رؤى

9 أبريل.. ذكرى سناء…عروس الجنوب

لسنوات طوال٫ ظل التاسع من أبريل يوماً محفوراً في الذاكرة العربية باعتباره اليوم الذي شهد ارتكاب العصابات الصهيونية في عام ١٩٤٨ لمجزرة قرية دير ياسين الفلسطينية والتي قال عنها الرمز الصهيوني مناحيم بيجين انها “انتصار” وانه لولا “هذا الانتصار” لما قامت الدولة الصهيونية.

إلا أنه في التاسع من أبريل عام ١٩٨٥ أبت فتاة عربية من جنوب لبنان إلا أن تغير هذه الذكرى وترسم بالدم والنار ذكرى أخرى لا ينساها الصهاينة.

كانت الفتاة هي سناء محيدلي المولودة لأسرة لبنانية في قرية عنقون في جنوب لبنان عام ١٩٦٨.

طفولة وسط العواصف

شهدت الفتاة الجميلة ذات الملامح الرقيقة وهي لم تتجاوز بعد عامها العاشر احتلال الصهاينة لجنوب لبنان ضمن ما أسموه “عملية الليطاني” ثم جاء الاجتياح الصهيوني للبنان عام ١٩٨٢ ليفرض معادلة جديدة على البلاد كان أهم بنودها خروج فصائل المقاومة الفلسطينية من لبنان وتفرقها في دول شتى ثم ارتكاب حلفاء الصهاينة في لبنان لمجزرة لا تقل بشاعة عن دير ياسين في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا.

الغزو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢
الغزو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢

كل ما سبق ادى إلى ظهور ما عُرف باسم “جبهة المقاومه الوطنيه اللبنانيه” كتحالف فصائل يسارية وقومية عدة والذي بدأ يكيل الضربات الموجعة للعدو حتى اضطر للانسحاب من بيروت وانكفأ نحو جنوب لبنان.

شهدت الفتاة محيدلي كل هذه الأحداث  في سن مبكرة كما شهدت بروز المقاومة في جنوب لبنان كظاهرة جامعة لأهل الجنوب بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والدينية٫ وكما اشارت محيدلي في وصيتها فقد تاثرت أيما تأثر باستشهاد الشيخ المقاوم راغب حرب وبالعمليات البطولية التي نفذها شبان في مثل عمرها مثل نزيه القبرصلي وبلال فحص وغيرهما.

واتى يوم ٢١ مارس ١٩٨٥ لتشهد قرية عنقون٫ مسقط رأس محيدلي عدواناً صهيونياً غاشماً أسفر عن استشهاد ٢٣ شخصاً،

النصر والشهادة معا

هنا اختارت ابنة السبعة عشر ربيعاً طريق المقاومة والشهادة واستجابت قيادة المقاومة لطلبها لتنفيذ عملية ضد قوات الاحتلال.

ويروي الكاتب سيد احمد محمد في كتابه “مقاتلات عربيات في سبيل الحرية” تفاصيل ما حدث صبيحة التاسع من أبريل من عام ١٩٨٥ “في ساعة الصفر٫ قادت محيدلي سيارة من طراز بيجو ٥٠٤ معبأة بمواد متفجرة وزنها ٢٠٠ كيلو غرام واقتحمت قافلة سيارات عسكرية للعدو الصهيوني في الجنوب المحتل لتفجر نفسها مع سيارتها وسط القافلة”.

أسفرت العملية عن سقوط خمسين صهيونيا ما بين قتيل وجريح وارتقت محيدلي شهيدة جديدة في ركب شهداء الجنوب اللبناني.

وعقب انتشار أخبار العملية تداولت عدة قنوات تلفزيونية شريطاً مصوراً أعدته محيدلي قبل عمليتها البطولية وألقت فيه وصيتها واعتبرت فيه أنها “اختارت الشهادة” لكي تقوم بواجبها تجاه شعبها.

طارت اخبار عملية محيدلي حول العالم وصارت محط اهتمام الصحافة العالمية لدرجة اضطر معها سفير الصهاينة في باريس لتقديم احتجاج رسمي للحكومة الفرنسية لاهتمام الصحافة الفرنسية بعملية سناء.

كان ما يحير كثيرين  من الصحفيين الغربيين هو كيف ولماذا اختارت فتاة مراهقة الموت؟ لماذا تزينت بالمتفجرات في وقت تتزين فيه كل من هي في سنها بالقلائد؟ لماذا ارتدت الزي العسكري في حين تنتقي بنات سنها الفساتين؟

سؤال طرحه ايضاً شعراء ومبدعو العالم العربي الذين تحولت محيدلي إلى ملهمة لهم٫  كالشاعر المصري الراحل الكبير  أحمد فؤاد نجم الذي كتب قائلاً:

“وإزاي قدرتي تعشقي

وطن فسيح

مطعون جريح

الدنيا طلعت للقمر

وهو متكتف كسيح

يا هل ترى قلبك محيط

ولا انتي يا بنت المسيح؟”

وامتدحها الشاعر المصري جمال بخيت قائلاً:

” أحضانك فوق الحنية

ياجميلة ومريم وبهية

يتفجر فى الموت بركانك

وايمانك يتفجر فيا”

وفي عام ٢٠٠٨ وفي أعقاب صفقة تبادل ناجحة أجرتها المقاومة اللبنانية عن طريق وسيط مع العدو الصهيوني٫ عاد جثمان محيدلي الى ارض الجنوب الذي عشقته حتى الشهادة٫ ذاك الجنوب الذي بات يومها محرراً بفضل كل من هم مثلها في أمتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock