رؤى

تنامي الإرهاب: التركيز على أفكار التطرف واستخدام الإنترنت بكثافة أهم من الفقر والمرض النفسي

ظاهرة التطرف والإرهاب قديمة  وهي لم تبدأ  بالقاعدة وداعش ولن تنتهي بهما . وقد عرف  العالم  الغربي  نفسه العديد من نماذج التطرف والإرهاب التي شاعت في اوروبا  عبر ازمنة مختلفة ، وليس أدل على ذلك مثلا من «التنظيم المسلح الفرنسي» الذي يُعد من أبرز المجموعات الإرهابية اليمينية التي نشطت بداية من عام 1952 حتى عام 1962 وناهض بشدة مجمل الأفكار الداعية لتحرير الجزائر حيث كان ينظر لإنهاء الإحتلال الفرنسي للجزائر بوصفه «تهديدا وجوديا لأمن الأمة الفرنسية» ومن ثم شن ذلك  التنظيم العديد من العمليات الإرهابية ضد ممثلي الحركات الداعية لإستقلال الجزائر سواء كانوا من الفرنسيين أو الجزائريين.

البروفيسور «أندرو سيلك» الخبير النفسي البريطاني المتخصص في مجال بحوث الإرهاب في الكتاب الذي حرره وشارك في إعداده مع عدد من الباحثين النفسيين وجاء تحت عنوان: «سيكولوجية مكافحة الإرهاب» الذي نقله للعربية دكتور هشام حنفي العسلي يطرح عددا من القضايا الخاصة بسبل فهم سيكولوجية الإرهابيين وطبيعة الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص نحو الإنجذاب لعالم الجماعات الإرهابية ودور وسائل الإتصال الحديثة ووسائل الإعلام في نشر الفكر الإرهابي وفي مكافحته وآليات دعم سياسات مكافحة الإرهاب وذلك انطلاقا من أن كون الإرهاب ظاهرة عالمية لا تقتصر على مجتمع بعينه.

سيكولوجية مكافحة الإرهابالتطرف اخطر من الخلل النفسي في انتهاج خط الإرهاب

استهل أندرو سيلك تقديمه للكتاب بالإشارة إلى تعدد الدراسات النفسية التي حاولت تقديم تفسير لأسباب إعتناق شخص ما للفكر الإرهابي وارتكاب جرائم قتل او تفجير دموي مؤكدا على أن كثيرا من البحوث التي أجريت على العلاقة بين الإرهاب والمرض النفسي قد اجمعت على إستنتاج عام مفاده أن المرض العقلي أو النفسي ليسا عاملين حاسمين في تحديد السلوك الإرهابي .

حيث كشفت نتائج تلك البحوث عن أن نسب إنتشار المرض العقلي بين السجناء المدانين بإرتكاب جرائم إرهابية منخفضة أو أقل مما لدى غيرهم من السجناء وأنه – ورغم أن الإرهابيين يرتكبون أعمالا دموية شنيعة- إلا أن ذلك لا يعني أنهم يندرجون تحت فئة «السيكوباتيين» المعتادة وذلك لكون هؤلاء الإرهابيين عادة ما يلتزمون بعدد من الأفكار الايدلوجية المتطرفة التي تبيح لهم العنف والقتل وأن تاثير هذه الافكار الدموية اخطر من تأثير المرض النفسي.

فهم  وفقا لهذه المبادىء أو الأيديولوجيا يوثقون صلاتهم مع آخرين من ذات الجماعة أو مع مجموعات إرهابية أخرى تعتنق ذات الافكار  المتطرفة وهو الأمر الذي يعجز عنه «السيكوباتيين».. فهم بطبيعة مرضهم لا يمتلكون القدرة على توثيق علاقتهم بالآخرين كما أنه من غير المرجح أن يضحي الأشخاص «السيكوباتيين» بأنفسهم – بتفجيرات انتحارية ضد أبرياء – في سبيل ايدلوجية يعتنقونها .

هل للفقر علاقة بالإرهاب؟

الكتاب يؤكد على وجود علاقة ما بين الفقر ودخول عالم الإرهاب إلا أن تلك العلاقة ليست شرطية  وليس أدل على ذلك من كون الإرهابيين يأتون من خلفيات اجتماعية مختلفة تشمل ذوي الوضع الإجتماعي المتوسط والمرتفع جنبا إلى جنب ذوي الوضع الإقتصادي المتردي وتتنوع بالمثل مستوياتهم التعليمية ويتأكد ذلك من كون بعض المشاركين بتفجيرات لندن عام 2005 على سبيل المثال كانوا من الأطباء.

على الجانب الآخر مازالت بعض أدبيات دراسة عالم الإرهاب تنظر للفقر بوصفه أحد المحددات  للدخول  إلى عالم الإرهاب ويعتقد بعض الباحثين بأن التركيز  المتزايد للجماعات المتطرفة  المحافظة بطبعها على افكار  الأصولية الدينية غالبا ما يأتي  كوسيلة منها وهي الاقرب لليمين لتجنب طرح قضايا الصراع  الاجتماعي الحقيقية  وما تتضمنه من اتساع تلك الفجوة الطبقية  الإقتصادية بين مختلف فئات المجتمع وأطيافه.

هل للسياسات الدولية علاقة بالتجنيد للإرهاب؟

بعد وقت قصير من وقوع عملية إرهابية داخل لندن يوم 7 يوليو عام 2005 تم إجراء استطلاع للرأي على عينة مكونة من «1.506» شخص وكشفت نتائج الإستطلاع عن أن 64% من العينة المستطلَعة يعتقدون بأن تورط بريطانيا في الحرب على العراق زاد من مخاطر وقوع هجمات إرهابية مشابهة للهجمات التي تعرضت لها لندن يوم 7 يوليو.

الباحثون في مجال قضايا الإرهاب كثيرا ما ينظرون إلى أن جذوره تنبع من داخل البيئة المحلية ويندر ان  ينظر هؤلاء الباحثون إلى المنظور العالمي الأوسع غير أن «برايتون» في دراسته التي أجراها عام 2007 يؤكد على أنه إذا كان فهم التطرف يستوجب أخذ السياسات المحلية والعلاقات المجتمعية الداخلية في الحسبان فإنه من الواجب أيضا إدراك أن فهم التطرف العنيف والتشدد الأصولي فهما متكاملا ينبغي أن يأخذ في الحسبان استفادة قادة الجماعات الارهابية من كوارث السياسة الدولية الغربية .

استخدام جماعات الإرهاب المكثف لوسائل الإتصال والإعلام

«أقول لكم: إننا في معركة، ويدور الجزء الأكبر منها في ساحة وسائل الإعلام .. ونشن حربنا هذه لكسب قلوب وعقول أبناء أمتنا« .. بتلك العبارة لأيمن الظواهري التي ألقاها عام 2005 انطلق الكتاب في طرح قضية طبيعة العلاقة التي تربط ما بين وسائل الإعلام وعالم الإرهاب مشيرا إلى أن الجماعات الإرهابية المعاصرة  باتت تستخدم الإنترنت استخداما واسع النطاق حيث تعتمد عليه في تجنيد الشباب والتغرير بهم كما تستخدمه في التواصل الداخلي ما بين أعضاء الجماعة كما تعرض عبره الأفكار الخاطئة عن الدين التي تسوغ ظلما للارهاب وتعيد بناء سرديتها  الخاصة عن جذور الصراع وأبعاده ودوافع استخدامها للقتل والتفجير  إضافة لطرح المناقشات الموسعة حول أهداف الجماعة الأمر الذي يمنح أعضاءها فرصة لإشراك المستهدفين من الشباب المحبط في النقاش ومن ثم في تجنيد وضم ارهابيين  جدد.

بذات السياق تسخدم الجماعات الإرهابية مختلف وسائل الإعلام التقليدية في نشر دعوتها والترويج المحموم لأفكارها المتشددة ومن ثم جذب المتعاطفين  فما من جماعة إرهابية إلا ولديها مسؤولون عن إعداد المواد الدعائية الايدلوجية وتوزيعها ونشرها فيما يعُرف بمهام «العلاقات العامة».

الإرهاب والانترنتمشاكل الاندماج والهوية بوابتا الدخول لعالم الإرهاب

باحثو الإرهاب يؤكدون على ذلك الدور الذي يلعبه  مثلا التمييز ضد أولاد المهاجرين الي الدول الغربية وصعوبات الاندماج ومشاكل الهوية التي يواجهونها في  الشعور بالهوية الوطنية  في تسهيل اصطيادهم من جماعات الارهاب والولوج لعالم  الإرهاب حيث تلعب الهوية دورا جوهريا في مختلف مراحل التطرف فانضمام شخص ما لجماعة إرهابية إنما يعود وقبل أي شيء أخر لشعوره بالإنتماء لهذه المجموعة  التي تلعب علي وتر التمييز والمظالم ولا يرى مخرجا للخلاص من تلك المظالم سوى باللجوء للإرهاب مثله مثل بقية أفراد تلك الجماعة.

يستشهد  الكتاب بذلك التفسير الذي قدمه هاماك عام 2008 لطبيعة العوامل المتضافرة التي تفسر بروز هوية محددة لدى شخص وهيمنتها على ما عداها من الهويات وعدم بروزها لدى غيره من الأشخاص مشيرا إلى أن الفروق الفردية في الهوية الثقافية باعتبارها مزيجا من العوامل المعرفية والإجتماعية والثقافية يتم تأسيسها في ظل سرديات وأطر شخصية ويعاد تأسيسها مع مُضيِّ الحياة في ضوء مجموعة الخبرات التي يمر بها الشخص وما يدخل فيها من تفاعلات اجتماعية وهو ما يوحي بأن مجموعة الخبرات التي يتعرض لها الشخص قبل انضمامه للجماعة الإرهابية قد تيسر عملية الانضمام لتلك الجماعة  وقد تعرقل عملية التماهي تلك ولذلك يجب ان تتمركز  عملية بناء استراتيجية لمكافحة الإرهاب على مساعدة تلك العراقيل التي تعوق التماهي مع الجماعة الإرهابية النابعة من الخبرات السابقة وبالتالي تمنع انضمام الشخص الي الجماعة الارهابية فمد جسور المجتمع الثقافية مع جماعات الأقليات ودعم عمليات الاندماج الوطني علي سبيل المثال من شأنه أن يدعم نبذ التطرف واللجوء للإرهاب.

الكتاب في مجمله يؤكد على أن معركة «الاستحواذ على العقول وكسب القلوب» تعد العنصر الأكثر فاعلية في أي استراتيجية وطنية  لمكافحة الإرهاب ومن ثم ينبغي على مختلف المجتمعات أن توجه سياستها الإعلامية والثقافية على نحو يدحض مجمل الأفكار المتطرفة ويغرس مكانها منظومة من الأفكار المستنيرة التي تدعم الإنتماء للمجتمع الكبير وثقافته مع إتباع منظومة من السياسات التي تقوم على الحد من الحرمان الإقتصادي والحد من  التمييز الإجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock