رؤى

الواحد ..عقيدة التوحيد في مصر القديمة

في شهر ديسمبر من عام ١٩٠٧ ألقى عالم الآثار المصري أحمد باشا كمال الشهير باكتشافه خبيئة الدير البحري في الأقصر٫ محاضرة في نادي المدارس العليا في القاهرة تحت عنوان لافت وهو “عقيدة التوحيد عند المصريين القدماء”.

وأوضح كمال في محاضرته القيمة التي نقلتها صحيفة اللواء٫ لسان الحركة الوطنية المصرية آنذاك٫ أن عقيدة التوحيد بمعنى الإيمان بإله  واحد خالق للكون كانت معروفة في مصر القديمة حتى قبل اعتلاء الملك اخناتون العرش ودعوته إلى عبادة اله واحد اسماه “اتون” ورمز له بقرص الشمس المنير.

أحمد باشا كمال
أحمد باشا كمال

وأضاف كمال أن صيغة التوحيد عند المصريين الأقدمين تتشابه إلى حد التطابق مع الصيغة التي أتى بها القرآن الكريم٫ فإن كان الخطاب القرآني يصف الخالق بأنه واحد أحد٫ فرد صمد٫ “لم يلد ولم يٌولد٫ ولم يكن له كفواً أحد”٫ فإن الصيغة التي تم العثور عليها في أوراق البردي وتمت ترجمتها تقول “الله وحده٫ لا ثاني له٫ يٌودع الأرواح في الأشباح٫ أنت الخالق٫ تخلق ولا تُخلق٫ خالق السموات والأرض”.

شهادات المؤرخين

لم يكن أحمد باشا كمال اول اثري او مؤرخ أو باحث يصل الى هذه النتيجة فيما يتعلق بالعقيدة الدينية في مصر القديمة٫ فبداية من القرن التاسع عشر ومع بداية تمكن العلماء من فك رموز الهيروغليفية بدأ نفر غير قليل منهم يشكك في الصورة التقليدية لمصر القديمة كبلد تتعدد فيه الآلهة ويعبد فيه المصريون الرموز والتماثيل.

ويشير الدكتور نديم السيار في كتابه “المصريون القدماء أول الموحدين” الى أن الفرنسي شامبليون الذي تمكن من فك رموز حجر رشيد٫ استنتج مما هو منقوش على الآثار المصرية أن مصر القديمة كانت أمة موحدة في عبادتها لله وان المصريين القدماء حين تغلغلوا في سبيل التوحيد وقطعوا آخر مرحله علموا أن الروح ابديه واعتقدوا بصحة الحساب والعقاب.

المصريون القدماء أول الموحدين
المصريون القدماء أول الموحدين

وعقب وفاة شامبليون نشر أخوه فيجاك نقلاً عنه انه توصل الى كون الديانة المصرية القديمة ديانة توحيد خالص.

اما الانجليزي والاس بادج مكتشف بردية “آني” فخلص في كتاب له عن عقيدة المصريين إلى أن “سكان وادي النيل من أبكر وأقدم العصور عرفوا وعبدوا الهاً واحداً٫ ازلياً٫ ابدياً٫ لا تدركه العقول”.

وفي كتاب آخر يؤكد بادج أن فكرة التوحيد في مصر القديمة لا تختلف في ملامحها عن اليهوديه او الاسلام.

ويذكر الكاتب الأمريكي هنري توماس في كتابه عن “أعلام الفلاسفة” أن ادعاء العبرانيين أنهم ابتكروا فكرة التوحيد هو ادعاء غير صحيح “بل هم قد استعاروا هذه الفكرة من المصريين”.

أما العالم الألماني بروجش الذي كان أكثر المؤيدين لفكرة كون مصر القديمه بلداً يعرف التوحيد فقد جمع عدداً كبيراً من النصوص المصريه الاصليه التي تؤكد هذه الفكرة٫ حيث كان المصريون القدماء وفقاً لهذه النصوص يؤمنون أن “الاله واحد أحد لا ثاني له” وأن الإله “باطن خفي” و”لا يعرف أحد تكوينه ولا يمكن لاحد أن يدرك ماهيته” و”لا شبيه له” و”هو خالق الكون وكل ما فيه”.

اخناتون
إخناتون

نصوص التوحيد

وتحفل الآداب المصرية القديمة لاسيما “أدب الحكمة” بنصوص تؤكد فكرة التوحيد٫ فالحكيم المصري “أمين موبي” يوصي ولده فيقول:

“سبح الله واعص الشيطان” لان “الكمال لله وحده والعجز من صفة الإنسان” ويضيف “الإنسان ليس سوى طين والله صانعه” ولذلك فإن “الإنسان دائماً في مأمن في يد الله”.

ويرد نص آخر على لسان رخميرع٫ وزير الملك تحتمس الثالث٫ يقول فيه “لقد كنت صادق القول امام الله” ويضيف في موضع آخر “أن الله يعلم ما في الأنفس وكل ما فيها من أعضاء منشورة امامه”.

والملك خيتي يوصي ولده مري كا رع فيقول : “اقم العداله مادمت تعيش على الارض” وذلك “لان الله يعرف الانسان صاحب القلب الخسيس والله يعاقب بالدم العمل السيئ” ويوصيه ايضا ان يقيم العماير “من أجل الإله”.

والوزير بتاح حتب من الأسرة الخامسة٫ أسرة بناة الاهرام٫ يترك لولده مجموعة من التعاليم قال فيها “من ينصت ويطيع فهو محبوب من الإله ..والانسان الذي يبغضه الاله هو انسان غير مطيع”.

بتاح حتب
بتاح حتب

وفي قصة الفلاح الفصيح٫ إحدى عيون الأدب المصري القديم٫ فإن الفلاح صاحب البلاغة “خو- ان – انبو” الذي تعرض للظلم يشكو لكبير حٌجاب الملك فيقول “اقم العدل من اجل الاله الذى اصبح عدله قانونا للعدل٫ فالعدل للخلود٫ وهو يهبط مع صاحبه الى القبر حينما يلف فى كفنه ويوضع فى التراب فلا يمُحى اسمه من الأرض بل يذُكر لانه اقام العدل ذلك هو شرع الإله

ولا يملك المرء حين يطالع هذه النصوص الا أن يتساءل : لماذا يبذل “شيوخنا” هذا الكم الهائل من الوقت والجهد لسب ولعن وتشويه مصر القديمة وتقديمها لجمهورهم باعتبارها دوله شرك وظلم ولا يبذلون ولو  بعضا من هذا الجهد لمعرفة تاريخ بلادهم وإيجاد المشتركات بين معتقدات المصريين القدماء وبين الدين الإسلامي وما أكثرها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock