عرض وترجمة: أحمد بركات
ورث الرئيس جو بايدن عن سلفه العديد من الكوارث في الداخل والخارج، بما في ذلك تلك الحرب العالمية التي تمتد عبر قارات وشهدت قتل مئات الآلاف وإنفاق تريليونات الدولارات من أموال دافعي الضرائب.
هذه الحرب الأبدية امتدت في الغالب على نحو كارثي على يد الرئيس السابق دونالد ترمب وبفضل سياساته العدائية ضد إيران. ومع بداية ولاية بايدن، يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تنهي بشكل جوهري اعتماد الولايات المتحدة على القوة العسكرية، بدءا بالتوصل إلى سلام دائم مع الإيرانيين.
وتعكس الطريقة التي يجب أن تتعامل بها الولايات المتحدة مع إيران حالة الانقسام التي تعاني منها واشنطن بسبب الحروب الأبدية في الخارج. ودعا بايدن إلى “سياسة خارجية للطبقة الوسطى” من شأنها إنهاء “الحروب الأبدية”، والتركيز على الأزمات التي خلفها انتشار الوباء، واستعادة الديمقراطية المدنية، ومواجهة التفاوت الإثني والاقتصادي، ومواجهة التغيرات المناخية.
رغم ذلك، ستكون رؤية بايدن بعيدة المنال ما دامت الولايات المتحدة غارقة في مستنقع الحروب التي تلتهم الموارد المهمة، وتشتت الانتباه عن القضايا الأكثر حيوية.
تعامل ترمب الفظ مع إيران
اتسمت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران في سنوات حكم ترمب بالاغتيالات الأمريكية، والهجمات الصاروخية الإيرانية، والتلويح باندلاع حرب شبه كاملة في مناسبات عديدة. وتعتقد أجهزة الاستخبارات الأمريكية ايضا أن إيران متورطة في حملات التدخل في الانتخابات لتقويض فرص إعادة انتخاب ترمب.
والآن، بينما يواصل بايدن سياسة “الحد الأقصى من الضغوط” التي انتهجها سلفه ترمب ضد إيران عبر العقوبات الاقتصادية الخانقة، تتصاعد حدة التوترات مجددا، حيث استعرض الحرس الثوري الإيراني مؤخرا “مدينة الصواريخ”.
ويمتلك بايدن الفرصة لرسم ملامح مسار جديد بإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي لعام 2015، كما وعد إبان حملته الانتخابية، واتباع دبلوماسية أكثر شمولا. أما إذا استكان إلى الوضع الراهن في تفكيره في السياسة الخارجية، فإن سياسته تجاه إيران يمكن أن تتحول سريعا إلى مستنقع شرق أوسطي آخر، وتوسع نطاق نيران الحرب الابدية التي اندلعت منذ عقود.
وإذا سعى بايدن، والديمقراطيون بشكل عام، إلى تجنب مثل هذا الصراع، وأنجزوا التزامهم بإعادة بناء القوة الأمريكية داخليا ، فيجب أن يتحلوا بالشجاعة والإبداع في إصلاح السياسة الخارجية الأمريكية.
ويلخص الجدل حول إيران بامتياز عدد الديمقراطيين الذين يتجاهلون السياسات الخارجية المعقولة لمجرد تهدئة الانتقادات الجمهورية التي تتهمهم بـ “اللين” مع خصوم الولايات المتحدة. وحتى مع تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في ولاية الرئيس أوباما في عام 2015، فإن بعض الديمقراطيين يشقون عصا الجماعة، وينضمون إلى الجهود التي يقودها الجمهوريون في الكونجرس لتعطيل الدبلوماسية مع إيران، برغم أن الموقف الرسمي للحزب الديمقراطي هو معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي.
كما لا يزال يتعين على بايدن نفسه الانفصال عن سياسات ترمب تجاه إيران وأن يغامر بتحين الفرصة وسط الضغوط التي يمارسها الصقور في الكونجرس.
لقد تصاعدة حدة التوترات مع إيران منذ أن تراجعت إدارة ترمب في عام 2018 عن الاتفاق النووي، وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية وصفتها الأمم المتحدة بأنها “تتعارض مع الاحتياجات الإنسانية الأساسية”. في هذه الأثناء، وسعت إيران برنامجها النووي، وضاعفت من هجماتها بالوكالة في العراق وأماكن اخرى.
ومن اللافت أن “المرشح” بايدن حث “الرئيس” ترمب على تخفيف العقوبات في فترة الوباء، وهو الشيء الذي فشل بايدن حتى الآن في القيام به بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على توليه سدة الحكم الأمريكي.
ويمثل الاتفاق النووي الذي شارك كثير من أعضاء فريق بايدن للأمن القومي في التفاوض بشأنه قبل عام 2015 “الحل الجاهز” للأزمة مع إيران. وفي حال خسر بايدن هذه الفرصة لإحياء الاتفاق، أو كبل الكونجرس يديه عن ذلك، فإن الباب الدبلوماسي مع إيراب سوف يغلق إلى الأبد، وستزداد احتمالات اندلاع حرب شاملة بشكل كبير.
سيكون هذا الصراع الجديد أكبر بكثير من حرب العراق في تداعياته على العالم، وسيُبقي الولايات المتحدة في الشرك الشرق أوسطي لسنوات عديدة قادمة.
يجب على بايدن أن يفكر مليا في إيران
على مدى سنوات، كانت إيران بمثابة “كيس الملاكمة” السياسي للحزبين السياسيين الديمقراطي والجمهوري، وهو ما دفعت إليه التصرفات غير المحسوبة التي عادة ما كانت حكومة طهران تلجأ إليها. كما قام المانحون الأثرياء وجماعات المصالح الخاصة القوية بمكافأة السياسيين الذين اتبعوا خطا متشددا ضد إيران.
ومع ذلك، فإن الشعب الأمريكي الذي ذاق مرارة الحروب يشعر بالإحباط تجاه الحروب الأبدية عبر الطيف السياسي بأكمله. ويريد أغلب الأمريكيين تجنب اندلاع أي حروب جديدة، ويتطلعون إلى إنهاء الحروب القائمة، ويطمحون إلى توجيه السياسة الخارجية الأمريكية صوب مزيد من السلمية.
وقد كشف استطلاع رأي أجرته مؤخرا شركة “يوجوف” وصحيفة “إيكونوميست” أن حوالي ثلثي الأمريكيين يؤيدون “المفاوضات المباشرة” مع إيران بشأن برنامجها النووي، من بينهم 84% من ناخبي بايدن.
من شأن الحرب مع إيران أن تقضي على أي أمل في إنهاء نهج عسكرة أمريكا للسياسات الخارجية، واستثمار المزيد من الموارد داخليا. لقد شهدت عقود الحروب الأبدية حصول البنتاجون على تمويلات مذهلة في الوقت الذي تراجعت فيه تمويلات مواجهة أشد المخاطر التي تهدد أمن وحياة الأمريكيين، مثل الوباء، والتغيرات المناخية، والفقر.
لا يوجد حل عسكري للمعضلة الأمريكية مع إيران، والتمسك بهذا النوع من الحلول سيكون على حساب مواجهة التهديدات الحقيقية للشعب الأمريكي.
ومن ثم، يجب على بايدن، والديمقراطيين بوجه عام، اتباع دبلوماسية جادة مع إيران والعودة إلى الاتفاق النووي 2015، كنموذج لحل الخلافات الإمريكية الإيرانية الأخرى.
لا شك أن جهود الرئيس بايدن لتعزيز الوحدة الوطنية لجديرة بالثناء. رغم ذلك، فإن السعي وراء تلك الوحدة لا يمكن أن يرتكز على منح الصقور ما يريدونه بشأن إيران، أو غيرها فيما يتعلق بقضايا الحرب والسلام.
وإذا استسلم بايدن للصقور من كلا الحزبين، الذين يريدون التصعيد ضد إيران، فإن هذا يعني خروج أجندته الداخلية عن مسارها، ما ستظهر على إثره تداعيات خطيرة ستقض مضجعه طوال فترة رئاسته، ومضجع أمريكا على المدى الطويل.
____________
سينا توسي – باحث أول في “المجلس القومي الإيراني الأمريكي”
ياسمين طايب – ناشطة حقوقية
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا