الحدث

أيها الأمريكيون: واجهوا الحقيقة المرة نحن دولتان لا دولة واحدة

عرض وترجمة: أحمد بركات
نحن دولتان، ولن تهزم إحداهما أو تختفي في أي وقت قريب.. تلك هي النتيجة الأهم التي تكشفت عنها المعركة الانتخابية المحمومة، مثلما تكشفت أيضا عن حقيقة أن نتيجة انتخابات عام 2016 لم تكن مجرد مصادفة تاريخية أو مُخرجا لعمليات تخريب مارستها قوى خارجية ضد الأمريكيين في الداخل، وإنما كانت – في واقع الأمر – انعكاسا دقيقا للعقل الانتخابي الأمريكي. فالأغلبية الديمقراطية، التي قُتلت بحثا، بدأت في الظهور مع مطلع هذه الألفية، ولا تزال تواصل ظهورها، وربما ستواصله لسنوات أخرى قادمة. لكن رغبة الأغلبية تتوارى تحت ركام قواعد غير ديمقراطية وسياسيين مجردين من المبادئ، بينما تبقى هي مجرد أغلبية جوفاء لا تمتلك أعدادا كافية تمكنها من الحكم. وعندما تصبح أمريكا في نهاية المطاف ’الأرض الموعودة‘ التي يسيطر عليها جيل الألفية الذي يملك مفاتح التكنولوجيا، فإن قيمها السياسية ستغشاها حجب من الضبابية وعدم اليقين.

https://www.youtube.com/watch?v=sdELNTciuNw

لقد أثبت عشرات الملايين من الأمريكيين أنهم يحبون MAGA (“لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، وهو الشعار السياسي الذي استخدمه ترامب في انتخابات عام 2016) أكثر من حبهم الديمقراطية. وبعد أربع سنوات من خرق القوانين وانتهاك المعايير، لم يعد ثم أوهام أو خيالات تتعلق بالرئيس دونالد ترامب.. فقط حقائق. لقد تُوجت فترة حكم ترامب بجهد جهيد لتدمير شرعية الانتخابات ومنع الأمريكيين من التصويت. ولم تكن حشوده في الأسبوع الأخير من حملته الانتخابية سوى مهرجانات حاشدة للكراهية وحب الذات والضجر دونما أي بصيص لمستقبل أفضل يلوح في الأفق. وحتى عندما خرج “محبو الحرية” بملايين غير مسبوقة للتصويت، فإن استعدادهم للتخلي عن مؤسساتهم الجمهورية إلى جانب كرامتهم وفهمهم للحقائق يشير إلى أن أمريكيين كثر قد فقدوا السمات الأساسية التي اعتقد المؤسسون أنها ضرورية للحكم الذاتي. والأسوأ، أنه لا توجد طريقة واضحة لوقف هذا التدهور والأخذ بزمام أمتنا إلى حيث الاتجاه الآخر، وهو ما يُظهر بوادر إصابة عناصر على الجانب الآخر من الطيف السياسي أيضا.

لكن تركيبة أنصار ترامب، التي تضم أقلية كبرى من المصوتين اللاتينيين وأعداد غير قليلة من الناخبين السود، تجعل دوافعهم أكثر تباينا وتعقيدا من القضية الوحيدة والمطمئنة إلى حد ما التي استقر عليها التقدميون بعد عام 2016، وهي قضية العنصرية. هنا تتجلى أسباب مختلفة تجعل أنماطا مختلفة من الأفراد تريد أن تلقي بأنفسها تحت أقدام رجل محتال. كما تبين عمليات التصويت أيضا أن عادة التقدميين المتمثلة في رؤية الأمريكيين باعتبارهم جزيئات تذوب في كميات هائلة من المحاليل العرقية والإثنية المحايدة دونما أي إرادة فردية قد أثبتت أنها مضللة على المستوى التحليلي وتعبير عن هزيمة الذات على المستوى السياسي، وهو ما يلحق ضررا حقيقيا وبالغا بقضية المساواة.

ولسوء الحظ، لا يزال العديد من الصحافيين ومنظمي استطلاعات الرأي البارزين غير قادرين على فهم الطريقة التي يفكر بها أغلب مواطنيهم، حتى في الوقت الذي يقضي فيه هؤلاء الخبراء مزيدا من الوقت في الحوار مع بعضهم البعض على “تويتر” أو في استوديوهات التليفزيون. ولا تزال الصحف المحلية التي يمكن أن تملأ صورة ’مَن نحن‘ بمزيد من التفاصيل الإنسانية تواجه خطر الانقراض في جميع أنحاء البلاد. إننا جميعا – مهنيين أو غير ذلك – حبيسو غرف معلومات محكمة الغلق، حيث يكون الجهد المبذول لفهم السرديات المخالفة موضع شك على المستوى الأخلاقي.

هذا التدمير للقواسم المشتركة العقلية يحتمل أن يكون قاتلا للديمقراطية. فعلى عكس المواطنين في الأنظمة الاستبدادية الشائخة، يفتقد الأمريكيون عادة تعلم سبل العيش والتعايش مع الأكاذيب التي لا نجبر أنفسنا على تصديقها أو الاعتقاد بصحتها. وكوافدين جدد، فإننا تواقون إلى التضليل الجماعي، ومؤمنون متحمسون بأكثر القصص سخافة، وخبراء فوريون في استغلال كل تفصيلة في البيانات كدليل على حقيقتنا المختارة. لقد حلت مارجوري تايلور جرين – من جورجيا، وإحدى أنصار أيديولوجيا المؤامرة المجنونة “QAnon” (وهي نظرية مؤامرة يمينة متطرفة تزعم أن جمعية سرية من المولعين جنسيا بالأطفال من عبدة الشيطان تدير عصابة عالمية للإتجار الجنسي بالأطفال، وتتآمر ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يحارب هذه الجمعية) – ضمن قوائم الفائزين في ليلة الانتخابات. وسوف تجلس في الكونجرس إلى جانب زملائها من الديمقراطيين المنخرطين – في زعمها – في الإتجار الجنسي بالأطفال.

جورج باكر – كاتب في مجلة The Atlantic

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock