وعي الدراويش
حتى لا نسيء الظن
كانت الأرض مذ هبطناها حقل تجارب
وما حنَّت لتلك الأيدي التي داعبت مفاتنها
إلا بإشراف قانون الإرادةِ
الأمر الذي غاب عن وعي الدراويش
الذين بسطوا أيديهم -نطاعة- على أعتاب السماء
فلا مزيد من تأويلات فاسدة
تصدرها ملايين الأشباح في قارة الوسط
ولا عزاء لأنهار اللبن المسكوب
على المحاريث الخشبية
وأنقاض حضارةٍ مسحوقةٍ
لن تعيد شرفًا منهوكًا بيد روبوت
أو شركةٍ عابرةٍ للقارات
ولأنني أشاركُ -مرغمًا- في هذا الكرنڤال
أبلغُ أسبابي على حذرٍ إلى أنْ يُزاح الستار
تحرِّضني خفة عصفورٍ
كما يحرِّضني التُّوت على شفةٍ متأهبةٍ للقطفِ
ثم يباغتني الوعي بسيناريو الزلازل والأوبئة
وما بين النوم وبين نعيق الغربان
تبدو لي الأرض نكتة عملاقة
أُسَرِّرُ نفسي: لا يعدو الأمر عن كونه مزحة
بينما أشاهد عرض انهيارها المَهيبِ
حتى إذا جاء مخاضها اهتزَّت
لتنبت من أقطارها ملايين الجثث!
—
أربعون شبهًا لجثةٍ
في أيامٍ مقصوفة الرقبة
أذكركِ فيعضُّ المجاز على شفته السفلىٰ
كحدٍّ أقصىٰ للتعبير عن الرغبة
فيما تتجوَّل برأسي عساكر الضبطية القضائية
وبضاعة الإرهاب على بابِ الله
يتاجر فيها قُطَّاع الطرق
ترينَ أحدهم مثقلًا بالنياشين
بينما لديه سجلٌّ حافلٌ بالجرائم
فلا تحسبي الصمت إيذانًا بالنضوب
لكنها أيامٌ باهتةٌ
لا يثبت على وجهها كريم الأساس
لولا الدفء الكامن في أصابع الفلّاحاتِ هذه
وحفلة السِّحر الدائمة على ذؤابتيكِ
لصرتُ قاطعًا شرسًا كقصيدةٍ بالنثرِ
ولأنَّ الشدائد أكسبتني المرونة
حين تعاظم حبك في قلبي تعددتُ
لأنجو من التيه برفقة أشباهي الأربعين
حتىٰ إذا مات واحدٌ لا ينطفئ اتقادكِ داخلي
كان هذا تحت عين الزمان
الذي حملني على ظهره في حقيبة مثقوبة
كلما سار؛ سقطت جثةٌ منِّي.
سيمفونية القطار ٢٠٢١
علىٰ الذين أدمجوا «موتسارت» في دقِّ المزاهر الشَّرقيةِ ألَّا يُعيدوا الكَرَّةَ..
سِيَّما وأننا أُصِبنا برُهاب الأعيادِ
فلا طاقة لنا بمسايرة الضَّجر الموسميِّ
تعالي نرىٰ العالمَ
كما لو لم تفرضه علينا وكالاتُ الأنباء
كان العملُ شاقًّا كالعادة..
وكان القطار _حمَّالُ الأسيَّة_ لا يكِلُّ بمهامِّه أبدًا
لكنه بدا مهمومًا ذلك اليوم؛
أخذَ على عاتقِه ألَّا يعودَ إلى زوجته بيدٍ فارغة
تحمَّس للعودة مبكرًا
ربما هاجسَ نفسه: لعلَّها ليلة مبروكة!
ونظرًا لضيق الوقت؛
ارتكن على لياقتِه في تحطيم رقمه القياسيّ
قبل خط النهاية
خلعَ حزام الأمان وانطلق..
انطلقَ سريعًا ومبتهجًا
انطلق كما لو أنه أفلت من عقاب!!
كان يتراقصُ على قضبانه طربًا
ونحنُ على أرائكنا نتابعُ كونشيرتو «كورونا» وأوركسترا «رمضان المُعظَّم»
هذا «الهارموني» الذي فرتكَ رأس أماننا
بأقدام لا تُعلِّمُ علىٰ الماء
حتىٰ قاطع ضجرنا ذلك المشهد الذي ألفته حواسُّنا للبطل الخارقِ
إذ رأيناه منقلبًا، معدوم الحركةِ إلا من عينين تذرفانِ
يتأملُ موكب الأرواح
الذي يتسلقُ بعضه بعضًا نحو السماء
بعد ما نشَفت جراحُ أجسادهم.
هَامشٌ/
صدماتُ الكهرباء لها دوافع
من ضمنها سَريان الكهرباء في ضلوع النص.
هَامشٌ ثانٍ/
قبل إدانة الكلمات..
علينا فض بكارة الشعور أولًا
لو حدث وأن نزَفَ ببعض الفهم
لكُنَّا أثبتنا بعض الشرف.
هامشٌ ثالثٌ/
بقليل من الملاحظة يمكنكِ الربط بين (قدَّاس الموت) السيمفونية الغير مكتملة لموتسارت، وبين العدد القابل للزيادة من سيمفونيات القطار.
هامش رابع/
كان على هذا النص ألا يصعدَ إلى السَّماء
ربما لهذا دلالة على طول يد القدر
أو أنه تبخَّر بفعل الغليان.
هامش أخير/
بحسبِ «ساجان» أن الإنسان قريبًا سوف يحيا على المريخ، ربما أصبح الصُّعود ضرورةً حتميةً.
تحت دائرة الضوء
لكي أحول دائرة الضوء إلى ما يعتريني الآن..
لا أحتاج إلى بكائيات ٍ ومراثٍ
ولن أبث مشاهدَ حمراءَ لجثثٍ مغدورةٍ
حول العالم.
ولن أقول إنني شيدتُ بيتًا رائعًا
على حافة النهر
أنعم فيه بصباحات لذيذة
رفقة امرأة من البرتقال..
ثم أصحو منزعجًا على كابوس لقمة العيش!
ولا أنْ أعلن اعتناقي لمذاهب انتحارية
حتى إذا حل المساء اغتسلتُ
وعكفت في مُصلَّايَ أبكي
أنتظر الخلاصَ!
يكفيني ما رأيته من الدنيا
لأنْ أمشي على حبل أيامي غير مكترث..
عبر خطاباتٍ مطمئنةٍ
يزني طاغيةٌ بشعبه في وضح النهار
حتّام المكوث..
وفم الزمان الوسيع
يتأهب لابتلاعِ وجبته الجديدة!
رأسمال يضع العالم
في كِرشه الهُلامي قرابة قرن..
الآن يتهاوىٰ بكامل غطرسته
كلما هبَّت رياح كارثة في أقاصي الأرض
ليوحي دائمًا بالبحث عن نظام جديد!
حبيبان في كنفِ الحقيقةِ
ترفع ساقها اليمنىٰ
تحاصره..
يحملها، يتجاسر
ينتشيان..
على غفلة من شبقيهما
تمضي أعمق اللذات كأن لم تكن!
ها قد شرحتُ لكِ
أنَّ كل شيء -مهما بدا صلدًا- فإنه قابلٌ للذهاب
ونحن ضعفااااء..
لدرجة أنْ تحملنا حفنة من رياح غاضبةٍ
هاتِ يديكِ..
حتى إنْ ذهبت الرياح…
نبقى معًا.