رؤى

وزير بريطاني يكشف التأثير الصهيوني في سياسات بريطانيا الخارجية

عرض وترجمة: أحمد بركات
من الكشف عن الجهود الإسرائيلية لتدميره لإيمانه بالحق الفلسطيني إلى محاولات مجموعات ضغط قوية موالية لإسرائيل منعه من تولي وزارة شؤون الشرق الأوسط، ومن جميع أوجه الترقي المهني إبان عمله في حكومة المملكة المتحدة ، يقدم السير آلان دونكان شهادته على نفوذ الدولة الإسرائيلية في توجيه دفة السياسة البريطانية.

شغل دونكان منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الفترة من 2016 إلى 2019، بعد أن تولى في السابق منصب وزير الدولة لشؤون التنمية الدولية في حكومة الظل. ويكشف كتابه الجديد In the Thick of it (في خضم المعمعة) الكثير عن سياسة حكومة المملكة المتحدة التي غابت عن الصحافة البريطانية.

في بداية عام 2017، اتصلت قناة الجزيرة بدونكان لإبلاغه عن تحقيقها السري حول النفوذ الإسرائيلي في توجيه دفة سياسات المملكة المتحدة، والذي تضمن الكشف عن معلومات تتعلق به شخصيا.

وكتب دونكان في مذكراته أن قناة الجزيرة “لديها لقطات لدبلوماسيين من السفارة الإسرائيلية في لندن يتعاونون مع نواب من كل من حزبي العمال والمحافظين بشأن إسرائيل”. من بين هذه اللقطات شاي ماسوت، وهو دبلوماسي من السفارة الإسرائيلية، أثناء مطالبته لهم “بتدمير نائب وزير الخارجية (السير آلان دونكان)، “حتى لا يصبح يوما وزيرا للخارجية”.

وأضاف دونكان: “يقولون إنه إذا تم إقالة ]وزير الخارجية آنذاك[ بوريس ]جونسون[، فسوف أتولى زمام الأمور، ومن ثم يجب منع كلا الحدثين”.

وبعد ذلك بأيام، اتجه دونكان إلى وزارة الخارجية لإطلاع سايمون ماكدونالد، الذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية الدائم ومدير قسم البعثات الدبلوماسية في الوزارة، على هذه المعلومات.

وكتب دونكان: “جعلت أذكره بما حدث وما قلته له في أول يوم لي كوزير. ’سيمون… ألم أخبرك؟ تعتقد مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظين” (وهي مجموعة ضغط قوية في ويستمنستر لا تكشف عن مموليها، لكنها تزعم أن 80% من أعضاء البرلمان المحافظين ينتمون إليها) والإسرائيليون أنهم يسيطرون على وزارة الخارجية، وهم يسيطرون بالفعل”.

يجب ألا يتصرفوا على هذا النحو

في اليوم نفسه، تحدث دونكان عبر الهاتف إلى مارك ريجيف، سفير إسرائيل آنذاك لدى بريطانيا، الذي أخبره أن ماسوت “موظف محلي”، ووصفه بأنه “يعمل بقدرات شخص مبتدئ وليس له أي مكانة دبلوماسية”، وفقا لما كتبه دونكان.

وأضاف دونكان: “كان ذلك أكذوبة”، موضحا أن “ماسوت كان سكرتيرا أول أو ثان، وعضو في المخابرات العسكرية، ويعمل على وجه التحديد كمسؤول دعائي متخفي داخل البرلمان”.

وتابع: “ما هو المغزى من أن يقول ريجيف شيئا غير حقيقي على الإطلاق، والذي نعرف، أنا وهو، كل ما يتعلق به من حقائق؟ يا له من دمية؟”.

ثم أطلع دونكان بوريس جونسون على الأمر، ما أثار سخط الأخير. “’لا يجب أن يتصرفوا على هذا النحو‘، صرخ ]جونسون[، على الرغم من أنني أخبرته مليون مرة أنهم يفعلون ذلك”، وفقا لما ورد في المذكرات.

وكتب دونكان أنه أخفى بعض المعلومات عن جونسون: “تقول أشرطة الجزيرة بالأساس أنني أدير [وزارة الخارجية]، وأن بوريس جونسون أحمق، وأني أتخذ القرارات المهمة، وإذا حدث أي شيء لبوريس، فسأتولى وزارة الخارجية، ومن ثم يجب تدميري. يا لها من قراءة فقيرة للحقائق، لكنها تقدم فكرة معمقة عن العقلية الإسرائيلية”.

وكشف وثائقي الجزيرة أيضا عن مدى تأثير الدولة الإسرائيلية على حزب العمال المعارض. ففي محادثة تم تصويرها خارج إحدى الحانات في لندن، كشف مايكل روبن، المسؤول البرلماني عن مجموعة “أصدقاء إسرائيل العمال”، التي تضم العشرات من أعضاء البرلمان من حزب العمال كمسؤولين أو داعمين، عن العلاقات الوثيقة بين المجموعة والسفارة الإسرائيلية في لندن.

في هذه المحادثة قال روبن أيضا، إنه وشاي ماسوت “يعملان معا عن كثب … لكن كثيرا من هذا العمل يجري في الكواليس”. وأضاف أن “السفارة الإسرائيلية تساعدنا كثيرا. وعندما تتردد أخبار سيئة عن إسرائيل، ترسل لنا السفارة المعلومات حتى نتمكن من مواجهتها”.

وإدراكا منه لهذه المعلومات، تحدث دونكان إلى إميلي ثورنبيري، وزيرة الخارجية في حكومة الظل آنذاك، لمعرفة ما إذا كان حزب العمال يعتزم طرح سؤال عاجل في البرلمان بهذا الشأن.

وقال دونكان: “لن يقدموا على ذلك، لأنه ينطوي على مخاطرة مواجهة مزيد من الاتهامات بمعاداة السامية”، في إشارة إلى “أزمة معاداة السامية” المستمرة منذ فترة طويلة، والتي هزت حزب العمال تحت قيادة جيريمي كوربين.

ولم تواجه مجموعة “أصدقاء إسرائيل العمال” أي إجراء من قبل الحزب بعد إذاعة وثائقي الجزيرة.

تجسس راسخ

قبل ظهور أدلة دامغة على الجهود الإسرائيلية “لتدميره”، كان دونكان استُهدف بالفعل من قبل مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظين” لوقف ترقيه الوظيفي داخل الحكومة البريطانية.

وفي 16 يوليو 2016، كتب دونكان: “كل شيء واضح ومتفق عليه.. سأكون وزيرا لشؤون الشرق الأوسط، كما كان متوقعا”. وأضاف: “وكيل الوزارة الدائم سيمون ماكدونالد اتصل وأخبرني أنه تم الاتفاق على كل شيء، وأنه سيوصي وزير الخارجية بذلك”.

وتابع دونكان: “لكن عندما رأيت بوريس جونسون في تمام السادسة مساء يبدو أن مشكلة كبيرة كانت قد حدثت، وهي لا تقل جرما عن الإزدراء بالحكومة البريطانية. وقال بوريس جونسون إن “أصدقاء إسرائيل المحافظين سيغضبون”.

بوريس جونسون
بوريس جونسون

وأفاد جونسون أن إريك بيكلز وستيوارت بولاك، وكلاهما من كبار الشخصيات في جماعة “أصدقاء إسرائيل المحافظين”، “ألحا في الاتصال به، وقالا إنه لا ينبغي أن يتم تعييني”.

وكتب دونكان أن تلك المعارضة من قبل مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظين” “لم تكن لسبب سوى لأنني أؤمن بحقوق الفلسطينيين”.

وأضاف: “في حين أنهم يظهرون أنهم يؤمنون بدولتين متوازيتين، إلا أنهم يضمرون خلاف ذلك، ومن ثم فقد انطلقوا ليدمروا جميع المدافعين الحقيقيين عن فلسطين”.

وختم دونكان قائلا: “إنهم فقط يريدون التقليل من شأن الفلسطينيين وإخضاعهم”.

لكن هذه الضغوط أتت أكلها. وبرغم عدم إعلان التعيين، “الآن تخبر الحكومة البريطانية جونسون أنني لا يمكن أن تولى وزارة شؤون الشرق الأوسط”، وفقا لما كتبه دونكان. وتابع: “كان جونسون غاضبا نوعا ما من هذا الضغط، ومدى ملائمته من عدمها”.

في هذا التوقيت عرض دونكان حلا وسطا، وهو أن يتولى وزارة شؤون الشرق الأوسط على أن يستبعد القضية الإسرائيلية الفلسطينية من الإحاطة. وبحسب دونكان، “راقت هذه الفكرة لجونسون”، لكنه أضاف أنه “على أي مستوى، من المفزع أن تخضع تعيينات رئيس الوزراء لهذه الضغوط”. وأكد أن “مصلحتنا القومية يتم الاستيلاء عليها”.

وتابع: “في أي دولة أخرى، سينظر إلى سلوك إريك بيكلز وستيوارت بولاك على أنه تجسس مكتمل الأركان يستدعي التحقيق”.

وأشار دونكان أيضا إلى أن رئيس موظفي داونينغ ستريت، نيك تيموثي، كان “متعاونا مع مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظين””.

وتابع: “قضية إسرائيل برمتها تأخذ أكبر من حجمها، لكن الأسوأ هو أنها يُسمح لها بتمكين أطراف معنية في الحكومة لاتخاذ القرارات فيما يتعلق بمسؤوليات الوزراء”.

وأضاف: “هذا غير لائق على الإطلاق، وخطأ فادح، بل إنني أعتقد في واقع الأمر أنه فساد، لكن النظام بأكمله يتعامل معه دون أن يدرك مدى فداحته”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker