فن

وداد حمدي.. فنانة تنبأت بمقتلها

من مصادفات القدر العجيبة التي تثير الذهول والاندهاش ، وقبلها الإيمان واليقين الكامل بما كتبه الله علينا –نحن بني البشر- ذلك المشهد  الذي كان عاديا جدا في فيلم قمر 14  بطولة كاميليا ومحمود ذو الفقار وحسن فايق ووداد حمدي واخراج نيازي مصطفى   والذي عرض عام 1950

في المشهد خناقة  بين قمر “كاميليا ” وشفيقة ” وداد حمدي” تقول فيها كاميليا لوداد :” يا رب تموتي يبسكينة في قلبك” وترد وداد “يا رب تموتي محروقة “..ما يثير كل علامات الدهشة والتعجب أن الدعاءين اللذين نطقت بهما الفنانتان تحققا بكل ما جاء فيهما على أرض الواقع بالضبط .. فبعد بضعة شهور فقط  وفي اغسطس عام 1950 ماتت كاميليا محترقة في حادث الطائرة الشهير التي سقطت بها .. ثم وبعد 44 عاما كاملة وبالتحديد في السادس والعشرين من مارس عام 1994 ماتت وداد حمدي مقتولة بسكينة غرسها في قلبها قاتلها الريجسير متى باسليوس ..

وداد حمدي بنت محافظة كفر الشيخ ولدت في مثل هذه الأيام قبل 97 عاما وبالتحديد في الثالث من يوليو عام 1924 لأب بسيط الحال واسمها الحقيقي وداد محمد عيسوي زرارة  وفي طفولتها انتقلت أسرتها إلى المحلة الكبرى حيث عمل والدها بشركة غزل المحلة ، ولما خرج على المعاش ضاق الحال بالاسرة الفقيرة وقررت وداد أن تبحث لنفسها عن عمل بالقاهرة.

حلم الغناء

جاءت وداد من المحلة للقاهرة وحاولت أن تجرب حظها في الغناء لكنها لم تنجح وأدركت مبكرا ان صوتها ليس هو ذلك الصوت الذي يؤهلها لأن تكون مطربة معروفة كما كانت تحلم رغم أنه صوت مؤد   ظهرت من خلاله وداد في بعض الاسكيتشات والدويتوهات الغنائية بعد ذلك في عدد من أفلامها الكثيرة  ، لكنها أدركت أنها خلقت لتكون ممثلة فقط ، ولذلك التحقت بمعهد التمثيل وبدأت محاولاتها الأولى في عالم السينما تتكلل بالنجاح ، ففي عام 1944 شاركت وداد في ثلاثة أفلام دفعة واحدة هي “ابنتي ” و “عنتر وعبلة ” ثم ” نور الدين والبحارة الثلاثة ” وبعدها بعام واحد   يسند  لها المخرج هنري بركات دورا مهما في فيلم هذا ما جناه أبي مع صباح وزكي رستم وسراج منير وزوزو نبيل ، بعده تنطلق وداد حمدي لتشارك في مئات الأفلام التي أمكن حصر 270 فيلما منها فيما يمكن أن يزيد العدد الحقيقي للافلام التي شاركت فيها وداد  عن 500 فيلم  من أشهرها قمر 14 وضحايا المدينة و الخمسة جنيه و أحمر شفايف  وآه من الرجالة  والحموات الفاتنات  وحب وحرمان ونهاية الطريق وفي الصيف لازم نحب وغراميات عازب وافواه وأرانب وحسن بيه الغلبان والهلفوت.

سجن “الخادمة ” الجميل !

حصر المخرجون وداد حمدي وحبسوها  في دور الخادمة  خفيفة الدم سريعة البديهة التي تبعث الضحك والكوميديا والتي تضيف للفيلم كثيرا من  الحضور والكوميديا لكنه كان سجنا جميلا ابدعت فيه وداد  وأصبحت  قاسما مشتركا في مئات الافلام التي أدت فيها دور الخادمة التي تبعث البهجة والتي تكون في أحيان كثيرة  مرسال الحب والعشق بين البطل والبطلة.

 من أشهر أدوار وداد في السينما المصرية دورها الرائع في فيلم اشاعة حب عام 1960  مع الاستثنائية سعاد حسني والنجم عمر الشريف والفنانيْن الكبيريْن يوسف وهبي وعبد المنعم ابراهيم والفنان جمال رمسيس “لوسي ابن طنط فكيهة ”  صاحب الدور الذي صار عنوانا  على الشباب المستهترين الذين يعتمدون في حياتهم على آبائهم وأمهاتهم .. في الفيلم الجميل تقوم وداد حمدي بدور الخادمة بومبة التي يستغلها  رجل الأعمال عبد القادر النشاشيبي لكي تبدأ من عندها إشاعة الحب بين حسين ابن شقيقه “عمر الشريف ” الشاب الجاد المنضبط الناجح الذي يرغب عبد القادر في تزويجه لابنته سميحة “سعاد حسني ” وبين النجمة هند رستم حتى يستميل قلب ابنته سميحة لابن عمها حسين وليبعدها عن لوسي الذي لايجيد إلا الرقص.

 تؤدي وداد دور الخادمة بخفة دم غير عادية وتصبح قاسما مشتركا في أغلب مشاهد الفيلم ومن أروع مشاهدها ذلك المشهد الذي تحاول أن تقلد فيه النجمة هند رستم .. هو دور بطولة ثانية لكنه يرقى ليكون دورا من الأدوار الأولى أيضا.

 ومن أشهر أدوار وداد حمدي أيضا دورها في فيلم بنت الجيران مع شادية وعمر الحريري وفؤاد المهندس  حيث تقوم بدور خادمة  شادية وفيه  تشارك بالغناء معها ومع  المطرب عمر الجيزاوي كما شاركت وداد أيضا بالغناء مع صباح في فيلم ثورة المدينة بطولة صباح ومحمد فوزي ومن أهم  مشاهدها فيه مشهد محاولتها إثارة الغيرة بين بطلي الفيلم صباح ومحمد فوزي.

ورغم أن المخرجين حصروا وداد حمدي في دور الخادمة لكنهم أيضا حرصوا على إضفاء بعض الإثارة عليها من خلال ظهورها غالبا في فساتين ضيقة محبوكة بحيث تظهر مفاتن جسدها باعتبارها  تمثل نموذجا للجمال الشعبي وللقوام الذي ينظر اليه أبناء الطبقات الشعبية باعتباره عنوانا للقوام الذي يفتتنون به ، وهو استغلال تجاري ومن أجل شباك التذاكر  لم تجد  وداد غضاضة في  تقديمه لأنه لم يخرج إطلاقا على المألوف والعادي إلى مناطق  إغراء صارخ.

تنويعات

كانت وداد حمدي عاشقة للمسرح ، ومثلت منذ بداياتها على خشبته فقد حلت محل عقيلة راتب في الفرقة القومية المصرية   وذلك في مسرحية شهرزاد، كما  كما أدت أدوارا مهمة في مسرحيات أم رتيبة وعزيزة ويونس و20 فرخة وديك وعشرة على باب الوزير ولعبة اسمها الحب  كما عملت في عدد من المسلسلات مثل  الجزء الثالث  من ليالي الحلمية ومسلسل غوايش ن وقد  شاركت مع الفنانة وردة في مسرحية تمر حنة  وكانت  وداد وقتها قد تزوجت من الفنان محمد الطوخي والد النجمة إيمان الطوخي وآثرت الاعتزال لتتفرغ لحياتها الزوجية فأجبرتها وردة على  أن تعود من الاعتزال لثقتها في امكانياتها الفنية لتقف أمامها على خشبة المسرح ، وزواج وداد من محمد الطوخي كان هو الزواج الوحيد المعلن المعروف بالنسبة لها ، وقد كانت هناك شائعة أنها تزوجت من الملحن محمد الموجي وبسبب زواجه منها انفصل عن المطربة المعروفة سعاد مكاوي لكن هذه المعلومة غير مؤكدة كما أن هناك شائعة أخرى أن وداد تزوجت من النجم الراحل صلاح قابيل لكن ابنه نفى هذا الخبر جملة وتفصيلا.

ظلت وداد حمدي تعمل حتى أواخر حياتها ومثلت في التسعينات في أفلام” اللي رقصوا على السلم والحقيقة اسمها سالم وهدى ومعالي الوزير الذي كان آخر أفلامها.

النهاية الحزينة

وفي السادس والعشرين من مارس عام 1994 كانت وداد حمدي في شقتها حين اتصل بها الريجسير متى باسليوس وأخبرها أن منتجا خليجيا  يطلبها لتمثل دورا في مسلسل تليفزيوني واتفق معها على زيارتها  لإخبارها بتفاصيل العمل وكان هذا الريجسير معروفا في الوسط الفني ، وذهب إلى شقتها لكنه كان يضمر الغدر فقد كان يمر بضائقة مادية ولم  يساور  وداد حمدي أي شك في غدره وتركته في الصالون وذهبت إلى غرفة نومها لتحضر له بعض النقود، ففوجئت به يستل سكينا وتوسلت اليه أن يتركها وأن تعطيه مجوهراتها لكنه عاجلها ب 35 طعنة أودت بحياتها ليتحقق مشهد الخناقة بينها وبين كاميليا كاملا كما ذكرنا والغريب ان الريجسير القاتل الذي  حكم عليه بالإعدام وتم تنفيذ الحكم عام 1998  كان قد خطط قبل ذهابه لشقة وداد لارتكاب جريمته لقتل سهير رمزي ويسرا لكنه لم يجدهما في شقتيهما  فذهب  إلى وداد حمدي مدفوعا بضائقته المادية ولم يجد في بيت وداد  سوى 270 جنيها سرقها ومعها سرق ضحكة عفية رائقة لطالما ترددت بصخب في ستوديوهات السينما المصرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock