ليست كل موسيقى تنبتُ بعد التسعين خريفًا!
موسيقى الوحدة تضرب رأسي..
أي رأسٍ تلك تحتملُ القسوةَ،
والعناءَ اليومي لرجلٍ يتصابى على عتبةِ التسعين؟!
الأجهزةُ المعنيةُ في ضلوعي بارتكابِ حماقة الحّبِ
لا يعنيها أن يحالَ موظفٌ لديها إلى التقاعد.
الموسيقى أتشمم نضجها كامرأةٍ قاسية القلب
وأتصببُ عرقًا عند تسممِ جسمي بشهوتها
المذياعُ يعلقه العجوزُ على حائطِ شرفتهِ كلّ صباحٍ
كذكرى تـُنسيه اجتياح عقله المُحصّن بالصداعِ
وقلبَه المغلّفِ بالرتابة.
موسيقى الوحدة هي ذاكرتي البائسة..
المنسيةُ في حقيبةِ سفري
في باروكةِ شَعرٍ أداري خيبةَ صلعي
في بدلةِ الجينز الممزقة كخرائطِ الجنون
في العدساتِ التي تشقّ عتمةَ “بير السلم”
في قالبِ الشيكولاتة المخفوق بالملحِ والتبغ
لذلك، أسعى كلَّ مرة أن:
ألتقطُ صورًا لفمي
كلما قبّلتُ شجرةً في الطريقِ العام
فنجانَ قهوة فارغًا يعزز خفقانَ قلبي
دميةً عظمية تفسر انحطاطَ الحياةْ
مرآةً بحجم الكفِّ
لا تكشفُ عن سوادِ الحزنِ أسفلَ عينيّ
نُبلَ أمي وهي تُدبِّس قبلتين في وجهي
لأنني في المساء أكون قد وضعتُ مكانهما
سُخامَ القصائدِ التي أكتبها لمزاجيَ الخاص
وأستمني فوقها اللعناتَ حتى أستريح!
-*-*-*-*-*-
–*-*-*-*-*–
القمرُ رغوةُ نائم، سقطتْ على مذبحِ “ويسلنج”*
الشمسُ إرثُ التفاصيل الراكدة في سيمفونيةِ البعث
النهارُ موسوعةُ اللحظاتِ التي
تعجز بطن “تشيللو” عن ابتلاعها
الليلُ قاتمٌ وفارغٌ كحافظةٍ جلدية،
لم تفرح باصطحابها في جيبِ بنطال.
الموسيقى إذن لا مكان لها، أو وجود.
دون مساسٍ بأحلامِ رجلٍ/ طفل،
بلغ التسعين تيهًا من المأساة.
*مورجان ويسلنج، فنان تشكيلي أمريكي معاصر ينتمي للمدرسة التأثيرية في الفن1963.
هذه الحرب التي تسمعون كرازتها
أعرفُ قيمةَ العتمة،
فهي تسمح للصوصِ بسرقةِ لحمي
وتساعد في حياكةِ مقبرةٍ على مقاسِ مجرّة.
…….
أورثتِ البحرَ ضبابَه الأسود
كبّدتِ العصافيرَ أعشاشها المُهجّرة،
هذا ملفك الأول أيتها الحرب..
فماذا تبقى إن نزعتِ مساميرَ النعوش
عن جثثِ العاشقين،
وصنعتِ لأرواحهم المتعبة
ثقوبًا تجعل التحليقَ مرنا؟!
……..
أربعةُ قرون كافية
لزرع مكان كلِّ جثة خلّفتها الحربُ وردةً حمراء
مليارَ وردةٍ وأكثر
تصنعُ ظلاً يراوغ ذكريات الموت.
………
أنا أزليّ،
إذا ما فكروا في شطب التاريخ ذاته
أزليّ لا تهُمّني الحرب..
كلّ الحرب التي أرغموها المضي قدمًا نحوي
صليلُ حوافرها مجوّف كقعرِ طبل
كتيبةُ المشاة أطفالٌ زرعتهم ظروفُ اليتم
في منصّاتِ التتويج بالموت
نزعوا من صدورهم دُمى اللعب
وزرعوا مكانها أحجارًا..
كتبًا إرشادية لحمل البنادق،
ورسوماتِ إطلاق الرصاص الحيّ
لا تدفعهم غير أنات الأرامل
والأطواق المكهربة في كواحلهم.
أنا أزليّ، لا أرتعدُ لزمجرةِ حربْ..
فأعلنوا الحرب إذن على الأفق
على الأرحامِ التي تأكل نُطُفها
على الأمهاتِ اللاتي ولدن أطفالاً
في غفلةٍ من نوافذِ الموتِ المشرعة
ويقتسمن خلفَ الأبوابِ تعاستهن برفق.
……..
بعد كل حفلةِ قتلٍ
تتوزع جثثُ الموتى على عرباتِ الكارو
تشيّعها أجنحةُ الريحِ إلى مثواها الأول
الحظُّ يحالفُ الوردةَ وهي تنشعُ حزنًا
في أصيصها المكسور بلا رحمة
أو دميةِ طفل فضتها غريزةُ جندي أحمق
أو فكرةِ أنثى ذبحوها بسكينٍ بارد..
………..
لا تتصلّب مفاصلُ الحرب من الوقوفِ طويلاً
في باحاتِ كلّ مدينةٍ خربةْ
أسفلَ الشبابيكِ التي كانت همزةَ وصلٍ لعاشقِين
لن يكون هناك مكانٌ معتمٌ لتبادل القبلات
أو لفائفُ التبغ المحشوة بالوهج
هذه الحربُ خُلقتْ لتتحدثَ في شاشةِ التلفاز كواعظٍ
يُلقّن الجماهيرَ كرازة الفناء.
غجرية الوقت المرسل في دهاليز القصائد
أتعلمين لماذا أفضّل النبيذَ الأحمر؟؛
لأنكِ الكأس التي أشربُ فيها!
أتعلمين لماذا أُرسِلتْ العصافيرُ
إلى محطاتِ الكهرباء؟؛
لأنكِ الشغف الذي تُولد منه الحياة!
لماذا تمارس العصافير هشاشتها
أمام رصاصةِ القناص؟!
لأنني سأربطكِ إلى رِجْل سريري
فلا تمثلي دورَ الكلبةِ التي تنبح للفرار
من كلابشات جنوني،
أو دورَ الفأرِ الذي يبتلّ ذُعرًا من رؤية مصيدتي!
لماذا ينقصُ الأوكسجين من رئتيّ؟
وأنا أقطعُ بالسكينِ من لحمكِ؛
لأنني أخمد الحربَ بين الجائعين!
كلُّ لحظةٍ معكِ:
وعدٌ بطفولةٍ تكفر بالطفولة
بوجعٍ ينعش ذاكرةً تفقدُ سِحرها
وبصمتٍ يحُثّ الصخب على تفجير فوضاه.
أنتِ غجرية الوقت،
تُلقّن البحرَ قراءةَ الأسرار،
وهْيَ تراقصه على أطرافِ أصابعه.
جسدُك،
معلقٌ من شُريانكِ التاجيّ
في القصائدِ التي ترثُ مجونها الكتبُ
من قواربِ الشعراءِ الهائجة
ومن أفواهِ التبغِ الثائرةِ بالقبلاتْ.
لا شيءَ، إذن، يعفيني من تحصيلِ رسومِ بقائكِ داخلي
سأقوم بقطع ذراعك اليمنى،
وأزرعها برأسي التي
تتدلى منها أغصانُ ظلالِك
فأنتِ الطفلة التي تحتاج الصبرَ عليها؛ لتنضجَ فوق صفيحِ رجولتي الساخن.