فن

فيلم أصحاب ولا أعز.. بين حلاوة الكذب ومرارة الحقيقة

يطرح  الكاتب النرويجي “هنريك أبسن” في مسرحيته الشهيرة “البطة البرية” تيمة الخداع مقابل الحقيقة (reality vs illusion) وأن النفس البشرية مهما أوتيت من قوة تضعف بل وتنهار عند رؤيتها للحقيقة؛ لذا فهي تفضّل أن تختفى وراء أقنعة من الكذب على أن ترى حقيقة وهنها وقبح صورتها، ويؤكد تلك الرؤية عالم النفس الأشهر “سيجموند فرويد” حينما يتحدث عن ألاعيب النفس وحيلها الدفاعية في إخفاء حقيقتها حيث رصد “فرويد” أكثر من ثلاثين حيلة دفاعية يبتكرها العقل للحفاظ على البناء النفسي من الانهيار، ومن مواجهة آلامه ومن هنا كانت حيلة الأنكار “denial”  التي تجعل الأنسان يرى عيوب غيره، بينما ينكر تلك العيوب في نفسه وحيلة reaction” formation”  أو التكوين العكسي التي تجعل الفرد يعطى رد فعل مغاير لما يحب للتعمية عما يريد.. فمثلا المبالغة في نقد سلوك معين؛ تعكس حبا وشغفا لهذا السلوك ولأن النفس تعلم ضعفها إزاء هذا الفعل، فهي تتخذ تكوينا عكسيا لما تشعر به، وقد تجرنا تلك المقدمة للتوقف عند فيلم “أصحاب ولا أعز” وتحديد الموضوعات الرئيسية في هذا الفيلم، ومستويات طرح القضايا داخله وكذلك مستويات استقبالها على مستوى المجتمع.

سيجموند فرويد
سيجموند فرويد

أولاً: يطرح الفيلم قضية قدرة الفرد على قبول أخطائه أو أخطاء من حوله، ويرى أن كلا منا يعيش أكثر من حياة أو كما يسميها علماء النفس secret life , private & public life””  فهناك الحياة العامة والصورة المرسومة أمام المجتمع، ثم الحياة الخاصة والتي نفصح فيها عن بعض دواخلنا وأخيرا الحياة السرية التي نعيشها بمفردنا، ولا يعلم عنها أحد شيئا.. ويرى الفيلم أن لكل منا حياته السرية التي لا يعرفها إلا هو، ومع تطور الأدوات التكنولوجية أصبح “الموبايل” شريكا بل ورقيبا على تلك الحياة؛ لذا كان الموبايل هو أداة الكشف والفضح لصور المجتمع التي مثَّلها هذا الجمع من الأصدقاء.

ثانياً: مستوى طرح الموضوعات أتسم بتقنية التجاور Contiguity))  أو رصد أحداث متجاورة وغير مرتبطة ببعضها البعض، إلا أنها تتصل بالقضية الأكبر في الفيلم، وهي قضية الحقيقة وقدرتنا على مواجهة أنفسنا، حيث وجدنا في لحظة كشف عبثي أن مجتمع الأصدقاء والأزواج المتحاب والمنضبط والحر ليس إلا صورة باهتة لعلاقات مشبوهة و”غير شرعية” حيث يبحث كل فرد عن حقيقته /متعته / لذته في اتجاه مغاير لما يبدو عليه. فالزوجة المحبة والأم الوفيه تخلع”الأندر” قبل الخروج في حركة لافتة لإحساسها بأنوثتها وانطلاقها في حريتها.. وكذلك فهي تتحدث عبر الفيس بوك مع “stranger”  لم تقابله ويسألها عن ارتدائها “للأندر” و الفكرة المهيمنة وراء خلع “الأندر” هي أنها تعد تعبير عن الذات وانعكاس للإحساس بالهوية It’s a self-expression and a) (display of identity  لذا لا ينبغي النظر إليها كسلوك “”Odd  بل كرؤية للنفس، فالزوجة تعبر عن اشتياقها للتحرر والتخلص من الأعباء اليومية والنفسية التي لا نعلم عنها شيئا.. وهناك الصديق الذي يخون زوجته مع (صديقته/ صديقة زوجته/ زوجة صديقه) ثم هناك الزوجة (نادين لبكي) التي تعترض على مبيت ابنتها المراهقة مع صديقها، وهي تفعل وهي (الزوجة) تخون زوجها مع صديقها /صديق زوجها.  وهنا نجد النفس البشرية في ضعفها وتناقضاتها فما نلوم عليه الآخرين نستمتع به نحن وما نصادره على غيرنا نستأثر به لأنفسنا. فالأم التي رفضت سلوك ابنتها تفعل نفس السلوك مع صديقها بل ترتكب فعلا أشد وهو ارتداء القناع مع الزوج والبحث عن المتعة مع الصديق، ثم هناك الصديق الشاذ ((gay  الذي ينكشف أمره بالصدفة ويصبح ضحية للمجتمع وللجامعة التي فصلته لمثليته.

ثالثاً: الغريب في الفيلم هو النهاية التي تعد تعبيرا عن عصر الحداثة بكل سيولته القيمية حيث ينتهي الجميع إلى اللاشيء.. فالحياة تستمر والأصدقاء يتحاورون ويتبادلون أخبار “الماتش” والزوجة والزوج يعودان للمنزل متعانقين ويذهب الزوج (إياد نصار) إلى غرفته ليرى الصور العارية التي ترسلها له صديقته، وتذهب الزوجة (منى ذكي) إلى غرفتها لترسل شيئا ما عبر كاميرا الموبايل (يبدو أنها صورة عارية لجزء حساس بها) وهنا نتوقف عند تلك اللحظة الدرامية التي يستقبل فيها الزوج صورا عارية من صديقته في نفس الوقت الذي ترسل فيه زوجته صورا لها لشخص ما عبر المسنجر (لا يعرض الفيلم ذلك صراحة بل يوحي به في مشهد سريع وذو دلالة) وتستمر الأسرة وتستمر الخيانات وتستمر الحياة وتخبر الفتاة المراهقة أبيها بأنها ستبيت عند صديقها حتى لا يغضب منها إن هي رفضت الاستجابة له.

وأخيرا.. الفيلم حداثي بامتياز يناقش قضايا كبرى أولها قدرتنا على مواجهة أنفسنا وحقيقتنا وليس آخرها الإجابة عن السؤال الأكبر: من نحن؟ من أنا؟ هل أنا الأب الناجح؟ الزوجة المحبة؟ الأصدقاء المخلصون أم أننا نعيش في عالم “دارويني” يصبح فيه شعار “مفيش حد صالح كله بتاع مصالح” هو المهيمن والمحدد الأول لسلوكنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock