عرض وترجمة: أحمد بركات
صعد الرئيس قيس سعيد إلى سدة الحكم التونسي في 2019 بعد حصوله على 73% من الأصوات، مدعوما بوعود مكافحة الفساد وإعادة بناء سيادة الدولة، وهو ما أيده حزب الهضة في ذلك الوقت.
ولكن برغم هذا التكليف الشعبي الكبير، أكد سعيد أنه ليس بوسعه أن يحكم البلاد بشكل مناسب بسبب هيمنة أحزاب أخرى على البرلمان، وعلى النظام السياسي في تونس، الذي يمنح السلطة لكل من الرئيس والبرلمان.
ونأى هشام المشيشي، الذي عينه سعيد رئيسا للوزراء في سبتمبر 2020، بنفسه على نحو مطرد عن الرئيس، إلى درجة أنه أسقط مرشح الرئيس لمنصب وزير الداخلية في يناير 2021. وتلا ذلك مزيد من الاستقطاب، وأصاب الشلل مفاصل البلاد عندما رفض سعيد السماح للحكومة الجديدة بأداء اليمين الدستورية.
أدى هذا الوضع إلى تفاقم الغضب الشعبي خاصة وأنه جاء عقب سلسلة من المشكلات التي تضمنت ضعف الثقة الشعبية في البرلمان والأحزاب السياسية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وما ترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية شملت، من بين أشياء أخرى، الإغلاق المتكرر للحدود مع الجزائروليبيا، وسلسلة من الإغلاقات وحظر التجول التي كانت تهدف إلى الحد من تفشي جائحة كوفيد ـ 19، وهو ما فشل في تقليص عدد الحالات الجديدة والوفيات، وشعور عام بإصابة المؤسسات بالشلل.
منحت هذه الحالة الرئيس التونسي الذريعة لاستدعاء المادة 80 من الدستور في 25 يوليو، وما ترتب على ذلك من إقالات وزارية، وتجميد للبرلمان لمدة 30 يوما، والسيطرة على مكتب النائب العام. ويزعم سعيد أنه يُحكِم بذلك سيطرته على السلطة لكسر حالة الجمود السياسي في البلاد، ومعالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
لكن التكلفة قد تكون باهظة، وربما تصل إلى إسدال ستار النهاية على تجربة الديمقراطية البرلمانية في تونس ما بعد 2011.
ليس من المستحيل أن يكون سعيد قد نجح في ترسيخ أمر واقع جديد. وفيما سيكون بلا شك معركة رسائل شرسة في الداخل والخارج، سيرفع حزب النهضة وحلفاؤه البرلمانيون راية السياسات البرلمانية والعملية الديمقراطية، فيما سيشدد سعيد على وعوده بالقضاء على الفساد، وجعل الدولة قوية وفعالة.
وتشير شعبية الرئيس القوية بين بعض شرائح المجتمع التونسي إلى وجود إرادة لدى بعض المواطنين على الأقل في أن تكون السلطة في يد رجل قوي يستطيع، فيما يعتقدون، وضع الدولة على الطريق السليم والأداء على نحو أفضل.
ومن خلال تدشين حملة مكافحة فساد ضد مسؤولين ورجال أعمال محسوبين على حزب النهضة، على سبيل المثال، يستطيع سعيد إضعاف بعض أقوى منافسيه بشكل دائم.
رغم ذلك، توجد العديد من السيناريوهات الأخرى التي تبدو معقولة على أقل تقدير في ضوء المعارضة المحتملة التي يمكن أن يواجهها سعيد. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الإدارة العامة، ودوائر الأعمال، والمهنيون، والأحزاب السياسية، ومجموعات المجتمع المدني ستتعاون مع التحركات الرئاسية القادمة، أم ستقاومها ؟.
وهناك عامل آخر مهم هو الملفات الشخصية للأفراد الذين سيختارهم سعيد ليكونوا مستشاريه، وليشغلوا أهم المواقع والمناصب في البلاد، لأنهم سيساعدون في رسم ملامح الأولويات السياسية وتنفيذها.
وأخيرا، هناك رد فعل المؤسسات المالية الدولية، ووكالات التصنيف، والجهات الدائنة، التي يمكنها توسيع، أو تضييق المساحة أمام سعيد للقيام ببعض المناورات الاقتصادية.
ويعيش الاقتصاد التونسي حالة يرثى لها، في ظل انكماش بنسبة 8,8%، وعجز مالي بنسبة 11,4% من الناتج المحلي الإجمالي. وزادت الجائحة من تعقيد هذه المشكلات، ,وأضافت إليها مئات الموتى يوميا، علاوة على قيود صارمة على شتى أنواع الحركة والانتقالات.
وتحتاج البلاد بشدة إلى قروض دولية لموازنة ميزانيتها، وليس من الواضح من أين ستأتي هذه الأموال. وسيجد سعيد نفسه مضطرا لتبني إجراءات تقشفية، ستواجَه على الأرجح برفض شعبي، ما يعزز احتمالية أن يتحول 25 يوليو إلى منعطف جديد نحو مزيد من الحكم الاستبدادي.
الأبعاد الإقليمية للأزمة
تونس بلد صغير يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة، لكنه يواجه فسادا اقتصاديا جامحا منذ ثورات الربيع العربي أدى إلى إضعافه. وزاد الطين بلة حالة الجمود السياسي التي هيمنت عليه مؤخرا، وسوء إدارة أزمة كورونا، وانهيار السياحة، ومن ثم فقد صار أكثر اعتمادا على سياسات ودعم جيرانه الأكبر حجما والأكثر ثراء في شمال إفريقيا، خاصة الجزائر ومصر وليبيا، إلى جانب دول الخليج العربي، وفرنسا الجارة على الجهة الأخرى من البحر المتوسط، والمستعمر السابق. وتسعى جميع هذه البلدان إلى تحقيق أجندتها الخاصة في تونس.
ويتهم كثيرون في تونس قوى أجنبية بالمشاركة في الأحداث الأخيرة بشكل أو بآخر. على سبيل المثال، يميل مسؤولو النهضة إلى إلقاء لائمة الموجة الأولى من المظاهرات المناهضة للحزب في 25 يوليو على دولة الإمارت العربية المتحدة، لافتين إلى أن شبكة قنوات “العربية” الإماراتية أذاعت صورا للمتظاهرين على الهواء مباشرة، ولفترة مطولة، ما جعل الأمر يبدو وكأن هناك حشودا كبيرة مناهضة للحزب وتحمله مسؤولية عقد من سوء الإدارة والاغتيالات ضد سياسيين يساريين وعلمانيين.
في هذه الأثناء، دعت شبكة الجزيرة، التي تحظى بمتابعة على نطاق واسع، التونسيين إلى الاحتشاد دفاعا عن “الثورة والديمقراطية”.
وتقدم العوامل المحلية تفسيرا مقبولا للتطورات الأخيرة في تونس. فبينما تدخلت عوامل خارجية في الماضي في التوترات التي كانت موجودة مسبقا، وأججتها، تعود الأزمة الحالية إلى تدهور الأوضاع المعيشية، واستفحال المأزق السياسي بدرجة أكبر مما تعود إلى دور جهات خارجية.
حل عالمي
كل شيء في حالة تغير مستمر. فاللاعبون التونسيون الأساسيون على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، مثل النقابات المهنية للمحامين والقضاة والصحافيين،يدعون إلى احترام الميادئ الأساسية للدستور.
من جهته، طالب الاتحاد العام التونسي للشغل (المعروف بالاختصار الفرنسي UGTT)، وهو الاتحاد الأقوى والأكثر تمثيلا للاتحادات التجارية، الرئيس التونسي بتحديد أهداف الإجراءات الاستثنائية.
وتعي معظم الدول التفاصيل الدقيقة في المأزق التونسي، ولا ترغب في التسرع في اتخاذ إجراء أو حتى في التعليق على ما حدث. وبينما أدان المسؤولون الأتراك الخطوة التي اتخذها الرئيس، تجنب آخرون، مثل فرنسا والاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي، والولايات المتحدة الأميركية-وجميعها أطراف مؤثرة في تونس – اتخاذ موقف واضح بشأن هذه الأحداث، وفضلوا حث جميع الأطراف على تجنب العنف، والالتزام بالدستور، من دون تمرير أحكام بشأن ما إذا كان انتزاع سعيد للسلطة يعد دستوريا من عدمه.
ويجب على القوى الخارجية ممارسة أقصى قدر من الضغوط على جميع الأطراف التونسية الذين يستمعون إليها لتجنب مزيد من الاستقطاب والانزلاق في دوامة العنف. وعلى وجه التحديد، يجب أن تتخذ فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وألمانيا موقفا أكثر صرامة، حتى لو من وراء الكواليس، وذلك من خلال دفع الرئيس إلى الالتزام علنا بخارطة طريق تُفصِّل ما يعتزم القيام به خلال هذه الفترة، وإلى إعادة تأسيس العملية الديمقراطية، بما في ذلك دور البرلمان وفقا لما حدده الدستور، في وقت لا يتجاوز شهر أكتوبر القادم عندما يعود البرلمان من عطلته. وقد أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بيانات بالفعل بهذا المعنى.
كما يجب على هذه القوى أن تحث الرئيس التونسي على استشارة الجماعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الرئيسية في البلاد، بما في ذلك إجراء حوارات مفتوحة حتى مع منافسيه خلال هذه الفترة المتأزمة، والعمل بمقتضى الدستور. كما يجب عليها إرسال إشارات واضحة بعدم توجيه حملات قمع ضد المعارضين أو إساءة استخدام قضايا الفساد.
(انتهى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا