فن

معلهش يا زهر.. مأساة الموظف المصري

في أحيان كثيرة تُغني السينما الباحثين في التاريخ عن قراءة عشرات الكتب والمصادر لمحاولة معرفة وتحليل التغيير الذي أصاب مجتمعاً ما.

وفي تصوري٫ أن فيلماً مثل “معلهش يا زهر” الذي أبدعه المخرج المصري الراحل هنري بركات في مطلع خمسينات القرن العشرين وتحديداً في عام ١٩٥٠ ينتمي إلى هذه النوعية٫ إذ يطرح هذا الفيلم بمقاييس المرحلة التي أنتج فيها فكرة ثورية بحق وهي فكرة التمرد على الوظيفة الحكومية٫ تلك الوظيفة التي كانت حلم المتعلمين -على قلتهم- في تلك الفترة ولعل هذا ما يلخصه المثل الشعبي الرائج آنذاك “ان فاتك الميري- أي الوظيفة الحكومية- اتمرغ في ترابه”.

معلش يا زهر
دعايا فيلم معلش يا زهر

 “الميري” يحكم

يجسد هذه الفكرة بشكل يكاد يكون حرفياً بطل الفيلم صابر أفندي -وللإسم هنا دلالته- والذي قام بأداء شخصيته  ببراعة الفنان المخضرم زكي رستم ، وفيه ابتعد  عن أدوار الشر النمطية التي حاول كثير من المخرجين أن يحصروه في إطارها.

تجتمع في صابر كافة القيم النبيلة التي يؤمن بها المصريون فهو زوج وفي محب لزوجته واب فاضل يشقى من اجل اولاده وفي مقدمتهم ابنته الشابة الجميلة والرقيقة نجفة (شادية) وهو موظف كفء٫ بل الوحيد بين زملائه الذي يتمتع بالكفاءة وطهارة وعفة اليد وسط مجموعة من الموظفين الكسالى والفاسدين الذين يتزعمهم مديره (استيفان روستي).

وإن كان صابر أفندي مضطراً لتملق مديره فإنه في الوقت ذاته لا يقبل الإهانة٫ ولكن  هناك عيباً جوهرياً يبرزه السيناريو الذي شارك بركات في كتابته في شخصية صابر أفندي وهي إيمانه الغريب أن الوظيفة هي الأمان المادي وأن موظفا حكومياً مثله فقط هو من يصلح زوجاً لابنته لكي يوفر لها هذا الأمان ولذا فانه يأبي أن يزوجها من الشاب الطموح حسني (كارم محمود) رغم كونه ابن صديقه التاجر (عبد الفتاح القصري) معللاً ذلك بأن التجارة امر غير مضمون العواقب بعكس الوظيفة التي يتقاضى من يعمل بها راتباً ثابتا وبشكل شهري ومستقر.

https://www.youtube.com/watch?v=kC886oZO-aY

يدخل الى حياة صابر افندي الرتيبة للغاية متغير جديد يتمثل في المفتش العام (سراج منير) الذي يتصادف أنه كان جاراً قديماً لزوجته وبعد اطلاع المفتش العام على ظروف صابر وتأكده من كفاءته يعهد إليه بمنصب المدير.

يشعر صابر أن صبره الطويل والذي امتد لسنوات قد أثمر اخيراً ونال منصباً يعلم أنه يستحقه بعمله وجهده٫ إلا أن فرحته لا تدوم٫ فمديره الفاسد يكيد له ويعيده الى وظيفته الاصلية والادهى ان زملاءه الكسالى ينهشون عرضه ويٌعرضون بزوجته معتبرين أن علاقتها القديمة بالمفتش العام هي سبب ترقيته.

 لحظة اكتشاف الوهم

يكتشف صابر أفندي حجم العفن الداخلي في مكان عمله الذي التهم من عمره سنين طوالا٫ فيتمرد لأول مرة في حياته وينقلب الرجل المسالم اسداً هصوراً ينهال على زملائه ومديره بالضرب دفاعاً عن عرضه٫ بل ويستقيل من وظيفته ايضاً.

يقرر صابر ان الوظيفه كانت قيداً تحلى به كالسوار٫ فيغير قناعاته تماماً ويضع يده في يد صديقه التاجر ويتشاركان في عمل حر.

إلا أن صابر أفندي يلخص فلسفته حتى بعد نجاحه كتاجر حين يقول إن العبرة ليست بالموظف ولا بالتاجر وإنما بالإنسان ذاته٫ بأمانته ونزاهته اياً كانت المهنة التي يمتهنها.

وينتهي الفيلم وقد بارك صابر أفندي اخيراً زواج ابنته من حسني ويحتضن طفلهما٫ حفيده الاول٫ وصوت الراوي في الخلفيه يؤكد أن صابر سيورث هذا الحفيد قيمه ومبادئه.

أتساءل عن مصير حفيد صابر أفندي٫ خاصة وأنه  سينشأ في زمان غير زمان جده٫ في زمن صارت فيه الوظيفة- أياً كان نوعها حكومية أو خاصة – أمراً عزيز المنال.

هل سيتمسك حفيد صابر أفندي بما اعتبره جده أماناً وظيفياً ام سيخوض غمار العمل الحر؟ هل سيسعى إلى اكتساب المهارات التي بات يفرضها العمل في القطاع الخاص مثل امتلاك مهارات الكمبيوتر واللغات الأجنبية؟

أسئلة تبدو حائرة وسبب الحيرة هو ذلك الفارق الشاسع بين زمنين : زمن صابر أفندي وزماننا هذا٫ ولكن المؤكد أن حفيد صابر – شأنه شان جده تماماً- سيردد في وجه مصاعب الحياة مقولته “معلهش يا زهر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock