عندما انفرط عقد الاتحاد السوفيتي في عام 1991، ودخلت البلاد نفق الفوضى المظلم على مدى ثماني سنوات تحت قيادة الرئيس السوفيتي آنذاك، بوريس يلتسين، تلاشى نفوذ موسكو سريعا في المنطقة.
لكن نظام فلاديمير بوتين السلطوي أعاد ببطء، ولكن بثبات في الوقت نفسه، تجسير الكثير من العلاقات المتوترة، خاصة عبر صفقات الأسلحة. وارتأت حكومة بوتين بوضوح أن إنقلاب 1 فبراير، الذي عمق حالة الاستقطاب في ميانمار، يمثل لها فرصة سانحة لتحل محل القوة والنفوذ الغربيين في البلاد.
رغم ذلك، كانت الحقيقة هي أن أفراد جيش ميانمار كانوا لا يزالون حاضرين في العديد من المدارس العسكرية والمنشآت التدريبية الروسية، بما في ذلك معهد أومسك لهندسة المدرعات، وأكاديمية القوات الجوية للهندسة في موسكو، وأكاديمية نيجني نوفغورود للقيادة، من بين أكاديميات ومدارس آخرى كثيرة.
وأفادت تقارير أن بعض هؤلاء الأفراد كانوا يخدمون كطلاب عسكريين في القوات الجوية الروسية، على الأرجح لكسب خبرات في قيادة الطائرات “ميغ” التي اشتراها تاتماداو (جيش ميانمار).
وعلى جانب القوة الناعمة، كانت دروس اللغة الروسية تقدم في جامعة يانغون للغات الأجنبية، وفي عام 2014، تم اتخاذ قرار بفتح مركز ثقافي روسي في العاصمة القديمة يانغون.
ومن المؤكد أن روسيا لا تقوم بتسليح ميانمار وحدها، إذ طالما أججت موسكو صفقات تنافسية انتقامية بين دول جنوب شرق آسيا.
في هذا السياق تُظهر بيانات الدراسات الجنوب شرق آسيوية في سنغافورة أن فيتنام تشتري الكثير من أسلحتها من روسيا، وبلغت قيمة هذه الصفقات 7,38 مليار دولار في الفترة بين عامي 1995 و2019، أي ما يعادل 84% من إجمالي وارداتها من الأسلحة.
وقامت لاوس، برغم محدودية ميزانيتها العسكرية، بشراء جزء كبير من أسلحتها من روسيا، وبلغت قيمة شراء الدبابات والمروحيات في الفترة بين عامي 2000 إلى 2019 ما يعادل 102 مليون دولار.
كما قامت ماليزيا وإندونيسيا بشراء مقاتلات ومعدات عسكرية أخرى من روسيا. وكذلك تحسنت العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وتايلاند في ظل الحكم العسكري في تايلاند.
لكن من وجهة نظر جيو استراتيجية أكبر، تشير البيانات الرسمية العسكرية الروسية إلى أن علاقات موسكو الجديدة الناشئة مع ميانمار تتجاوز بكثير مجرد مبيعات السلاح.
وقد أرسل حضور نائب وزير الدفاع الروسي، ألكسندر فاسيليفيتش فومين، ببزته العسكرية الرسمية كاملة في احتفالات يوم القوات الجوية التابعة لتاتماداو في العاصمة نايبيتاو في 27 مارس إشارة قوية على توثيق العلاقات في المستقبل.
وفي اليوم السابق على انقلاب 1 فبراير، أقامت مجموعة من الضباط في جيشيْ روسيا وميانمار حفلا في يانغون كانت تتدفق فيه الفودكا بغير حساب.
وكان هذا الاحتفال الصاخب على خلفية افتتاح مجمع عسكري مشترك جديد للوسائط عالية التكنولوجيا الذي يمتك فيه أبناء مين أونغ هلينغ مصالح مالية.
كما كانوا أيضا يشربون نخب الانقلاب الذي كان مقررا القيام به في اليوم التالي، وبدء حقبة جديدة في العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين التي تعيد بالفعل توازنات القوى في المنطقة.
يؤشر ذلك بجلاء إلى أن روسيا جديدة وأكثر قوة تعود بثقلها إلى المنطقة عبر بوابة ميانمار الاستراتيجية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا