رؤى

هواة جلد الذات

ثمة أمر يحيرني كلما طالعت منشورات بعض بني جلدتي من المصريين والعرب على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت اعلام عصرنا هذا وهو : لماذا كلما وقعت جريمة أخلاقية ما مما يندى لها الجبين (قتل – اغتصاب – تحرش…الخ) بادر نفر غير قليل من قومنا من مستخدمي هذه المواقع إلى اعتبار ان هذه الحادثة ترجع إلى شيء ما متأصل في داخلنا نحن العرب؟

ويتسابق هذا النفر الى ادانة – لا مرتكب/مرتكبة الإثم فقط –  وانما إدانة مجتمعات برمتها وثقافة بأسرها باعتبار ان هذا الاثم أو تلك الجريمة هي -وفقاً لمنطقهم- انعكاس طبيعي وامتداد متوقع للثقافة العربية التي لا يرون فيها إلا كل ما هو سلبي.

فهي في عُرف هذا النفر ثقافة ذكورية بامتياز٫ تقدس الاستبداد وتبرر القتل و تشرعن الجريمة وتنشر اللامبالاة وهي المسؤول عن كل ما نحن فيه.

شوارع القاهرة
شوارع القاهرة

ازدواجية قميئة

المدهش في هذا النهج – في رأيي الشخصي- هو مدى تشابهه الى حد التطابق مع نهج لاحظته اثناء اقامتي في الولايات المتحدة في تغطية الإعلام الأمريكي المملوك للشركات الكبرى لكل ما يجري في منطقتنا العربية٫ فحين يقرر عراقي أو فلسطيني  – على سبيل المثال- أن يحول جسده إلى قنبلة بشرية٫ فهذا ليس اثمه وحده وانما هو إثم ثقافته الدموية وديانته التي تشرعن له قتل البشر.

والطريف هنا أن ذات الإعلام الامريكي الذي كان يدين ثقافة بأسرها إن كان معتنقوها من غير البيض كان يسارع في الوقت ذاته لتبرير ذات الجرائم إن كان مرتكبوها بيضاً٫ فقيام امريكي ابيض بارتكاب مجزرة في كنيسة للسود في مدينة تشارلستون مثلاً هو أمر لا علاقة له من قريب من بعيد بالثقافة الامريكية وانما هو فعل هذا الشخص وحده لا غير لكونه يعاني من مشاكل نفسية ما او مرض عقلي٫ وهو التفسير الذي لا يستخدم قط ان كان مرتكب الجريمة عربياً اسمر او افريقياً اسود٫ وكآن هذه الشعوب يتمتع أفرادها بمناعة ما ضد الامراض النفسية والعقلية.

والأمر ذاته يتكرر مع حوادث إطلاق النار العشوائية خاصة تلك التي تقع في المدارس٫ إذ يهرع الإعلام الأمريكي بقنواته المختلفة لنفي فكرة أن يكون هذا الحدث نتاجاً للسياسات المرتبطة بالحق في حمل السلاح بل يحمل المسؤولية برمتها للمراهقين الذين أطلقوا النار على زملائهم ملقياً باللوم على الموسيقى التي يسمعونها  أو الأفلام التي يشاهدونها!

وحين صدم العالم باسره حين تسربت صور تظهر تعذيب الجنود الأمريكيين لسجناء أبو غريب او معتقل غوانتامو٫ رفضت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت اعتبار هذا الأمر سلوكاً عاما للجيش الأمريكي معتبرة ان هذا فعل بضعة جنود لا اكثر.

ومن الطريف حقاً أن بني وطننا الذين يشبعون أنفسهم وذاوتهم جلداً كلما وقعت فاحشة ما ويتعاملون معها باعتبارها جريمة عربية بامتياز او كانها قاصرة على هذه المنطقة من العالم٫ لا يطرحون نفس المنطق حين يتعلق الامر بالكيان الصهيوني الذي تشير الأرقام إلى تصاعد مٌلفت لجرائم الاغتصاب فيه وأنها باتت أعلى بنحو 10 بالمئة من المعدلات العالمية لهذا النوع من الجرائم٫ الا ان احداً في كيان العدو لا يُرجع هذا النمو المطرد لطبيعة ما في صهاينة الكيان او حتى الى الايديولوجيا الصهيونية  ذاتها.

إن منطق لوم الجميع على ما يرتكبه البعض ينافي أبسط قواعد العقل٫ فلو أن هذه الجرائم أمر طبيعي في ثقافتنا فلم استقبلها الرأي العام بصدمة وذعر؟ كما ينافي مبدأً قرانياً واضحاً هو  أنه “لا تزر وازرة وزر أخرى”.

إن اصرار بعض بني قومنا على هذا النهج تماما مثل إصرار بعضهم الآخر على اعتبار الجرائم الداعشية افرازاً طبيعياً للفقه الاسلامي باكمله وليس لانتقاءات متعسفة وخاطئة من عقول متطرفة لجزءمن ميراث هذا الفقه . ان منهج تسويد وتسفيه ثقافة الامة دون فرز لجوانبها الايجابية العظيمة والتخلي بشجاعة عن سلبياتها انما يمهد الأرض أمام التدخل الأجنبي السافر او المستتر في شؤون بلداننا ٫ فطالما أن ثقافتنا معطوبة فإنها تكون بحاجة لمخلص خارجي يستبدلها بثقافة مغايرة٫ واتصور ان نموذجيْ سوريا وليبيا ومن قبلهما العراق قد أوضحت بما فيه الكفاية ماجره علينا من ويلات استجداء البعض واستدعاء البعض ومنهم العديد من الحركات والقيادات الاسلاموية لذلك المخلص الأجنبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock