رؤى

أمريكا والآسيويون: تاريخ من التعصب

“انه فيروس صيني”!
بهذه الكلمات وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مؤتمر صحفي فيروس كورونا الذي اجتاح العالم من اقصاه الى اقصاه ليطلق بذلك التصريح العنان لموجة من المشاعر المعادية للآسيويين أو ذوي الأصول الآسيوية في الولايات المتحدة لاسيما المنحدرين من أصول صينية.

وبلغت هذه الموجة  ذروتها  في شهر مارس الجاري حين فتح شاب امريكي ابيض النار على عده مراكز للتدليك في مدينة أتلانتا الأمريكية تديرها سيدات ذوات أصول آسيوية لتكون النتيجة ثمانية من القتلى.

الا ان هذا الحادث على بشاعته ليس الأول ولا الأسوأ في تاريخ علاقة الولايات المتحدة بمواطنيها من ذوي الأصول الآسيوية.

عنصرية قديمة

فمنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ومع بدء وصول موجات متعاقبه من المهاجرين الآسيويين وخاصة الصينيين إلى سواحل الولايات المتحدة الأمريكية٫ قٌوبل هؤلاء بمزيج من الرفض والعنصرية من قبل الأمريكيين البيض.

وحين حاول المهاجرون الصينيون التوجه غرب الولايات المتحدة للحاق بما عُرف في ذلك الوقت  ب “حمى الذهب” او السعي المحموم للبحث عن الذهب في تلك المنطقة فإنهم في كثير من الأحيان كان يتم طردهم من المدن التي يقيمون بها بزعم أن وجودهم سيؤثر سلباً على أجور العمال البيض العاملين في المناجم.

وفي عام ١٨٧١ وفي أحداث عنف دامية شهدتها مدينة لوس أنجلوس الأمريكية٫ قتل متعصبون بيض نحو ١٨ صينياً٫ وهو ما تكرر في عام ١٨٨٥ في مدينة “روك سبرنجز” في ولاية وايومنغ حين قتل المتعصبون نحو ٢٨ صينياً من عمال المناجم في المدينة وأصابوا ١٥ آخرين فضلاً عن إحراق الحي الصيني في المدينة عن بكرة أبيه.

عمال مناجم اسيويون
عمال مناجم أسيويون

بل إن التمييز ضد الآسيويين  كان قد امتد إلى كل من  المؤسستين التشريعيه والقضائيه على حد سواء٫ حيث أصدرت المحكمة العليا في ولاية كاليفورنيا حكماً في عام ١٨٥٤ يقضي بعدم أهلية شخص آسيوي للشهادة ضد شخص أبيض في قضية جنائية.

وفي عام ١٨٨٢ وفي محاولة للحد من هجرات الاسيويين الى الولايات المتحدة٫ أصدر الكونغرس قانوناً بمنع استقبال المهاجرين من القارة الاسيوية الى الولايات المتحدة لمده عشره سنوات ورغم ان القانون حدد مدة المنع بعشرة سنوات فقط إلا أنه استمر سارياً بشكل أو آخر حتى عام ١٩٤٣.

كما عانى اصحاب الأصول الآسيوية من التمييز على مستوى الرعاية الصحية ايضاً٫ ففي عام ١٩٠٠ وجدت السلطات في مدينة سان فرانسيسكو جثة رجل صيني اشتبه في كونه توفي بسبب مرض الطاعون٫ الامر الذي ادى الى فرض حجر صحي على الحي الصيني في المدينة٫ في حين لم يتم فرض أي إجراءات مشابهة على أحياء البيض.

رسم يصور منع المهاجرين الصينيين
رسم يصور منع المهاجرين الصينيين

ولم يكن اصحاب الاصول اليابانية اوفر حظاً٫ فمع اندلاع الحرب العالمية الثانية وبعد الهجوم الياباني على مرفأ “بيرل هاربور” الأمريكي عام ١٩٤٢ أصبح المنحدرون من أصول يابانية هدفاً للكراهية.

وأصدر الرئيس  الأمريكي -آنذاك- فرانكلين روزفلت قراراً بوضع كافة الامريكيين من أصول يابانية في معسكرات عزل٫ وبالتالي عانى ١٢٠ الف امريكي- ياباني على مدار السنوات التالية من إجبار السلطات لهم على ترك ديارهم والعيش في تلك المعسكرات التي كانوا يعاملون فيها معاملة أسرى الحرب لا معاملة مواطنين يتمتعون بحقوقهم الدستورية.

ولم تنته معاناة هؤلاء سوى في عام ١٩٤٨ أي بعد ثلاث سنوات كاملة من نهاية الحرب العالمية الثانية حين قرر الكونغرس الأمريكي عدم قانونية المعسكرات وضرورة دفع تعويضات لمن أجبروا على العيش فيها.

اليابانيين إثناء إيداعهم في معسكرات العزل
اليابانيين إثناء إيداعهم في معسكرات العزل

وفي ثمانينات القرن العشرين عرفت الولايات المتحدة موجة جديدة من العداوة للآسيويين بسبب تأثر الصناعات الامريكيه بالمنافسة اليابانية٫ ففي ١٩٨٢ هاجم عاملان أبيضان في مصنع سيارات في مدينة ديترويت الشاب الامريكي ذا الاصول الصينية فنسنت شين ظناً منهما انه ياباني وانهالوا عليه ضرباً بالعصي وهم يصيحون “بسببكم ايها الاوغاد صرنا عاطلين عن العمل” وبعد أربعة أيام من هذا الهجوم العنصري لفظ شين انفاسه الاخيره في المستشفى.

موجة كراهية

وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ تزايدت هجمات الكراهية ضد كل اسيوي يشتبه في كونه مسلماً ولم تنل الهجمات من المسلمين فقط وانما امتدت الى السيخ والهندوس ظنا من مهاجميهم أنهم مسلمون.

وعادت كراهية الآسيويين لتطل من جديد بعد تفشي فيروس كورونا حيث أشارت مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” الى ان استطلاعاً للرأي أظهر أن ثلاثة من أصل كل عشرة أمريكيين يلومون الصين وشعبها على تفشي هذا الفيروس حول العالم.

فنسنت تشن
فنسنت تشن

وأوضحت جودي تشو٫ النائبة في الكونغرس الامريكي عن ولاية كاليفورنيا أن الامريكيين من اصول اسيوية يواجهون ما يقرب من ١٠٠ جريمة كراهية كل يوم.

إن المجتمع الآسيوي في الولايات المتحدة ورغم كونه لم يتعرض للابادة كما حدث للسكان الأصليين ولم يخضع للعبودية كما حدث مع الامريكيين السود الا ان معاناتهم٫-  وفقاً لكل ما سبق ذكره٫ – لم تكن ابداً اقل من اي منهما.

المصادر:

https://www.nationalgeographic.com/history/article/asian-american-racism-covid

https://www.today.com/news/anti-asian-violence-history-anti-asian-racism-us-t210645

https://www.pbs.org/newshour/nation/the-long-history-of-racism-against-asian-americans-in-the-u-s

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock