رؤى

ثقافة “الشير”.. والدعاية الصهيونية = الوعي المفقود

منذ نحو عامين٫ ركبت إحدى سيارات خدمة “أوبر” للتوصيل٬ وفي طريقنا إلى منطقة وسط القاهرة – حيث كنت اتجه –  لاحظت أن سائق السيارة – الشديد البساطة- يتأفف من مجرد وصفي لما حدث في شهر يوليو  عام ١٩٥٢ بأنه ثورة.

بدأ السائق٫ في نبرة بدا واضحاً عليها السخط الشديد٫ يسرد ما يراه سبباً لرفضه هذا الوصف ٫ وفيما يشبه المونولوج٫ اخذ يحمل ما حدث في يوليو من ذلك العام مسؤولية كل ما يعانيه البسطاء من أمثاله من أبناء هذا الوطن.

ترديد الأكاذيب

لاحظت أن السائق لا يعبر عن رأيه الشخصي ولا يعرض لقناعاته وإنما يردد ما سبق وقرأتُه وشاهدتُه عشرات المرات في السنوات العشرة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يتناقله رواد هذه المواقع لا سيما من صغار السن باعتباره حقائق لا تقبل الجدل ولا التفنيد دون أدنى محاولة للتحقق من صحتها.

وبطبيعة الحال٫ وفيما بدا أمراً غير مفاجئ لي بالمرة انتقل السائق الطيب الى الحديث عما جرى في يونيو من عام ١٩٦٧ واعتبر أنه كان راجعاً الى القادة آنذاك الذين كان بعضهم -على حد تعبيره- في احضان عشيقاتهم.

لم أعر ذلك التعبير اهتماماً في حينه٫ واعتبرت أن السائق غالباً يردد كلاما  قرأه على احد مواقع التواصل٫ إلى أن قادتني الصدفة البحتة الى كتاب بعنوان “تحطمت الطائرات عند الفجر”.

تحطمت الطائرات عند الفجر

لم أكن قد قرأت الكتاب من قبل ولكني تذكرت أن الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين قد أشار إليه في كتابه “تحطمت الأسطورة عند الظهر” الذي وضعه في أعقاب نصر أكتوبر عام ١٩٧٣ وخصصه للرد على هذا الكتاب الذي يحمل اسم مؤلف  صهيوني  يدعى “باروخ نادل” والذي رجح الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق ان يكون مجرد اسم حركي لأحد ضباط جهاز الموساد الصهيوني٫ خاصة وان الكتاب يعلي من شان الموساد وقدراته ويُرجع اليها “الفضل” فيما حدث في يونيو ١٩٦٧.

اعتمد الكتاب على كم هائل من الاكاذيب والأباطيل التاريخية التي تليق بصحافة الإثارة اكثر منها بكتاب سياسي وفي مقدمتها

أن الفريق صدقي محمود قائد سلاح الطيران المصري وقت وقوع عدوان ١٩٦٧ كان “نائماً فى أحضان راقصة مصرية” عندما دمرت المقاتلات الصهيونية سلاح الجو المصرى فى حرب 1967، وبطبيعة الحال لا يمت هذا الزعم للحقيقة بصلةٍ خاصة إذا ما علمنا أن الفريق صدقى محمود كان يستقل الطائرة مع المشير عامر فى ذلك الوقت في طريقهما الى شبه جزيرة سيناء.

أحمد خالد توفيق
أحمد خالد توفيق

تذكرت على الفور سائق  أوبر البسيط وأدركت أن ذلك الرجل الطيب يردد – دون ان يدري- أكذوبة صهيونية متصوراً انها الحقيقة.

لا اتصور أن ذلك السائق قرأ كتاب باروخ نادل ولا أنه سمع به وإنما استقى ما تصور أنه “معلومه” نقلاً عن إحدى الصفحات أو المجموعات على مواقع التواصل.

ليست صدفة

الأمر ليس مجرد صدفة في رأيي الشخصي٫ حيث أن أبسط قواعد المنطق تفترض أن يتساءل المرء “من المستفيد” من ظاهرة بعينها٫ وبالتالي فان السؤال هنا يبدو مشروعاً: من المستفيد من تشويه رموز وطنية مصرية كعبد الناصر وأحمد عرابي وغيرهم؟ من المستفيد من تشكيك شباب الأمة في تاريخها وتراثها؟ من المستفيد من محاولة “حبس الوطن” في سجن يونيو ١٩٦٧- والتعبير هنا للكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل- وكأن التاريخ توقف عندها وكأن مصر لم تنهض من عثرتها وتسترد زمام المبادرة؟ من المستفيد من التعتيم شبه التام على صفحة هامة من تاريخ  مصر والمنطقة العربية وهي مرحلة الاستنزاف التي مهدت الطريق لنصر أكتوبر ١٩٧٣؟

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

إن الإجابة على هذه الأسئلة من شأنها أن تفسر لماذا يردد سائق مصري أكذوبة صهيونية ولماذا تتداولها مواقع التواصل تحت ما بات يٌعرف بثقافة “الشير” او النشر على نطاق واسع.

إن الغرض – في رأيي- أن يفقد هذا الجيل إيمانه بتاريخ بلاده٫ ومن لا ماضي له٫ لا مستقبل له بالضرورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock