عرض وترجمة: أحمد بركات
في وقت متأخر من 25 يوليو، وبعد يوم من المظاهرات الصاخبة التي شملت، وفقا لتقارير، بعض أعمال النهب، استدعى الرئيس التونسي، قيس سعيد، المادة 80 من الدستور، والتي تمنح الرئيس سلطات إضافية في حالات الطوارئ، مستشهدا بحالة الانهيار التي تعاني منها الخدمات العامة، والدمار الذي حاق بالممتلكات الحكومية.
وبموجب هذه المادة، جمد سعيد البرلمان لمدة 30 يوما، وألغى الحصانة البرلمانية لأعضائه، وأخضع مكتب المدعي العام لسلطاته.
وفي اليوم التالي، استشهد سعيد بالمادة 80 أيضا لإصدار مرسوم رئاسي بإقالة هشام المشيشي، رئيس الوزراء ووزير الداخلية المؤقت، الذي طغت في عهده، الذي لم يتجاوز عاما واحدا، حالة من الشلل على جميع مفاصل البلاد، وتفشى الاستقطاب، إلى جانب وزراء الدفاع والعدل والخدمة المدنية.
وتسببت هذه الأعمال في إثارة أكبر أزمة سياسية شهدتها البلاد منذ ثورة 2011 التي أسقطت رئيسها المستبد، زين العابدين بن علي، في أولى ثورات الربيع العربي.
وأعقب قرار سعيد رد فعل غاضب من خصمه السياسي الرئيسي، راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، ورئيس حزب النهضة الإسلاموي الأكبر في تونس. ووصف الغنوشي هذه الإجراءات “بالانقلاب على الثورة”.
وأعربت أحزاب أخرى متحالفة مع حزب النهضة، وتمثل غالبية مقاعد البرلمان، عن استيائها، وأكدت أن استيلاء سعيد على سلطات الطوارئ غير دستوري على أساسين، هما: أولا، أنه لم يف بالتزام إبلاغ رئيس البرلمان ورئيس الوزراء قبل تطبيق المادة 80. وثانيا، أنه تجاوز سلطاته الدستورية بتجميد البرلمان (الذي تنص المادة 80، وفقا لهذا الفريق، على أن يواصل عمله من خلال جلسة دائمة إلى جانب الرئيس في حالات الطوارئ)، وتجريد النواب من الحصانة، وإخضاع مكتب النائب العام لسلطته.
والآن تواجه تونس خطرا داهما من تصعيد المواجهات، في وقت يتسم فيه اتجاه الأحداث بالضبابية وعدم اليقين، ومن ثم، يبدو ما عمد إليه الرئيس وكأنه قفزة إلى المجهول.
وفي سياق متصل، مرت المشاركة الشعبية في الأحداث في الساعات الأربع والعشرين الأولى عبر ثلاث مراحل، أخذت الأولى شكل موجة أعمال شغب في العديد من المدن سبقت الإعلان الرئاسي في 25 يوليو.
لم يكن المحتجون، خلال هذه الموجة، ينتمون بوضوح إلى أي حزب سياسي، وإنما كانوا بالأساس من مثيري الشغب في ملاعب كرة القدم، إضافة إلى بعض العناصر الأخرى غير المنضبطة.
واتسمت هذه الحشود بنكهة مضادة للإسلاموية، ورددت هتافات تلقي فيها باللائمة على حزب النهضة في اغتيال اثنين من الرموز العلمانيين اليساريين التونسيين، وهما شكري بلعيد ومحمد براهمي، في عام 2013، والذي نسب إلى الجهاديين السلفيين.
واستهدفت هذه الحشود مكاتب حزب النهضة في كل من المنستير وسوسة وصفاقس والكاف وتوزر، والتي تعرضت جميعها، وفقا لتقارير، للعديد من أعمال النهب.
وفي المرحلة الثانية، التي بدأت لاحقا في 25 يوليو أيضا، بعد أن أعلن سعيد انتزاع السلطات، أخذت المظاهرات شكلا احتفاليا لدى العديد من أبناء الطبقة الوسطى التونسية، خاصة في العاصمة تونس، وراح الناس يرقصون، ويغنون النشيد الوطني، ويهتفون “عاش الرئيس”.
وجاءت المرحلة الثالثة في صباح اليوم التالي، 26 يوليو، حيث سادت حالة من التوتر بعدما منعت قوات الشرطة مؤيدي حزب النهضة الذين حاولوا الوصول إلى البرلمان. وراح المتظاهرون يلقون الحجارة والزجاجات، وأصيب عدد قليل بقنابل الغاز.
وفيما تظل الاشتباكات بين مؤيدي المعسكرين محدودة حتى الآن، إلا أنه لا يمكن استبعاد خطر التصعيد واندلاع أعمال عنف في الأيام القادمة. وستكون قرارات الرئيس التالية ـ سواء باستخدام عمليات الاعتقال بتهم الفساد ضد بعض أفراد الطبقة السياسية ورجال الأعمال، كما توحي بذلك سيطرته على مكتب النائب العام وأولوياته السياسية، أو بإصدار أوامر إلى قوات الأمن باعتقال رموز المعارضة ـ وردود أفعال المعارضة ـ الذين قد يحشدون شبكاتهم ضد سعيد في الشارع ـ حاسمة في توجيه دفة الأحداث.
هل ما حدث يُعد إنقلابا؟
وبينما يقول معارضو الرئيس التونسي، قيس سعيد، إن مناوراته كانت خارجة على الدستور، ومن ثم فهي تعد انقلابا، أو انقلابا دستوريا، أشار سعيد، الذي كان يعمل أستاذا في القانون الدستوري قبل انتخابه كرئيس، إلى الدستور ذاته، وطلب من منتقديه تثقيف أنفسهم من خلال أخذ بعض الدروس في القانون.
لكن، سواء اعتبر التونسيون والحكومات الأجنبية ما قام به سعيد في 25 يوليو انقلابا أم لا، يبقى ما حدث بكل الأحوال استيلاء مدبرا على السلطة، خاصة وأن الدوائر المقربة من الرئيس التونسي تحدثت قبل أشهر عن رغبته في استدعاء المادة 80 من الدستور.
كما بدت المظاهرات التي أطرت للقرارات الرئاسية استفزازية نوعا ما، وربما كان مخططا لها مسبقا، حتى لو تغذت على إحباطات المواطنين الفقراء.
وأثار الجدل الأخير حول التعويض المالي بموجب العدالة الانتقالية الذي حصل عليه نشطاء النهضة الذين عانوا في فترة حكم بن علي، مزيدا من الغضب الشعبي.
وتورط الجيش في اللعبة، ولكن بقدر. فبمجرد أن استدعى سعيد سلطات الطوارئ بموجب الدستور، تحرك الجيش سريعا لإغلاق البرلمان، والسيطرة على مقار هيئة الإذاعة والتليفزيون الحكومية.
لكن حتى الآن، لم يتجاوز الجيش التونسي هذه الحدود في استعراض القوة. ولم تحدث حتى الآن أي موجة اعتقالات ضد المعارضين، رغم وجود شائعات حول منع آلاف السياسيين وكبار المسؤولين من مغادرة البلاد، ما قد يشير إلى إمكانية حدوث اعتقالات مستقبلية.
(يُتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا