رؤى

ذكرى اجتياح لبنان.. “جمول”.. أولى الطلقات

المشهد الأول: السادس من يونيو (حزيران) عام ١٩٨٢: الجيش الصهيوني يبدأ غزو الأراضي اللبنانية تحت مسمى عملية “سلام الجليل” وتحت ذريعة حماية شمال فلسطين المحتلة من صواريخ المقاومة الفلسطينية المنطلقة من جنوب لبنان.

كان الصلف الصهيوني قد بلغ أوجه في هذه المعركة حيث صرح أحد قادة جيش العدو ان لبنان لا يحتاج لإتمام احتلاله لإرسال قوات وإنما يكفي إرسال فرقة الموسيقى العسكرية التابعة للجيش للقيام بهذه المهمة.

ومع حلول الرابع عشر من شهر يونيو من نفس العام كانت القوات الصهيونية  قد دخلت بيروت الشرقية حيث حلفائها من اليمين اللبناني وفرضت حصاراً على بيروت الغربية حيث تركزت المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها من قوى اليسار اللبناني.

وبعد صمود دام نحو شهرين٫ اضطر المقاتلون الفلسطينيون بعد اتصالات عدة وتحت وطأة ضغوط متزايدة للخروج من بيروت في أغسطس ١٩٨٢ وتفرقوا في بلدان شتى.

بدا لوهلة وكأن الصهاينة حققوا أهدافهم من العدوان٫ فالمقاومة الفلسطينية قد خرجت من معقلها وحليف الصهاينة بشير الجميل انتخب رئيساً للبنان وبحلول ١٦ سبتمبر كانت القوات الصهيونية تدخل أحياء بيروت الغربية التي أنهكتها الحرب الأهلية على مدار الأعوام السبع السابقة على العدوان.

المشهد الثاني المغاير تماما: القوات الصهيونية ذاتها التي دخلت الى بيروت الغربية فيما حسبته نزهة تنسحب من بيروت في أواخر سبتمبر عام ١٩٨٢ وفي مشهد غير مسبوق في تاريخ الصراع٫ يستخدم الجنود الصهاينة مكبرات الصوت ليستجدوا أهالي بيروت ألا يطلقوا النار عليهم٫ يتردد صدى النداء في نواحي العاصمة اللبنانية “يا أهل بيروت، أوقفوا إطلاق النار، فنحن سننسحب صباحًا”.

إلى السلاح

يبدو المشهدان الأول والثاني متناقضين تمام التناقض٫ وذلك لأن عاملاً جديداً دخل إلى المعادلة عقب خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت وهو “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” المعروفة ب”جمول” اختصاراً.

تزامن ظهور “جمول” مع دخول آليات الجيش الصهيوني الى بيروت الغربية حيث تداعت الفصائل اليسارية اللبنانية التي كانت حليفة للمقاومة الفلسطينية الى التصدي للعدوان٫ وأصدر كل من جورج حاوي٫ الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ومحسن ابراهيم٫ امين عام منظمة العمل الشيوعي في لبنان بياناً يدعو كافة الفصائل للمقاومة وذيلا البيان بكلمتين صارتا شعاراً للمرحلة “إلى السلاح”.

لم يحتج الأمر الى كثير من الوقت ليتحول النداء إلى واقع٫ ففي أول يوم للصهاينة في بيروت الغربية خسروا تسع دبابات واعترفوا بمقتل جنديين وإصابة ٤٢ آخرين.

لاحقت جمول الصهاينة بعملياتها في كل من بيروت والجنوب على حد سواء٫ وبعد أن كان شارون يقول إنه يتمنى أن يجلس في أحد مطاعم شارع الحمرا في بيروت ويتناول الشاورما هناك٫ تراجع عن هذه الأمنية التي تحولت إلى كابوس  بعد أن أطلق الشاب اللبناني خالد عدوان الرصاص على ضباط صهاينة كان يجلسون بأريحية على مقهى الويمبي في بيروت في ٢٤ سبتمبر.

وفي ضاحية بيروت الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية بدأت تظهر المقاومة الإسلامية المدعومة من كل من سوريا وإيران والتي ستتحول لاحقاً الى اعدى اعداء الدولة الصهيونية.

ظاهرة وطنية جامعة

مع نهاية شهر سبتمبر لا يجد الصهاينة أمامهم سوى الانسحاب من “مستنقع بيروت” كما باتوا يشيرون اليه٫ الا ان عمليات جمول تمتد الى الجنوب المحتل ايضاً من صيدا الى صور وصولا الى البقاع الغربي.

وأشارت أسبوعية منظمة العمل الشيوعي في لبنان، «بيروت المساء» الى أن «جمول» نفّذت ألف عملية بين ١٦ سبتمبر ١٩٨٢ ــ وهو تاريخ انشائها خلال الاحتلال الاسرائيلي لبيروت ــ و٢٧ مايو ١٩٨٤.

ومع حلول شهر ابريل من عام ١٩٨٥ وتحت وطأة ضربات المقاومة المتتالية أتم الصهاينة انسحابهم الثاني على التوالي حيث خرجت قواتهم من المدن الكبرى في الجنوب مثل صيدا والزهراني وصور والنبطية ومن مئات القرى والبلدات شمالي نهر الليطاني والبقاع الغربي وانحصر الوجود الصهيوني فيما أطلق عليه الصهاينة “الحزام الامني” او المناطق التي قاموا باحتلالها من جنوب لبنان عام ١٩٧٨.

 كانت جمول على مدار تلك السنوات ظاهرة وطنية جامعة متجاوزة للطائفية فضمت المناضلين المسلمين مثل نزيه القبرصلي، والمسيحيين مثل سناء المحيدلي وضمت رجالاً وسيدات وحتى اطفالاً جمعتهم بندقية المقاومة.

وبداية من عام ١٩٨٥ بدأت المقاومة الإسلامية بواجهتها الشيعية تسيطر على الجنوب المحتل ومع مطلع التسعينات اكتملت سيطرتها على تلك المنطقة وصارت القوة الرئيسية في مواجهة الاحتلال الصهيوني الذي انتهى بانسحاب مذل عام ٢٠٠٠ وفي الوقت ذاته تراجعت عمليات جمول.

ورغم هذا التراجع٫ الا أن النموذج الذي قدمته جمول ظل مصدر إلهام لقوى المقاومة على اختلافها٫ بداية من جنوب لبنان ونهاية بغزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock