عرض وترجمة: أحمد بركات
كان تنظيم الدولة الإسلامية ممثلا في تونس كجماعة معترف بها رسميا من قبل التنظيم، لكنه لم يرق إلى مستوى الولاية. وبرغم الهجمات المتقطعة من قبل أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية التونسي، إلا أن ظهوره في القارة شهد تراجعا حتى قبل سقوط بلدة الباغوز، آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، في مارس 2019، وموت زعيم التنظيم، ابو بكر البغدادي في أكتوبر 2019، ومن ثم فإن الخسائر التي تكبدها تنظيم الدولة المركزي في العراق والشام لم تنل من مسار حظوظ الجماعة في تونس.
ففي العام التالي للثورة التونسية في 2010 – 2011، انطلق النشطاء في تنفيذ مشروع عسكري من خلال شراء السلاح وتأسيس بنية تحتية لوجستية، ووضع أسس تمرد طويل الأمد منخفض المستوى في المناطق الجبلية المتاخمة للجزائر، وحملة إرهاب لاحقة في المناطق الحضرية.
وأسفر التعاون بين “حركة أنصار الشريعة” التونسية و”تنظيم القاعدة في في بلاد المغرب الإسلامي” عن تأسيس “لواء عقبة بن نافع” (KUBN)، الذي أصبح فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في تونس.
ومع تزايد تجرئه وعنفه وتحديه للدولة، قامت حكومة “الترويكا” التي يقودها إسلاميون بحظر تنظيم أنصار الشريعة في عام 2013، وشنت ضده حملة قمعية، ما دفع بالعديد من أعضائه إلى العمل في السر، أو التحول إلى مقاتلين أجانب في دول مثل العراق وليبيا وسوريا.
وبرغم أن “حركة أنصار الشريعة” سرعان ما تحولت إلى حركة شبه ميتة، بقي بعض أعضاؤها يدورون في فلك تنظيم القاعدة كجزء من “لواء عقبة بن نافع”، وإن كان في السر. لكن الغالبية الغالبة منهم وجدت صدى لأفكارها في رسالة تنظيم الدولة.
فقد أعلن موقع “أفريقيا للعالم”، والذي كان منفذا إعلاميا للجهاديين التونسيين، تأييده لتنظيم الدولة في سبتمبر 2014، كما تطور الميل تجاه تنظيم الدولة الإسلامية الذي ظهر داخل “لواء عقبة بن نافع” الموالي لتنظيم القاعدة إلى جماعة موالية لتنظيم الدولة الإسلامية، حملت اسم “جند الخليفة” (JAK-T).
وبرغم الاعتراف بها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية المركزي في العراق وسوريا، لم ترق جماعة “جند الخليفة” إلى مرتبة “ولاية”.
https://www.youtube.com/watch?v=jLxmLAczm0Y
وفي عام 2015، نفذ نشطاء تنظيم الدولة الإسلامية سلسلة من الهجمات الإرهابية الكبرى التي استهدفت مواقع سياحية وبعض أفراد الأمن، مثل متحف باردو في تونس العاصمة، ومنتجع ميناء القنطاوي السياحي بالقرب من سوسة، والتفجير الانتحاري في حافلة تابعة للحرس الرئاسي في وسط العاصمة تونس. كانت هذه الهجمات تستهدف صناعة السياحة الحيوية في تونس.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، في بلدة صبراتة الليبية، خطط مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية، ونفذوا هجمات 2015 السابق ذكرها ضد المواقع السياحية في باردو وسوسة، وهجوما في عام 2016 في محاولة للاستيلاء على مدينة بن قردان الحدودية التونسية.
كان هذا الهجوم يستهدف بناء إمارة تمتد عبر الحدود التونسية الليبية. ولو نجح هذا الهجوم، لمثل لحظة “تجاوز الحدود” لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية التونسيين، ليكرروا بذلك إنجاز إخوانهم على الحدود بين العراق وسوريا في يونيو 2014. لكن مشروع إقامة ولاية فشل بسبب الهجوم المعاكس الذي شنته قوات الأمن التونسية ونقص الدعم المحلي.
ثم كان عام 2015 – 2016 بمثابة علامة فارقة بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية في تونس. فبرغم جهوده السابقة لإقامة ولاية للدولة الإسلامية قابلة للحياة، تمكنت جهود مكافحة الإرهاب في تونس منذ عام 2015 من إضعاف شبكة الدولة الإسلامية التي هددت تونس، مستفيدة من خبراتها المتزايدة وقدراتها على مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب والدعم الدولي الذي حصلت عليه لبناء قدراتها، بما في ذلك التدريب والمعدات والمستشارين العسكريين، والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تجلى ذلك من خلال زيادة الخسائر في صفوف المتشددين، وتراجعها في صفوف القوات الحكومية. ومع ذلك، لم تُجل القوات التونسية جماعة “جند الخليفة”، أو نظيرتها “لواء عقبة بن نافع” القاعدية عن أرض تونس.
وبينما لم يكن هناك هجمات واسعة النطاق من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في تونس منذ أحداث 2015 – 2016 السابق ذكرها، إلا أن التنظيم نوع من أسلوب عمله. فمنذ عام 2018، تضمنت هجماته حريقا متعمدا لضريح، وتفجير خط أنابيب غاز، وهجوم باستخدام دراجة بخارية، وعملية اغتيال، وعمليات سطو على البنوك، بالإضافة إلى اشتباكات مسلحة واستخدام للعبوات الناسفة.
وقبل سقوط الباغوز بشهر واحد، صعد مسلحو تنظيم الدولة في تونس من أنشطتهم، وهو ما تجلى في سلسلة من الهجمات بالعبوات الناسفة، وعمليات قطع الرؤوس. وأشارت النقطة المحورية لهذه الهجمات، حول جبل أورباتا في ولاية قفصة في جنوب تونس، وهي المنطقة التي لم تكن شهدت في السنوات الأخيرة سوى عدد قليل من الأنشطة المتفرقة، إلى أن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في تونس كانوا يسعون إلى تمديد نطاق عملياتهم، أو نقلها إلى جبال تونس الغربية.
وفي عامي 2019 و2020، استمرت سلسلة الهجمات، برغم تقطعها. ففي يونيو 2019، وقع تفجير انتحاري مزدوج في تونس استهدف قوات الأمن، كما وقع تفجير انتحاري آخر في يوليو 2019، في العاصمة أيضا. وفي مارس 2020، استهدف انتحاريان سيارة دورية تابعة لقوات الشرطة بتفجير دراجتهما النارية المفخخة في منطقة بيرجس دو لاك، بالقرب من السفارة الأمريكية في تونس. كما تم تنفيذ عمليات اغتيالات استهدفت عناصر شرطية، مثل العملية التي وقعت في يوليو 2020 في سوسة.
وبرغم هذه الهجمات المتكررة، اكتسبت القوات التابعة للدولة التونسية خبرات كبيرة على مر السنين، وطورت قدرات ونهجا أكثر شمولا لإضعاف شبكة الدولة الإسلامية ونظيرتها القاعدية. ومع ذلك، فإن الدعم بأعلى نسبة من المقاتلين الأجانب، وقاعدة الداعمين المحليين الواسعة، والسجون المكدسة التي توفر مرتعا خصيبا للتطرف، والشبكة المتنوعة والديناميكية التي طورها تنظيم الدولة الإسلامية ستعمل جميعها على الأرجح على تجديد صفوف المقاتلين، خاصة مع احتمال استمرار هشاشة الأمن التونسي. وبذلك تظل جماعة “جند اخليفة” تمثل تهديدا ربما غير خطير في تونس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاسون فارنر – أستاذ مساعد في قسم العلوم الاجتماعية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت”.
ريان أوفاريل – باحث متخصص في القضايا الأمنية في أفريقيا والشرق الأوسط
هيني نسيبيا – باحث أول في “مشروع موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث” (ACLED)
ريان كومنجز – مدير شركة “سيجنال ريسك” الاستشارية لإدارة المخاطر السياسية والأمنية
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الصلي باللغة الإنجليزية من هنا