عرض وترجمة: أحمد بركات
في مايو القادم، من المفترض أن تسحب الولايات المتحدة ما تبقى من قواتها العسكرية في أفغانستان بموجب الاتفاق الذي تم توقيعه مع طالبان في الدوحة في العام الماضي. لكن العنف يتصاعد، ولم يحقق الحوار الداخلي في أفغانستان الذي نص عليه اتفاق الدوحة بين طالبان والحكومة الأفغانية أي تقدم يذكر. وفي حال غادرت القوات الأمريكية أفغانستان، فقد تتخلى طالبان عن اتفاق السلام وتستولي على السلطة.
يمكن القول أن هذا سيكون “المهمة الناجحة” بالنسبة لباكستان التي دعمت هذه الجماعة المسلحة منذ نشأتها في تسعينيات القرن الماضي لبناء عمق استراتيجي في أفغانستان ومواجهة النفوذ الهندي هناك، خاصة ان الحكومة الأفغانية تحتفظ بعلاقات وثيقة مع نيودلهي، وسيتسبب خروجها من السلطة في الإضرار بمصالح الهند.
رغم ذلك، يبدو أن إسلام أباد تريد انسحابا أمريكيا “مسؤولا”، حيث أصرت في أكثر من مناسبة على أنها تفضل إدارة في كابول تضم عناصر من مختلف الانتماءات والتوجهات. ربما تمثل هذه محاولة من قبل باكستان لتجنب الاتهامات بدعم طالبان، لكن باكستان في واقع الأمر لديها أسباب وجيهة تجعلها تعارض استيلاء الجماعة المتشددة على مقاليد البلاد، وعودة الحكم الثيوقراطي.
مصالح مشتركة .. ولكن
وكما أشارت تريشيا بيكون، المسؤولة الأمريكية السابقة في مجال مكافحة الإرهاب: “برغم أن باكستان وطالبان تجمعهما مصالح مشتركة راسخة، إلا أن هذه المصالح لم تتمخض عن علاقة صداقة. فالمؤسسة الأمنية الباكستانية غالبا ما تنظر إلى طالبان أفغانستان بازدراء، بينما تشعر طالبان بامتعاض في كثير من الأحيان من تدخل باكستان”.
وعلى مدى سنوات، حاولت إسلام أباد ممارسة بعض الضغوط على حركة طالبان. كان ذلك في كثير من الأحيان بناء على طلب من واشنطن. فقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر طلبت الولايات المتحدة من باكستان الضغط على الزعيم الطالباني السابق، الملا عمر، لتسليم أسامة بن لادن، وهو ما رفض الملا الطالباني الانصياع إليه. ومن جانبه، حاول الرئيس الباكستاني السابق، برفيز مشرف، أيضا منع طالبان من تدمير تماثيل بوذا في باميان، ولكن محاولاته باءت بالفشل.
واستمرت جهود تقوية طالبان بعد سقوط الجماعة من السلطة. وعندما وصل الصراع الأفغاني إلى طريق مسدود، وبدأت الولايات المتحدة في سبر أغوار الحل الدبلوماسي، تم استدعاء إسلام اباد من أجل إحضار طالبان إلى مائدة المفاوضات. لكن طالبان التفت على باكستان وفتحت محادثات سرية مع الحكومة الأفغانية.
أثار هذا غضب باكستان، التي أرادت التحكم في المفاوضات. وشرعت المخابرات الباكستانية في معاقبة طالبان من خلال اعتقال نصف قياداتها في عام 2010، وشملت القائمة نائب الأمير الحالي، الملا بردار. وزُعم أن بعض عناصر طالبان تعرضوا لسوء معاملة في الحجز الباكستاني، وربما مات أحدهم، وهو الملا عبيد الله، وزير الدفاع السابق، تحت التعذيب.
لذلك، بينما استضافت باكستان طالبان وساعدتها، حاولت أيضا في بعض الأحيان التنمر عليها وترهيبها. وقد فعلت هذا جزئيا بناء على طلب من الولايات المتحدة، وانحازت فعليا بقوة إلى جانب عدو طالبان الرئيسي. كما قدمت إسلام أباد مساعدات حاسمة للحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة، والتي أسقطت الجماعة من السلطة في عام 2001.
كما قامت باكستان بتسليم المسلحين المعتقلين إلى الولايات المتحدة، بمن فيهم سفير طالبان السابق لدى باكستان، الملا ضعيف، الذي تم نقله إلى خليج جوانتانامو. وفي مذكراته، هاجم ضعيف باكستان وجهازها الاستخباراتي، وشوه صورتهما، ما طبع آثارا عميقة على اللقاءات اللاحقة مع أعضاء طالبان.
وبعبارة أخرى، توجد نقاط ملتهبة كثيرة تغشى العلاقة بين الجماعة المسلحة والراعي الباكستاني، والتي يمكن أن تؤثر سلبا على استمرار هذه العلاقة في المستقبل. وبوجه عام، يُنظر إلى باكستان بقدر غير قليل من الريبة في أفغانستان، وستتوافر المحفزات السياسية للنظام الطالباني لفصل نفسه عن إسلام اباد لكسب تاييد شعبي محلي.
وفي تسعينيات القرن الماضي، لم تخضع طالبان لإسلام أباد، واقتفت أثر الحكومات الأفغانية السابقة في رفض “خط دوراند”، وهو الحدود المتنازع عليها مع باكستان. كما أصر مقاتلو طالبان في الآونة الأخيرة على أن مناطق الباشتون في باكستان تنتمي إلى أفغانستان.
قد يمثل هذا نقطة ساخنة حال عودة طالبان إلى الحكم، خاصة وأن باكستان تبني سياجا حدوديا على طول خط دوراند الذي يقطع الأراضي القبلية، ويفصل العائلات، ويعرقل النشاط الاقتصادي. ويبدو أن طالبان حاولت منع بناء السياج في بعض الأماكن.
وقد يستضيف نظام طالبان أيضا الجماعات المسلحة المعادية لباكستان. كانت إسلام أباد قد تبنت استراتيجية مزدوجة مع المسلحين حيث دعمت البعض، مثل طالبان أفغانستان وعسكر طيبة، وغيرهما من الجماعات التي تعزز مصالحها، وعارضت آخرين، مثل القاعدة وطالبان باكستان وغيرهما من الجماعات التي تهاجم الباكستانيين.
لكن طالبان لم تقبل بهذا النهج. فبينما عارضت الجماعة فعليا تنظيم الدولة الإسلامية، استمرت في إيواء القاعدة ولم تدن أو تهاجم طالبان باكستان، التي سعت للحصول على ملاذ لها في أفغانستان بعد ان طردها الجيش الباكستاني من المناطق القبلية في عام 2014.
مصدر قلق
وبين عامي 2007 و2015، تسببت حركة طالبان باكستان في إرهاب الدولة الباكستانية من خلال هجمات متكررة أدت إلى وقوع إصابات جماعية. ومن ثم فإن احتمال وجود حركة طالبان باكستان في حالة نشاط ودعم من قبل طالبان أفغانستان يمثل مصدر قلق بالغ للقيادة الباكستانية. كما يمثل أيضا خبرا غير سار للصين التي تعرض عمالها في باكستان لهجوم من قبل الجماعة.
وفي حال عودة طالبان إلى السلطة، وعودتها إلى إيواء المتطرفين، على غرار ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، فسوف تستدعي الولايات المتحدة باكستان مجددا للضغط على طالبان لطرد ضيوفها. لم يفلح هذا من قبل، وربما لا يفلح أيضا في هذه المرة. وفي هذه الحالة، سيلقى باللوم على باكستان، وقد تتضرر العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان نتيجة لذلك، ما سيلقي بإسلام أباد مجددا في أحضان الصينين.
لا شك أن نفوذ إسلام اباد على طالبان سيكون أقل هذه المرة مما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت باكستان واحدة من ثلاث دول فقط تعترف بحكومتها. أما في الآونة الأخيرة، فقد أقامت طالبان اتصالات دبلوماسية مع معظم دول المنطقة، بما في ذلك الأعداء السابقين مثل إيران وروسيا وقطر، حيث يوجد مكتبها السياسي.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا