عرض وترجمة: أحمد بركات
تشكل الليبرالية العالمية القوية ’التيمة‘ المركزية في سياسة الرئيس بايدن الخارجية. فضمان أن الديمقراطية “سوف تسود، ويجب أن يسود”، كما قال بايدن في “مؤتمر ميونيخ للأمن”، هو “مهمتنا النهائية”.
يبدو أن هذا يعني مواجهة التهديدات التي تواجه الديمقراطية أينما حلت – فيما يمثل تحديا لكل من الصين وروسيا، التي قال عنها بايدن إنها تشكل “تهديدا حقيقيا”، شأنها شأن بكين – مع مواصلة “الحروب الأبدية”، ووقف تقليل حجم القوات الأمريكية في أوربا، ومعاقبة الحكومة العسكرية الجديدة في ميانمار، والتلويح باتخاذ موقف حازم ضد كوريا الشمالية، .
ربما كانت هذه سياسة يمكن الدفاع عنها قبل عقود من الزمان، عندما قزمت الثروة الأمريكية ثروات الاتحاد السوفيتي والصين. أو في عام 1999، قبل الصعود الصيني، واندلاع حروب استنزافية في الشرق الأوسط، وووقوع الأزمة المالية، وما تمخضت عنه من تداعيات. لكنها، بكل الأحوال، لا تشكل سياسة منطقية أو مقبولة اليوم.
لأول مرة منذ القرن التاسع عشر، لا تشكل الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم. فالصين بالفعل أكبر بمقاييس عديدة. كما أنها تنمو بوتيرة أسرع مما ننمو ، بما في ذلك في أعقاب كوفيد – 19. وبتراجع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الثروة والسلطة.
وفي الوقت نفسه، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تحديات متنوعة مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية، والإرهاب غير التابع للدول، والأوبئة، والتعافي الاقتصادي، والتغير المناخي، من بين تحديات أخرى.
بالنظر إلى كل ذلك، يصبح لزاما على واشنطن أن تعيد توجيه دفة اهتمامها بما يجب أن تتمحور حوله سياستنا الخارجية. يعني هذا، بخلاف الدفاع عن أنفسنا ضد أي هجوم، التحقق من أننا نستطيع تقرير مستقبلنا بعيدا عن أي إكراه خارجي، وأن نكون قادرين على التجارة والاستثمار في الخارج بشروط تعزز رفاهتنا الوطنية على نطاق واسع.
يتطلب هذا ضمان عدم خضوع الأسواق الكبرى، وعلى رأسها السوق الأسيوي، لهيمنة قوة معادية، إذ يمكن، في هذه الحالة، أن تستبعدنا هذه الدولة من هذه الأسواق، وأن تستخدم مميزات النمو والقوة للتحكم في حياتنا الوطنية.
هذه ليست قضية حزبية بحال؛ فقد سئمت الدوائر القوية في كل من اليمين واليسار من افتراض أن السياسة الخارجية الأميركية يجب أن تتضمن حماية نجاح الديمقراطية والنمو في جميع أنحاء العالم. لقد فشلت الليبرالية العالمية القوية التي انتهجها كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مدى العقود الماضية في تحقيق القوة والرفاهة واسعة النطاق بما يسمح لنا بصياغة مستقبلنا وفقا لقواعدنا وشروطنا الخاصة. لا شك أن الولايات المتحدة تستحق الأفضل.
الاستبداد التكنولوجي
لا يعني هذا الانسحاب من كل مكان، والتقوقع انتظارا للأفضل. كما أنه لا يعني أن نكمم أفواهنا بشأن انتهاكات حقوق الإنسان أو التجاوز في حق الديمقراطية. لكننا بحاجة إلى الاهتمام بمصالح الولايات المتحدة في عالم تنافسي، وأعني بها تلك المصالح المستنيرة التي تتناغم في أغلب الأحوال مع مصالح الآخرين، نعم، بحيث تبقى مصالحنا جميعا في نهاية المطاف شيئا واحدا. إن السياسة الواقعية تعبر عن نفسها دائما بنغمة توافقية . ومع هذا، فإنها تعني، في نهاية المطاف، التركيز على الأمور المهمة والتعاون مع من يشاركوننا مصالحنا.
وللشروع في هذا النهج، يجب علينا أولا التركيز على الصين، التي تمثل الكيان الأكثر أهمية بامتياز، بعد الولايات المتحدة، في النظام الدولي الحالي. فإذا كانت الصين تهيمن على آسيا – السوق العالمية الأكبر حجما – فإن هذا يعني بروزها وتفوقها عالميا، وأن تستخدم قوتها، على الأرجح، لإضعاف وتقويض الولايات المتحدة.
ولنفكر – على سبيل المثال – فيما تفعله الصين حيال أستراليا وتايوان ودول أخرى. لا يوجد تهديد عالمي آخر، سواء كان روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية، يمكنه أن يقوم بما تقوم به الصين. وكما قال وينستون تشرشل: “إذا وضعنا الأمور في نصابها الصحيح وبشكل حاسم، عندئذ يمكننا المضي قدما”.
يتطلب ذلك العمل مع كل من يمكنه مساعدة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها. لكن، يبدو أن فريق بايدن يراهن على أن الديمقراطيات سوف تصطف جميعها في صراع عالمي ضد ما يطلق عليه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، “الاستبداد التكنولوجي”.
لكن هذا الاصطفاف الكامل مستبعد بدرجة ما. وكما أوضحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من خلال إبرامها اتفاقية استثمار كبرى مع بكين قبل فترة وجيزة من تنصيب الرئيس بايدن، يمكن أن يواكب الولع الخطابي بـ “النظام العالمي القائم على القواعد” السعي وراء تحقيق المصالح الذاتية.
إن العديد من الديمقراطيات، خاصة في أوربا، لا تشارك الولايات المتحدة تصوراتها عن فكرة التهديد، بالنظر إلى تاريخ بلدنا كقوة في المحيط الهادئ. ومع إدراكنا لذلك، نصبح بحاجة إلى العمل مع تلك الدول التي ترغب في استثمار مواردها في مواجهة الصين، مثل الهند وفيتنام، أو تلك التي ترغب في مساعدتنا على تحويل جهودنا بعيدا عن التهديدات الأقل، مثل إيران، حتى لو كانت هذه الدول الشريكة ليست ديمقراطيات نموذجية.
إنها المرة الأولى منذ فترة طويلة التي لا تكون فيها الولايات المتحدة القوة المهيمنة بشكل ساحق. يعني هذا أننا لا نستطيع أن نتحمل الإسراف فيما نرجوه من وراء قوتنا وثروتنا وعزمنا. وبدلا من ذلك، يجب علينا ’’إدارة‘ التهديدات التي نواجهها – وعلى رأسها الصين، بطبيعة الحال – عبر آليات تعزز قوة الولايات المتحدة ورفاهتها، بدلا من إنفاقها عبثا في صراع أيديولوجي عالمي، أو الانسحاب على أمل أن يحقق العالم استقراره من تلقاء نفسه.
هذا الطريق هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يلبي احتياجات الغالبية العظمى من الأمريكيين، ومن ثم فهو يمثل السياسة الخارجية الوحيدة المسؤولة والمناسبة لديمقراطيتنا الآن وعلى مدى هذه الحقبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الصلي باللغة الإنجليزية من هنا