يعد أبو ذر (جندب بن جنادة) رابع أو خامس من دخل في الإسلام، ولقد شهدت حياته مواقف حادة و قوية تجاه السلطة و انحياز لصفوف المحرومين و الفقراء والمهمشين. وروى أنه لم يكن في الجاهلية يعبد الأصنام، كما كان يتمتع بصفات فروسية مشهود له فيها. وكان شجاعا يتفرد وحده، يقطع الطريق و يغير في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع. وقد ألبست بأبي ذر صفات و ألقاب كثيرة، إذ يعتبر من أوائل الاشتراكيين في الإسلام، وصفه عبد الحميد جودة السحار في كتابه أبو ذر الغفاري بأنه الاشتراكي الزاهد و بأنه أول ثائر ضد الرأسمالية في الإسلام. ولقد جاء وصفه بالثائر بسبب موقفه من الخليفة عثمان بن عفان و اختلافه مع معاوية بن أبي سفيان، مما أدى إلى تفاقم الأمور و نفي أبي ذر إلى الربذة حتى توفى بها. ولقد كان للنبي أثر كبير في حياة أبي ذر وذلك لقدم إسلامه و طول المدة التي قضاها مع النبي ، فقد روي أن أبا ذر قال ما ترك رسول الله شيئا مما صبه جبريل و ميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري. ولقد كان أبو ذر من السباقين للإسلام ،وكان متمرد الشخصية ذو نزعة ثورية .لذا وقف مع المحتاجين و الفقراء و قاد ثورة عارمة ضد الرأسمالية الأموية التي رسخها الخليفة عثمان بن عفان.
كان أبو ذر غزير العلم حتي قيل أنه كان يوازي عبد الله بن مسعود في علمه ،وكان لا يخاف في الحق لومة لائم،وكان يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر.بالإضافة إلى أنه كان معروفا بصدقه في قوله و عمله . وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق و أوفى من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم، كما كان يتصف بالزهد و عاهد نفسه على أن يحيا عليها إلى أن يلقى الله فلم تأخذ الدنيا وزخارفها حيزا من تفكيره و انشغاله ،وكان يرى الإقبال على الدنيا محنة و الابتعاد عن مباهجها نعمة.وكان شجاعا لا يهاب أحد إلا الله فقد كان من أوائل الصحابة جهرا بالقرآن.
الفكر الاشتراكي عند أبي ذر
لقد كان أبو ذر من أوائل من نادي بالاشتراكية و تحقيق العدالة بين الناس و تحقيق المساواة، ولقد كانت غايته و نزعته هي إغاثة الملهوف ورفع الظلم عن الفقراء والمحتاجين، والوقوف بجانب عامة الشعب من المعوزين و المعدومين والمهمشين. لذا نرى أن أبا ذر هو أول شخصية إسلامية نادت بالاشتراكية ووقف في وجه الخليفة عثمان بن عفان الذي رسخ للرأسمالية الأموية، وجعل الثروة تتكدس في يد أقاربه و عشيرته،على حساب باقي الرعية .
لذلك واجه أبو ذر ولاقى الكثير من المشاق و الإيذاء والنفي و الاستبعاد في سبيل مبادئه الاشتراكية ،التي نادي بها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة بين الناس.ولعل ثورة أبو ذر الاشتراكية كانت لها أسباب من أبرزها: 1-نزعته الثورية التي تحس بالمجتمع ومعاناته. 2-سياسة الخليفة عثمان الخاطئة و التي كانت غير ملتزمة في توزيع النفقات و الهبات و إنتاجية الدولة ،مما أدى إلى صعود القلة القليلة على حساب الأغلبية و أكثرية الشعب بمناصبهم و أموالهم الطائلة التي لا يعرف من مصدرها شئ و أخصهم بالذكر بنو أمية أقارب الخليفة و خاصة الذين كانوا يطلق عليهم الطلقاء ،وهم المسلمون الذين دخلوا في الإسلام بعد فتح مكة،أي إما جبرا أو رياء أو سمعة ، ففتح عثمان بيت المال على مصراعيه بخزائنه و أمواله وممتلكاته لهذه العصبة ،وفي ليلة و ضحاها ظهرت على السطح القلة التي تملك المال الكثير و الإسراف فيه و البذخ الجامح ،في حين أن الأغلبية كانت تعج بالفقر و العوز و الجوع تجعل من السماء لحافا و الأرض بساطا.
على سبيل المثال لا الحصر أعطى عثمان لمروان بن الحكم أموالا طائلة و أعطى أخاه الحارث بن الحكم ثلاثمائة ألف دينار عطية. من أجل هذا ثار أبو ذر الغفاري و رفع شعار ثورته في وجه عثمان وبدأ يندد بالسياسة الخاطئة المتبعة والتي قامت على كنز الأموال و إعطاء الثروات لأشخاص معدودة مقربة من الحاكم و عدم توزيعها على الشعب بالعدل.
خاف عثمان من أن يقلب أبو ذر الشعب عليه ، فبعثه إلى معاوية في الشام ،فوجد أبو ذر معاوية يسلك نفس السبيل من اكتناز الأموال و القصور و الضيعات. ومن هنا أخذ أبو ذر ينادي بأفكاره الاشتراكية علنا في الشام ،ويندد بسياسة معاوية أيضا، ولم يصبر عليه معاوية و بعثه مرة أخرى إلى المدينة . وظل أبو ذر يكرر تبشير الأغنياء بمكاو من نار تكوى بهم جباههم و جنوبهم و ظهورهم ،وظل ينتقد سياسة عثمان حتى ضاق به عثمان و أمر بنفيه إلى صحراء الربذة هو و ابنته و زوجته حتى مات غريبا و حيئا في سبيل مبادئه الاشتراكية و كانت ثورة أبو ذر أحد أسباب ثورة الشعب على عثمان.
جهاده ضد الراسمالية الأموية
خرج أبو ذر إلى معاقل السلطة و الثروة يغزوها بمعارضته ،وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير و الكادحون ،وكان إذا نزل بأرض ردد قول اله تعالي( والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)(التوبة-34 -35) ولقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة و رهبة وهي الشام حيث يحكم معاوية أرضا من أكثر بلاد الإسلام خصوبة و خيرا و فيئا ،ويستشعر معاوية الخطر ،وتفزعه كلمات الثائر الجليل ،ولكنه يعرف قدره فلا يمسه بسوء، و يكتب إلى عثمان فيأمر بنفيه إلى الربذة حيث مات هناك.
رفع أبو ذر الغفاري شعار الاشتراكية من أجل الشعب ووقف ضد الرأسمالية الأموية التي رسخها الخليفة عثمان بن عفان. لقد عاش أبو ذر من أجل الفقراء و المهمشين و المحتاجين ووقف ضد السلطة الحاكمة ،ودافع عن مبادئه في سبيل العدالة الاجتماعية و إعادة توزيع الثروات بالعدل و المساواة. لقد كافح و جاهد في سبيل مبادئه حتى الرمق الأخير وحاول أن يرد الظلم و البغي عن الشعب ووقف دائما إلى جانب المقهورين