يثير اغتيال زعيم بوكو حرام بناء على أوامر مباشرة من الرئيس الجديد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العديد من المتاعب والمشكلات في كل من شمال إفريقيا وأفغانستان، فيما يمثل تحذيرا شديد اللهجة للأمن العالمي على وجه العموم.
كان أبو بكر شيكاو، زعيم بوكو حرام في شمال نيجيريا، قضى، في مايو الماضي، بعد تفجير عبوة ناسفة أثناء ملاحقته من قبل جماعة “ولاية غرب إفريقيا”، التابعة لتنظيم الدولة، المنافسة. وفي يونيو، أكدت ولاية غرب إفريقيا مسؤوليتها عن مقتل شيكاو بناء على أوامر من رئيس تنظيم الدولة الجديد، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الذي يُفترض أنه يعمل من العراق.
بيدو أن الدافع هو جزء من خطة لتعزيز نفوذ تنظيم الدولة داخل جماعة بوكو حرام، التي تمثل في ذاتها جزءا غير محكم الربط من حركة إسلامية أوسع نطاقا تكتسب نفوذا متزايدا في منطقة الساحل في شمال إفريقيا، وبالتالي، تعزيز القدرات الدولية لتنظيم الدولة إلى درجة مثيرة للقلق.
جاء مقتل شيكاو في وقت تتفاقم فيه أزمة انعدام الأمن في جميع أرجاء منطقة الساحل، والتي تشمل ـ من بين دول ومناطق أخرى ـ الجزء الشمالي من نيجيريا. في الوقت نفسه، يمثل الأمن في نيجيريا إشكالية ملحة. فقد فاز الرئيس النيجيري محمد بخاري بالانتخابات الرئاسية في عام 2015 على أساس برنامج يعزز الأمن الداخلي، وهو ما فشل فيه فشلا ذريعا.
ففي 30 مايو، خطف مسلحون 136 طفلا من طلاب المدارس لتصل المحصلة النهائية للطلاب المخطوفين إلى أكثر من 800 طالب في الأشهر الستة الماضية. وتعزى عمليات الخطف بشكل أساسي إلى المليشيات المتطرفة في الشمال، لكن نيجيريا تواجه أيضا مليشيات انفصالية في كل من الجنوب الشرقي والجنوب الغربي.
وبرغم ذلك، لا يزال بخاري يحظى بشعبية جيدة، ويسيطر حزب المؤتمر التقدمي الذي يترأسه على البرلمان وحكم الولايات، ويتوقع إعادة انتخابه في العام القادم، ومن ثم فإن احتمالات التغيير تبدو محدودة للغاية في الأفق الأمني النيجيري. يمثل هذا خبرا خبرا جيدا للمليشيات الإسلاموية، خاصة مع تنامي نفوذها في الولايات الشمالية.
إضافة إلى ذلك، توجد العديد من المليشيات التي تنتشر في خمس دول في منطقة الساحل (هذه الدول هي موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد)، وكثير من هذه المليشيات لا يرتبط ارتباطا وثيقا بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. ويعزم تنظيم الدولة الإسلامية تمديد نفوذه أيضا عبر شرق ووسط إفريقيا، بما في ذلك في جمهورية الكونغو الديمقراطية وشمال موزمبيق.
وفي الساحل يولي تنظيم الدولة اهتماما خاصا بمنطقة الحدود الثلاثية التي تضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث تأتي المشاركة العسكرية الغربية الرئيسية من عملية برخان الفرنسية. كما تأتي المشاركة أيضا من الجيش الأميركي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إلى جانب القوات الخاصة البريطانية، وتضطلع الأمم المتحدة بمهمة كبيرة لتحقيق الاستقرار في مالي.
ومع ذلك، فإن دور فرنسا كعنصر رئيسي لم يأت بدون تكلفة فادحة. ففي بداية هذا العام ذكرت صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” أن العمليات العسكرية “قد تمنح فرنسا هالة القيادة الأوربية في مجال الأمن، خاصة في الصراعات التي تدور رحاها في الجنوب. لكن التكاليف كانت باهظة، حيث بلغت تقريبا مليار يورو سنويا، و17 ألف جندي، يتم تدويرهم كل عام، وهو ما يمثل ربع القوة القتالية في الجيش الفرنسي، بالإضافة إلى 55 قتيلا و300 جريحا حتى الآن. وعلى المستوى السياسي، لطخ هذا الدور الجبين الفرنسي بوصمة الاستعمار الجديد”.
ويستمر الصراع بلا نهاية تلوح في الأفق، ولم يؤثر كثيرا نشر 550 جنديا فرنسيا آخرين مطلع هذا العام في إنهاء العنف. ويتنامى شعور في فرنسا، وكذلك بين حلفائها، أن هذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها، ويتضخم هذا الشعور مع انسحاب القوى الغربية من أفغانستان.
وفي الولايات المتحدة، يمضي الرئيس بايدن قدما، وبخطوات متسارعة، على طريق الانسحاب من أفغانستان الذي بدأه سلفه دونالد ترمب، حيث غادرت بالفعل الغالبية الغالبة من الجنود الأميركيين، ولم يتبق سوى عدد صغير لإكمال نقل المواد، وبضعة مئات لحراسة المجمعات الدبلوماسية.
كما انسحبت قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وفيما سيترك هذا آثارا غائرة، يبقى العنصر الأكثر تأثيرا على الأمن الأفغاني هو العدد الكبير للمتعاقدين الخاصين الذين يعملون في قطاع الأمن، ويغادرون أفغانستان الآن.
وحتى وقت قريب، كان هناك 18 ألف متعاقد أمني خاص (نصفهم تقريبا من الأميركيين)، لكن معظمهم سيغادرون في غضون الأسابيع القادمة. وتعتمد قوات الأمن الأفغانية بقوة على هؤلاء المتعاقدين لإصلاح وصيانة أسطول طائراتها ومدرعاتها وغيرهما من الآليات والمعدات العسكرية.
وبدون مساعدة هؤلاء المتعاقدين، لن تتمكن القوات الأفغانية من المحافظة على استمرار قواتها الجوية لأكثر من بضعة أشهر. ويعتبر محللون أن القوات الجوية تمثل نقطة القوة الرئيسية في مواجهة طالبان، ومن ثم فإن هذه الخسارة ستمثل ضربة قوية من شأنها أن تجعل طالبان في مأمن.
وفيما وعدت الولايات المتحدة بمنح مبلغ 6,6 مليار دولار سنويا لأفغانستان على مدى العامين القادمين، إلا أن هناك ما يؤشر بجلاء على حجم المشكلة التي تواجهها القوات الأفغانية، وهو أن المتمردين الطالبانيين استولوا على عدد كبير من المناطق منذ بدء الانسحاب في مايو، وتضاعفت وتيرة هذا العدد في الأسابيع الأخيرة.
وستعتمد السياسة الأميركية بعد الانسحاب على ما إذا كانت طالبان ستنجح في بسط سيطرتها كاملة على أفغانستان، والأهم من ذلك من منظور واشنطن هو ما إذا كانت الجماعات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية سيبرز كتهديد مباشر على الولايات المتحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا