في عام ١٩٨١ وفي خضم الحرب المستعرة بين البلدين الجارين العراق وايران٫ استطاع العراق فرض حصار على حركة الملاحة من وإلى الموانئ الايرانية مستخدماً في ذلك ما توفر لجيشه من ترسانه أسلحة.
استخدمت القوات العراقية طائرات الميراج والميج والمروحيات لمنع ناقلات النفط من إيصال حمولاتها الى ايران وكانت أولى ضحايا هذه المرحلة من الحرب ناقلة نفط تركية اسمها أطلس أصيبت اصابة مباشرة خلال نقلها للنفط الى جزيرة خرج الايرانية.
أثار هذا التطور قلق القادة الإيرانيين الذين وصلوا إلى السلطة في طهران عقب انتصار الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الشاه عام ١٩٧٩ خاصة مع إدراكهم الفجوة الشاسعة في الإمكانيات العسكرية بين قواتهم وبين الجيش العراقي.
أسلوب جديد في الحرب
تفتق ذهن الإيرانيين عن أسلوب جديد للرد٫ فاستخدموا ما توافر لهم من امكانيات محدودة لاستهداف السفن التجارية وناقلات النفط المرتبطة بالعراق والدول الداعمة له في المعركة ، وبداية من عام ١٩٨٤ بدأت هذه السفن تتعرض لضربات مباشرة من الجانب الإيراني الذي استخدم صواريخ أرض جو ضد ناقلات النفط الضخمة اضافة الى قوارب صغيرة الحجم لتفخيخ الخليج وتزايدت الهجمات الإيرانية مع حلول عام ١٩٨٧ ومع حصول طهران على صواريخ صينية مضادة للسفن البحرية.
ويشير الكاتب الأمريكي مايكل كلير في كتابه “دم ونفط” إلى أن حرب الناقلات هذه كانت بمثابة أول اختبار عسكري للقيادة المركزية الامريكية التي تمثل “العصب الرئيسي لعمليات القوات الأمريكية في منطقة الخليج”.
ففي عام ١٩٨٧ ومع تزايد الهجمات على ناقلات النفط٫ أمر الرئيس الأمريكي رونالد ريجان السفن الحربية الأمريكية بمرافقة ناقلات كويتية لضمان سلامتها وسلامة حمولتها من النفط حتى خروجها من مضيق هرمز٫ اضافة إلى رفع الأعلام الأمريكية عليها.
https://www.youtube.com/watch?v=0XTGhxXHtcA
وأكد ريجان لاحقاً في تصريح له أن إجراءً كهذا ضروري لإظهار التزام الولايات المتحدة بتدفق النفط عبر الخليج.
ورغم أن حرب الناقلات – والحرب العراقية- الايرانية بشكل عام – انتهت في أغسطس من عام ١٩٨٨ إلا أنها ظلت عالقة في أذهان الأمريكيين كنموذج يمكن أن يتكرر من قِبل إيران وينتج عنه تأثير بالغ على حركة النفط وسوقه.
الخطر يعود مجددا
وقد عادت حرب الناقلات الى أذهان كثيرين حول العالم مع تزايد الهجمات المشابهة لها مؤخراً٫ حيث طرح مراسل شبكة بي بي سي البريطانية سؤالاً حول ما إذا كانت كل من الولايات المتحدة وإيران متجهتيْن إلى مواجهة مماثلة؟
حيث شهد شهر يوليو ٢٠٢١ هجوماً على سفينة تجارية “إسرائيلية” وهي تبحر في مياه الخليج العربي قبالة سواحل سلطنة عُمان ووفقًا لبيان نشرته شركة زوديال ماريتايم المُشغِّلة للسفينة فقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل اثنين من طاقمها أحدهما روماني والآخر بريطاني.
وبمجرد وقوع الهجوم أشارت أصابع الاتهام الصهيونية الى طهران حيث نقلت القناة 13 التليفزيونية “الإسرائيلية” عن مسؤول حكومي قوله، إن إيران مسؤولة عن هذا الهجوم المميت مشيراً إلى أن طائرة مُسيَّرة استخدمت في الهجوم على السفينة.
وبدا أن الاتهام يأتي في سياق رد إيراني على استهداف سفن تابعة لطهران٬ واحدة في البحر الأحمر وأخرى حربية في ميناء جاسك الإيراني والتي اشتعلت فيها النيران وغرقت في أجواء لفَّها الغموض.
كان هذا الاتهام كفيلاً بقرع ناقوس الخطر في واشنطن٫ الحليف والراعي التاريخي والاستراتيجي لتل أبيب٫ إذ أن الاتهام في حال صحته يعني ببساطة أن طهران لن تحتاج الى صواريخ مضادة للقطع البحرية كما فعلت في الثمانينات لاستهداف ناقلات النفط بل تكفيها بضع طائرات دون طيار لفعل ذلك وربما غلق مضيق هرمز الذي يعبر خلاله نحو خمس إنتاج العالم من النفط أي نحو 17.4 مليون برميل من النفط يوميا وبالتالي التأثير ليس على امدادات النفط الى الولايات المتحدة فحسب وإنما على سوقه العالمي بشكل عام أيضا.
ومع استمرار أجواء التوتر في المنطقة لا يزال السؤال عالقاً دون إجابة واضحة أو محددة: هل العالم مُقبل على حرب ناقلات جديدة٫ أخطر من تلك التي شهدتها ثمانينات القرن العشرين؟