تمهيد: يعرض هذا الكتاب لصفحات من علاقة الإسلام بالغرب، وكيف أن هذه العلاقة بدأت من إرسال الرسول(ص) رسائل إلى كسرى وقيصر و ملك الحبشة وغيرهم. وكيف جهل الغرب حقائق الإسلام المشرقة و طبيعته السمحة ووجهه المضيء، وكل هذا سبب العداوة و الكراهية من جانب الغرب للإسلام، ولقد حشد الغرب كل أسلحته الدعائية من أجل تشويه صورة الإسلام و المسلمين، وخاصة التركيز على انتشار الإسلام بحد السيف، بدون أن يقفوا بموضوعية و حيادية على الجوانب المشرقة في الإسلام، وما قدمته الحضارة الإسلامية للعالم منذ القدم، وخير شاهد على ذلك حضارة المسلمين في الأندلس، والتي كانت مركز إشعاع حضاري في مختلف مجالات الحياة و العلوم.
ولقد صدر هذا الكتاب (الإسلام كبديل) تأليف مراد هوفمان،وترجمة .غريب محمد غريب،عن دار مكتبة العبيكان،ومؤسسة بافاريا للنشر و الإعلام و الخدمات،ط2 ،1997 ،ويقع في 252 صفحة،ويتضمن مقدمة وعشرين فصلًا و خاتمة.
توضح مقدمة الكتاب كيف أن آراء ورؤى بعض مفكري الغرب و مؤلفاتهم التي تناولت الإسلام لا تتسم بالموضوعية و لا بالإنصاف، وكيف أن هولاء المؤلفين يروجون صورة بشعة عن الإسلام بوصفه دين إرهاب و تطرف و عنف، وأنه انتشر بحد السيف، ومن هنا يحاول المؤلف أن يقدم صورة حقيقية ناصعة البياض عن الإسلام، ويوضح حقيقته و طبيعته التي تنم عن السماحة و الاعتدال و قبول الآخر، وكيف أن الإسلام يمثل الطريق الثالث إبان الصراع بين العالم الغربي و الشيوعي، وأنه يمثل الخيار الحر المستقل عنهما([1] ).
الإسلام والغرب
ثم يمضي بنا الكتاب ويستعرض في الفصل الأول(الإسلام و الغرب) العلاقة التاريخية بين الإسلام و الغرب، ونشير في هذا السياق أن هذه العلاقة لم تخل من التوتر أو التحفز، كما صحبتها ملامح المجابهة،على الرغم من توافر التلاقح الفكري و الاقتصادي، و الصورة الحالية لتلك العلاقة تمثل وجود عالمين الشرق و الغرب، أو المشرق و المغرب،يسودهما الصراع،ولا يتمم أحدهما الآخر،بل هما عالمان متقابلان ،أحدهما معاد للآخر،لا يتفهمه و لا يطمئن إليه(من وجهة نظري الصورة ليست قاتمة و سوداء بل في العقود الأخيرة هناك لقاءات و حوار مشترك يحاول تقريب المسافات) وفى هذا السياق نشير إلى حقيقة مهمة وهى أن الفتوحات الإسلامية في الشرق و الغرب جنحت بالإنسان الغربي المسيحي إلى الزعم بأن الإسلام دين عدواني، و أنه انتشر بحد السيف،والرد على هذا الزعم بأن الكثير من الشعوب اعتنقت الإسلام و على رأسهم النصارى، لأنه يتفق مع اعتقادهم في رفض الطبيعة الإلهية للمسيح و رفض التثليث([2]).وأنا لا أتفق مع هذا الطرح لأن هناك أسبابا أخري دعت النصارى لاعتناق الإسلام منها العدل و المساواة و سماحة الإسلام و تقبل الآخر. وفي هذا السياق لعلاقة الإسلام بالغرب نتوصل إلى نتيجة مفادها أن صورة الإسلام اهتزت في الغرب بعد الثورة الإيرانية و حرب الخليج، حيث جرت أحداث و تصرفات أساءت إلى الإسلام بشكل كبير، وبناء على ذلك يضع المؤلف الحل الناجع و الذي يتمثل في ضرورة إرساء قيم الحوار و التسامح بين الشرق و الغرب،وتقبل الآخر. ثم يعرض لحقيقة تكاد تكون بديهية و هي إيمان المسلمين بوجود الله الواحد الأحد، و هذا واضح في النطق بالشهادة (أشهد أن لا إله إلا الله) و التي تتمثل في تنزيه الله عن الصاحبة و الولد، وبها أيضا نقر بوحدانية الله أو التوحيد، و في هذا السياق نشير إلى أـنه برسالة محمد (ص) قد اكتمل الدين وكمل،ونزول آية سورة المائدة خير شاهد على ذلك(اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وبلفظ المسلم في القسم الأول من الشهادة يؤكد اعترافه يقينا بوحدانية الله، و في الشطر الثاني يؤكد اكتمال الوحي و الرسالة بمحمد(ص) و أن هذا الاكتمال لم يكن متوفرًا قبل محمد([3]).
وبعد ذلك نصل في تحليل الكتاب إلى المحطة الثالثة(المسيحية من وجهة نظر إسلامية) و نشير إلى حقيقة مهمة و هي أن الإسلام لا يعد نفسه دينًا جديدًا في مقابل المسيحية لمجرد أنه جاء بعدها تاريخيًا، بل يرى نفسه إكمالا و تصحيحا للدين الداعي إلى الوحدانية المطلقة، ومن هنا فالإسلام لا يشجب غيره من الأديان، بل يبني صرحه على أساس الديانتين اللتين سبقتاه. وفي هذا السياق فإن صلاحية الإسلام ومشروعيته ليست ناتجة عن رفضه لليهودية و المسيحية ، وإنما من المقارنة الموضوعية بين الأديان الثلاثة، وبناء على ذلك نتفهم موقف الإسلام في الإيمان بأن عيسى نبي من أنبياء الإسلام، فقد أسلم لله كما يدل على ذلك المعنى الحرفي اللغوي للفظة مسلم([4]).
ونشير إلى موقف الإسلام من بعض القضايا المسيحية الجوهرية مثل قضية الخلاص أو الخطيئة الأولى، ويتمثل موقف الإسلام من هذه القضية في رفض الإسلام رفضًا قاطعًا الحاجة إلى المخلص، لأنه مناقض لمبدأ قرآني رئيسي في الإسلام (لا تزر وازرة وزر آخري) الأنعام(164).
وبعد ذلك يشير المؤلف إلى علاقة الإسلام بالعلم من خلال الفصل الرابع(الإيمان و العلم) وهذه العلاقة هي علاقة تكامل وليست علاقة صراع، ويتضح هذا جليًا من خلال حرص الإسلام على طلب العلم، وحض الكثير من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية على طلب العلم، و أنه فريضة على كل مسلم و مسلمة. وليس أبلغ من ذلك أن أول الآيات التي نزلت في القرآن تحض على العلم . و يجب أن نلفت الانتباه إلى حقيقة مهمة وهي أنه كلما اشتد الوعي الديني و الاستنارة لدى العالم الحديث، صارت الحاجة إلى الدين أقوى و ألزم على الأقل لإضفاء الشرعية على السلطة و القانون. وفي هذا السياق تعالت صيحات التقريب بين العلم و الدين، وعدم وجود تناقض بينهما من خلال الدعوة إلى جعل العلم إسلاميا([5]). ثم يتطرق الحديث عن قضية مهمة في الفكر الإسلامي و هي قضية التصوف، ونود الإشارة هنا إلى حقيقة تاريخية وهي أنه لم يؤثَر عن مؤمني الرعيل الأول أنهم تسموا بالصوفية أو أنهم قالوا أنهم يجدون ما يجد الصوفي. وبناء على ذلك تعتبر السمة الغالبة على التصوف هو الطريق الباطني الموصل إلى المعرفة و الكشف، فتزول الحجب، و يفنى المخلوق في الخالق، ومن هنا تتحقق الوحدة الصوفية. ولقد قام التصوف بدور ايجابي في المجتمع الإسلامي على مر التاريخ، وكانت له أياد بيضاء في نشر التقوى بين طبقات الشعب، ومن خطل الرأي أن يظن البعض اليوم أن التصوف في عصر العقلانية لا دور له، فالعكس هو الصحيح، على سبيل المثال أسهمت الحركة التيجانية في مستهل القرن التاسع عشر في نشر الإسلام في غرب أفريقيا([6]).
ثم تستمر فصول الكتاب حتى يلقي المؤلف الضوء على قضية مهمة شغلت المفكرين على مر العصور، وهي قضية الجبر و الاختيار أو القضاء والقدر، ونشير في هذا السياق إلى أن الجبرية أرسخ ما تكون في الإسلام الذي يدافع عنها، ولكن هناك خطأ يقع فيه الغربيون و هو أن الإسلام دين خنوع و استسلام، ونلفت الأنظار هنا أن المسلمين ظلوا على وعي تام بما يحيط قضية الجبر (القضاء و القدر) من مشاكل عويصة و معقدة، في الوقت الذي تناست فيه المسيحية تلك المشكلة فتهربت منها بكليتها، وعدم معالجتها. والسؤال الجوهري في تلك القضية كيف يمكن التوفيق بين قدرة الله المطلقة، وبين اعتبار الإنسان ذا إرادة حرة فاعلة؟ ولقد قدم الإسلام حلولًا و إجابات على هذا السؤال مثلًا قالت المعتزلة بالاختيار ردًا على الجبرية، أما الاشعرية وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري، فقد حاولوا التوفيق بين علم الله و إرادته ، وبين حرية اختيار الإنسان لأفعاله.([7]).
ثم يعرج المؤلف على قضية الأصولية أو السلفية، وفي هذا السياق نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن أي دين أو عقيدة لابد لها أن تقوم على أسس ثابتة راسخة، و هذا ينطبق على الإسلام الذي قام صرحه على أسس ثابتة راسخة لا تتغير. وفي هذا السياق نشير إلى أبسط تعريف للأصولية وهي إحياء الدين بالرجوع إلى المصادر الأولى، فهي تمثل موقفا فكريا ورؤية عالمية كحركة ترى الالتزام بالإسلام كما كان في أول عصره ،كما عرفه الصحابة و السلف. ولقد ظهرت الأصولية الأولى و رسخ لها أحمد بن حنبل . ولقد ظهرت مشكلات بسبب التمسك الحرفي بالنص، لعل أبرزها مشكلة دلالة النص([8] ).
ثم يؤكد الكتاب على قضية مهمة وهي قضية سماحة الإسلام، و أن الإسلام ليس دين عنف أو تطرف، ويجب أن نوضح في هذا السياق أن إلحاح الإسلام على ضرورة السماحة و التسامح رسخ في القران في آيات كثيرة مثل الآية التاسعة و العشرين من سورة الكهف(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) ولعل تسامح الإسلام حتى مع الكافرين يعد دليلًا ناصعًا على هذا المبدأ الذي يرسخه الإسلام في أتباعه.
الحكم في الإسلام
ويتعرض الكتاب لقضية الحكم في الإسلام و هي من القضايا التي شغلت أذهان المفكرين على مر العصور، وبخاصة في الفكر الاسلامى، ونعود في هذا الشأن إلى سقيفة بني ساعدة وما تم بها من اختيار الخليفة الأول أبو بكر الصديق، ونطرح افتراضا مهما ماذا لو حضر الإمام علي إلى سقيفة بني ساعده و تم اختياره بدلًا من أبي بكر، ولم ينشغل علي بتجهيز الرسول عند وفاته، الإجابة أن اختياره كان سيفسر بأن الخلافة وراثية ملكية وذلك لقرابته من الرسول قرابة عريقة لم تتوفر في الخلفاء الثلاثة الراشدين، ومع ذلك فإن عدم اختيار الإمام على خليفة أول، لم يمنع تغلغل فكرة الوراثة الملكية بالعصبية التي سيطرت على الإسلام . هذا من جهة أولى ، أما الجهة الثانية فتتعلق بالسؤال التالي لو أن عليا اختير أول خليفة، ألم يكن ذلك مانعا لنشوء ظاهرة وجود إسلام ذي اتجاه معين على صعيد ممتد من لبنان إلى سوريا، وهو إسلام له ملامحه الفارقة في عالمه الخاص به([9]).
ثم يتعرض الكتاب لموضوع آخر يمثل أهمية كبيرة و هو المعاملات الاقتصادية في الإسلام، ونود الإشارة هنا إلى أن الإسلام يمثل إرشادًا إلى الحياة القويمة في كافة المجالات، وبناء على تلك القاعدة أيضا تكون في تبينه للعلاقات التجارية و التعامل بين القوى المنتجة التي تشمل العمل نفسه و الأرض المستثمرة، و باختصار فإن الإسلام يبين مواصفات الاقتصاد السليم. ويشير المؤلف في هذا السياق إلى أن القرآن لم يذكر إلا بعض الأسس، فنرى القرآن يفصل القول في المسلم المقتصد،لا في النظام الاقتصادي الذي ينبغي على المسلم الأخذ به (لا أتفق مع تلك النظرة فالقرآن و ضح الكثير من الأسس في المعاملات التجارية و الاقتصادية مثل البيع و الشراء وعدم الآخذ بالمعاملات الربوية و غيرها) ولقد أكد الإسلام على مراعاة الجوانب الأخلاقية في مجال الاقتصاد و المعاملات التجارية، ومن هنا فلابد من توافر شروط في كل نظام اقتصادي إسلامي لعل من أهمها، احترام حق الملكية الخاصة، و هذا طبيعي من وجهة نظرنا، لأن الملكية الخاصة أساس الملكية العامة. أيضا على الدولة أن تراقب الالتزام بالتسعيرة و ذلك لمنع الاحتكار([10]).
ثم يتعرض الكتاب لموضوع آخر يمثل أهمية خاصة على المستوى المحلي و العالمي و هو موضوع البيئة و كيفية المحافظة عليها، و وما موقف الإسلام من البيئة، و القواعد التي وضعها للحفاظ على البيئة. ويجب الإشارة هنا إلى حقيقة قد يكون البعض غافلًا عنها و هي أنه لا يستطيع أحد أن يجازف في القول أن الدول الإسلامية حتى اليوم تحافظ على البيئة محافظة واعية أكثر من الدول غير الإسلامية، بل العكس هو الصحيح. و بناء على ذلك نشأت محاولات جادة لوضع أسس إسلامية لعلم الأخلاق البيئي الإسلامي ومن أهم هذه الأسس أن المسلم مكلف بالاعتدال في كل شئ ، وليس له الحق في أن يسرف في استهلاك مصادر الطاقة، ولذا لابد من حفظ التوازن البيئي مصداقا لقوله (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (الأعراف56 ) وفي هذا السياق نشير إلى دعوة القرآن للمحافظة على البيئة بكل مظاهرها. ومن هنا لابد من وضع حلول للمحافظة على البيئة لعل من أهمها كما يشير المؤلف إلى تغيير الإنسان من الداخل لإدراك أهمية البيئة، و توعيته بالحفاظ عليها([11]). وأنا بوجه عام لا أتفق ما يسمى علم البيئة الإسلامي، فالعلم لا وطن و لامكان له، بل البيئة مشترك إنساني، يجب الحفاظ عليه من البشرية جميعها، و لا نضفي كلمة إسلامي على أي علم من العلوم .
ويتعرض الكتاب أيضا في أحد فصوله إلى موضوع الفقه الإسلامي، و الذي يعد من أهم العلوم في الفكر الإسلامي، و يجب الإشارة هنا إلى أن الفقه الإسلامي ينتظم أمور الحياة جميعها وأفعالها، قوانين تكفل تنظيمها، صغيرها و كبيرها بلا مثيل، وهذا نتج عنه عدم التفريق تفريقًا محددًا بين عالم الدين، و الفقيه، ولقد نشأ عن المساواة بين الفقه وبين علوم الدين، أن الإسلام بصفته دينا و حضارة و عقيدة و ثقافة لا يمكن الإحاطة به دون معرفة الفقه الإسلامي، وهذه الخاصية الشاملة للفقه تتجلى بوضوح بالغ في التصوير الكلي العام للقانون الإسلامي، وعلى العكس من النظم الغربية لا يفرق علم الفقه الإسلامي بشكل غير مبدئي بين القانون و العادات و التقاليد ، أو بين القانون المدني أو القانون العام. و يجب أن نلفت الانتباه إلى أن القرآن هو المصدر الرئيس للفقه الإسلامي، كما أن السنة سواء القولية أو العلية أو التقريرية هي المصدر الثاني للفقه الإسلامي([12]).
قضايا مهمة
ثم يستمر الكتاب في طرح موضوعات مهمة و يتعرض لموضوع أو قضية حقوق الإنسان في الإسلام، وفي هذا السياق يؤكد المؤلف على حقيقة مهمة و هي أن هيكل الحقوق الإنسانية لن يتصدع طالما فهم معنى الحقوق الأساسية كما يفهمه الإسلام، أي أن الحقوق ليست من وضع الإنسان، وإنما يجدها الإنسان فيتعرف عليها ، وليس هو موجدها، وأن المعول في قيام حقوق الإنسان أو سقوطها، إنما يتعلق أولا و أخيرًا بالإيمان بالله، فإذا أنكر امرؤ وجود الله، فإنه بهذا يضع كافة الحقوق تلقائيا تحت تصرف الإنسان أو رحمته، و نشير هنا إلى أن الإسلام واحد من أسبق الأنظمة القانونية الكلاسيكية الشاملة لحقوق الإنسان، يتأتى هذا من يقين المسلم و اقتناعه بأن أي قانون يصدق وصفه بأنه من عند الله ، هو قانون حق، مثل القوانين التي مصدرها القرآن و السنة، وبهذا وجدت حقوق الإنسان كذلك في نظرية القانون و الحقوق في الإسلام أساسًا راسخًا ثابتًا تقوم عليه([13]).
ويجب أن نضع في الاعتبار أنه لا يوجد تناقض ولا تعارض بين الإسلام و مبادئ حقوق الإنسان، بل على العكس يمثل الإسلام نظامًا شاملًا متكاملًا في احترامه لحقوق الإنسان و تأكيدها.
ثم يستمر الكتاب في طرحه لقضايا تمثل أهمية كبيرة في الفكر الإسلامي، و يوضح موقف الإسلام منها، و يتعرض مثلا لقضية المرأة و مكانتها في الإسلام و كيف رفع الإسلام من منزلتها، و كرمها ، وليس هناك أدل على ذلك من أن القرآن خصص سورة من سوره باسم النساء، حيث عرض لحقوق المرأة، كذلك حديث القرآن أو الخطاب القرآني لا يفرق بين الرجل و المرأة ، فهل بعد ذلك من المعقول أو المقبول أن يظن أحد أن هذا الدين يسمح بقوانين تظلم المرأة أو تتجني عليها ؟ لقد كان النبي يعامل المرأة معاملة تنم عن مكانتها و منزلتها، و أن المرأة تحتل لديه مكانة عالية. كما أن من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة أنه حين يعقد الزواج تستطيع الشابة المسلمة التي تبغي الزواج أن توافق على قبول المتقدم أو لا توافق، كما أن القرآن قد نظم الأحقية في الميراث و النصاب بين الرجال و النساء والوالدين([14] ).
ثم يعرض الكتاب لقضية تاريخية ما زالت مطروحة بقوة على الساحة الفكرية وهي سوء فهم الغرب للإسلام و للشرق بوجه عام، ومازال هذا الانطباع سائدًا إلى اليوم في علاقة الغرب بالشرق، وفي هذا السياق نؤكد على حقيقة مهمة و هي أنه على الرغم من أن العالم الغربي شن حروبًا متتالية قرونًا طويلة على العالم الإسلامي سواء في الشرق الأوسط أو اسبانيا، إلا أن العالم الغربي مع ذلك لم يحفل أو يهتم بمعرفة حقيقة الإسلام طيلة هذه القرون، لا من الناحية الدينية و لا من الناحية الحضارية . وهكذا بقى الشرق غامضًا، يراه الغرب من وراء حجاب . ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن المستشرقين الغربيين المنصفين المدافعين عن الشرق وحضارته، قد أسهموا بنصيب وافر في تصويب ملامح الصورة الخاطئة المشوهة للإسلام، ومع ذلك لا تزال صورة الشرق لدى الأوروبي غائمة الأبعاد، غير محددة المعالم، تشوبها الألوان و الأجواء المعروفة في ألف ليلة و ليلة، بما فيها من تخبط في الأحلام و الأوهام([15])
ثم يعرض الكتاب لقضية صار حولها لغط و جدال كبير و هي الحرب المقدسة في زعم الغربيين، وموقف الإسلام من هذه القضية الشائكة، و هنا يجب أن نوضح أن الإسلام لا يعرف ما يسمى الحرب المقدسة، بل و لا يقر هذه الصياغة لغويًا ، إلا على سبيل الترجمة من اللاتينية. ومع ذلك فمصطلح الحرب المقدسة ذو جانبين: أولا: أن الإسلام عرف الحرب وذلك بتسيير الحملات و الجيوش ضد شعوب وممالك ودول غير إسلامية. أما الجانب الآخر فهو هل الإسلام يشتمل على جانب عدواني ذي بنية عتيقة، الإجابة لأبد أن يكون هناك جهاد في الإسلام، والجهاد في الإسلام هو جهاد ضد الكفار و المشركين. ويجب أن نشير إلى أن الجهاد في الإسلام ليس عدوانًا و بغيًا على الغير، بل هو دفاع عن النفس و الأوطان.([16] ).
أيضا من القضايا التي تعرض لها الكتاب قضية القانون الدولي، و هنا يجب أن نضع في الحسبان أن القانون الدولي حديث الميلاد كمصطلح، فقد كان هذا القانون أول أمره منظما للمعايير القانونية بين الدول، إلى أن مهده وطوره الهولندي هوجو جريتوس. ولقد قدم القران الكريم القانون الدولي من خلال الالتزام بالعقود و المواثيق و الاتفاقيات و المعاهدات و ضرورة احترامها،(يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود) (المائدة) . و السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن الحديث عن قانون دولي إسلامي بالمعنى العلمي الضيق لهذا المصطلح؟ الإجابة أنه من الممكن لمثل هذا القانون الدولي الجزئي أن يتطور مراعيًا ما سبق اتخاذه من قرارات و أحكام اجتماعية استقرت مسبقا، ليكون بمثابة قواعد انتقالية تنظم العلاقات بين الدول الإسلامية، وأن يكون لهذا القانون صلاحية ملزمة، وذلك إلى أن تتحقق الوحدة المنشودة بتحويل – الدول الإسلامية جميعا إلى الأمة الإسلامية الواحدة التي يعنيها القرآن([17]).
خلاصة القول: رغم كل ما يتم ترويجه من قبل الغربيين عن الإسلام، يتضح لنا سماحة الإسلام و تقبله للآخر، و عدالته في التعامل مع الآخرين، و أنه لم ينتشر بحد السيف كما يشيع الغرب، و أن الأقليات غير المسلمة وجدت في الإسلام العدالة و الإنصاف الذي كانت تبحث عنه،وأن قوانين الإسلام لا تفرق بين المسلم و غير المسلم في التعامل. و أن الإسلام كان له قصب السبق في المحافظة على حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب اليوم.كما مثل الإسلام في قواعده و تنظيمه نموذجا يحتذي به.
[1]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل،ترجمة.غريب محمد غريب، مكتبة العبيكان، ومؤسسة بافاريا للنشر والإعلام و الخدمات،ط2،1997،ص19.
[2]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل،ص22. انظر أيضا.محمد حميد الله، الإسلام،ط جنيف،1968،ص443.
[3] -مراد هوفمان: الإسلام كبديل،ص37-38.
[4]-محمد عطاء الرحمن : عيسى نبي من أنبياء الإسلام، ط3،لندن،1983،ص75 .
[5]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل،ص76-77.
[6]-المرجع السابق:ص80.
[7]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل،ص95.
[8]-المرجع السابق: ص107.
[9]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل:ص121-123.
[10]-مراد هوفمان:الاسلامى كبديل،ص152 .
[11]-المرجع السابق:ص167.
[12]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل، ص178-180.
[13]-المرجع السابق:ص187.
[14]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل،ص195.
[15]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل، ص211.
[16]-المرجع السابق: ص235.
[17]-مراد هوفمان: الاسلامى كبديل،ص242.