاص الذين يميلون بشكل عام إلى الاعتقاد بنظريات المؤامرة كانوا أكثر عرضة مرتين من غير المؤمنين بالمؤامرة للموافقة على أن العنف شكل مقبول من أشكال الاحتجاج السياسي. بل إن البعض، مثل تيموثي ماكفي، الذي أدت شكوكه في الحكومة الفيدرالية إلى تفجير مبنى أوكلاهوما سيتي عام 1995، قد ارتكب فظائع على أساس معتقدات المؤامرة. ولذا فمن الشائع في الفكر التأمري أن يعتنق أصحابه أكثر من نظرية تتناقض مع بعضها البعض. وخلصت كارين دوغلاس أستاذة علم النفس الأجتماعي بجامعة كنت إلى أن “الفكرة الأساسية الكامنة في معظم نظريات المؤامرة هي أن الخط الرسمي لا يمكن الوثوق به. قد لا تكون التفاصيل مهمة إلى هذا الحد”. “فأنت على استعداد للترفيه على الأقل عن الفكرتين متناقضتين في نفس الوقت، حتى لو لم تكن تلك الأفكار متسقة مع بعضها البعض، لأنها تتفق مع فكرة أن تحتاج إلى أن تكون على حذرك من التفسير الرسمي”.
رابعاً: المؤامرة والكسل العقلي
تتغافل نظرية المؤامرة عن نقد الذات ومراجعة الأخطاء وتصحيح المسار فهي مثل المسكنات التي تؤخذ عند اصابة الجسد بالحمى تخفي أعراض الالم لكنها لا تعالج ولا تشفي مرضاَ، ولنأخذ مثلاً علي ذلك وليكن “كتاب بروتوكولات حكماء صهيون” الذي جعله البعض دستور الجماعات اليهودية في السيطرة على العالم ووالذي عقب عليه د. عبدالوهاب المسيري بقولة ” ان البروتوكولات بلغت «قمة رواجها في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين حينما حاول كثير من الالمان تبرير هزيمتهم بأنها طعنة نجلاء من الخلف قام بها اليهود المشتركون في المؤامرة اليهودية الكبرى على العالم». واشار الى ان البروتوكولات تنتمي الى خطاب المؤامرة “الذي يذهب الى ان اليهود يتسمون بكل ما يخطر وما لا يخطر للانسان على بال، فالشر والمكر والرغبة في التدمير امور فطرت في عقولهم وسلوكهم هو تعبير عن مخطط جبار وضعه العقل الصهيوني الشرير الذي يخطط ويدبر منذ بداية التاريخ والذي وضع تفاصيل المؤامرة الكبرى العالمية لتخريب الاخلاق وافساد النفوس حتى تزداد كل الشعوب ضعفا بينما يزداد اليهود قوة وذلك بهدف انشاء حكومة يهودية تسيطر على العالم بقبضة حديدية” وهذا الخطاب البروتوكولي التامري يعمينا عن رؤية واقع «الاخر» ويعمينا ايضا عن رؤية واقعنا وبالتالي فانه يجعلنا لا ندرك اسباب اخفاقنا ولا نواجه عيوبنا ومشاكلنا. ونفسر نقاط قصورنا من خلال عنصر واحد فقط وهو مؤامرة الاخر الخارجية علينا .”